بإنتخاب الباجي قائد السبسي رئيسا لجمهوريتها الثانية تكون تونس قد دخلت مرحلة جديدة من تاريخها تتجاوز من خلالها أربعة أعوام من محاولة قوى الإسلام السياسي السيطرة على مفاصل الدولة والمجتمع ، فالسبسي البورقيبي حتى النخاع وأحد الآباء المؤسسين للدولة الوطنية الحديثة منذ إستقلال البلاد في العام 1956 بات مسؤولا عن توجيه دفة الأمن والدفاع والعلاقات الخارجية في إنسجام مع حكومة سيشكلها حزبه الفائز في الإنتخابات التشريعية والحاصل على الأغلبية المطلقة في مجلس نواب الشعب ، وسيعيد للدولة هيبتها التي ترهّلت خلال فترة حكم سلفه المؤقت المنصف المرزوقي وحكومتي الترويكا الأولى والثانية ، كما سيعيد للديبلوماسية التونسية وجهها الناصع بعيدا عن الشعارات الإيديولوجية والخطاب الثوري المكابر والتدخل المجاني في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة والصديقة 

وقد بدا واضحا أن نتيجة الإنتخابات التونسية كانت محط إنتظار  الدول العربية والأجنبية التي تراهن على تجاوز تونس أزمتها الداخلية وإسترجاع دورها القومي والإقليمي والدولي ومواجهة جملة التحديات التي عرفتها أمنيا وسياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا 

وكان لافتا للإهتمام أن أول تهنئة تلقاها قائد السبسي من خارج البلاد كانت من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عبر برقية ثم من خلال إتصال هاتفي أجراه السيسي من بيكين حيث يؤدي زيارة الى الصين مع الرئيس التونسي المنتخب أكد فيه دعم القاهرة ومساندتها لتونس في المرحلة القادمة وإبتهاج المصريين بنجاح التونسيين في تحديد مسارهم السياسي المستقبلي 

وقابل قائد السبسي برقية السيسي بكثير من الشكر والتقدير نظرا لطبيعة العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين وهو ما عبّر عنه لاحقا عند إستقباله للسفير المصري في تونس 

كما كانت تهاني دول الخليج العربي لقائد السبسي إعلانا عن عودة الدفء للعلاقات الوطيدة بين تونس ودول مجلس التعاون الخليجي بعد أن عرفت نوعا من الفتور نتيجة التدخل السابق من قبل الرئيس المتخلي المنصف المرزوقي وحكومة الترويكا وحركة النهضة في الشأن الداخلي المصري وخصوصا بعد ثورة الثلاثين من يونيو التي أطاحب بحكم جماعة الإخوان المتأسلمين ،وكذلك نتيجة إنصهار حكام تونس السابقين في المحور الإقليمي الداعم لقوى الإسلام السياسي والذي بدأ يتفكك بقرار الشعوب الرافضة للتطرف والإرهاب وإستعمال الدين لأهداف سياسية إنطلاقا من دول ما يسمى بالربيع العربي وخاصة مصر وتونس وليبيا 

كما أن إشادة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بوعي ورشاد الشعب التونسي جاءت لتؤكد في رمزية لافتة على أن الجزائر التي قدمت دعما غير محدود لتونس خلال العامين لتونس وخاصة على الصعيد الأمني والعسكري لمواجهة خطر الجماعات الإرهابية في المرتفعات الغربية ستنقل الدعم الى طور آخر في ظل حكم الباجي قائد السبسي المعروف بعلاقات الصادقة الشخصية التي تربطه ببوتفليقة منذ بداية الستينيات من القرن الماضي وبعد الإطاحة بالمرزوقي الذي بدأ مرحلة حكمه بإنتقاد إستبعاد الإسلاميين من الحكم في الجزائر أول تسعينيات القرن الماضي 

وكان أول ديبلوماسي يقدم تهانيه للسبسي هو سفير دولة فلسطين في تونس مما يعني سعادة الشعب الفلسطيني بتجاوز تونس مرحلة صعبة من تاريخها كانت فيها المواقف السياسية الخارجية مرتبطة بالقناعات الإيديولوجية وليس بالمصالح العليا للبلاد حيث كان واضحا تعاطف المرزوقي وحكومة الترويكا مع حركة حماس على حساب العلاقات التاريخية والإستراتيجية مع منظمة التحرير الفلسطينية والسلطات الحاكمة في رام الله 

أما الموقف الليبي الرسمي من الإنتخابات فيرتبط كذلك بقراءة منطقية للتحول في تونس حيث أن السلطات الجديدة  ستكون واضحة في دعمها للشرعية المنبثقة عن صناديق  الإقتراع وهي شرعية البرلمان وحكومة عبد الله الثني في حين كان الرئيس السابق مرتبطا بعلاقات مع قوى الإسلام السياسي في ليبيا وغير متحمس لعملية الكرامة التي يقودها الجيش الليبي ضد الجماعات الارهابية 

كما أن تونس ستستطيع مستقبلا لعب دور مهم في تحقيق المصالحة بين الليبيين بعد أن تكون تجاوزت مرحلة الإنحياز لطرف على حساب الآخر 

ومهما يكن من أمر فإن تونس في عهد السبسي ستختلف تماما عن تونس المرزوقي ، حيث أنها ستكون قد تخلصت من عبء الإسلام السياسي والشعارات الثورية ودخلت مرحلة التوازن السياسي والمواقف الديبلوماسية وبراغماتية القرار بعيدا عن حالة التشنج التي كانت تعاني منها طيلة الأعوام الثلاثة الماضية