المندفعون برياح الخريف العربي إبتلعوا الطعم كما ينبغي ، قبل أن يكتشف العاقلون منهم حجم المؤامرة التي تستهدف الوطن العربي من محيطه الى خليجه ،وخاصة البلدان ذات القوة والثروة والموقع الإستراتيجي والتأثير الفعلي في الأحداث 

قبل عامين من الأن كان لي لقاء مع صحفي محترم من قطر خليجي ،سمعت منه عبارات المديح للثورة والثوار وما كان يسميه بالربيع العربي وإتجاه العرب نحو الحرية والديمقراطية ،وأجبته أن لا تفرح ولا تبتهج ، فالوضع له أبعاد وخلفيات مختلفة عما ترى ، والقوى التي تقود المرحلة لا تطمح أبدا الى خير الأمة ، وإنما الى وضع يدها على الثروات والمقدرات والإمكانيات المتوفرة في عدد من الدول العربية ، وما حدث في تونس  كان مرانا ، الهدف منه مصر ،وما حدث في مصر كان طعما الهدف منه ليبيا ، وما حدث في ليبيا كان الهدف منه مواقع النفط والغاز والصناديق السيادية والإستثمارات الموزعة في العالم 

أما الأدوات فالكذب الإعلامي الممنهج والذي تشترك فيه قنوات تليفزيونية ووكالات أنباء دولية وصحف ومواقع تشتغل كالأوركستر المنظّم بإشارة مايسترو واحد 

ثم صيّادو الغنائم ، وهؤلاء هم حملة السلاح من جهاديين  مغرّر بهم ومجرمين فارين من السجون ومهمشين يحلمون بالثروة والسلطة ومن مقاتلين مستوردين من مجتمعات فقيرة ومن فئات جاهلة وجائعة يبحثون عن المال ،ولا تهمهم نتائج المغامرة ، فالموت جزء من اللعبة ،

وإذا كان البعض يقع تحت تأثير الفتاوى المصنّعة حسب الإتجاهات القرضاوية المؤدلجة فإن هناك من يستعين في المغامرة بحبوب مخدرة تعتبر إحدى ميزات زمن الثورة العربية ، حتى أن الشاب قد يبتلع حبّة واحدة ليشعر بنفسه وكأنه أسد مستعد لمواجهة دبّابة ،وللهجوم على مركز أمن ، وعلى مبنى حكومي ،وربما على كتيبة شرطة أو درك 

ويعمل إخوان الشيطان على الإستفادة من كل ذلك عبر إعلامهم الموجّه وخطابهم الإسلاموي الذي يجعل من الدين أداة إنقلاب لا غير ، مستغلين فقر الفقير وجهل الجاهل وحرمان المحروم وغباء الغبي وطمع الطامع وإنتهازية الإنتهازي ، فما يهمهم ليس أن تخرب البلدان  ولا أن  تسقط الدول ولا أن تتشتت المجتمعات وإنما إحداث ذلك التحوّل الذي يطمحون إليه والذي يصل بهم الى الحكم في إطار صفقتهم المشبوهة مع القوى الكبرى التي تريد أن تجعل منهم حصان طروادة للإطاحة بالمنطقة العربية وضمان الأمن لإسرائيل والهيمنة على منابع الطاقة 

وبقليل من الحدس يمكن فهم الكثير من الحقائق ، حيث أن تصنيع ثورة وتعليبها بات ممكنا ، طالما أن التمويل من قطر والماركة أمريكية والخامات محلية ومستوردة من مجتمعات الجوع والفقر ، وطالما هناك بذور حقد فئوي وطبقي ومذهبي وطائفي وعرقي في المنطقة العربية تغذيه جهات بعضها مجاور وبعضها يشتغل عن بعد 

ولعبة صيادي الغنائم حدثت في الكويت عندما غزاها جيش صدام حسين في صيف 1990 ثم في العراق عندما غزاها التحالف في 2003 وسلّمها هبة لإيران ، ثم في ليبيا في العام 2011 والتي لا تزال إلى اليوم مغنما للإخوان والميلشيات المسلحة ، وكادت مصر أن تنهار نهائيا مع حكم الجماعة المحظورة ، قبل أن يقف الإرث الحضاري والثقافي العريق في الواجهة ، وتسرى دماء النخوة في عروق البسطاء والأميين والفقراء ممن نهضوا في ثورة الثلاثين من يونيو حتى لا يروا بلادهم غنيمة للإخوان وقطر وعتاة الإرهاب 

وما حدث في مصر ، قطع طريق صيادي الغنائم  نحو الجائزة الكبرى : دول الخليج العربي 

فالمشروع كان يهدف الى بث الفوضى وإسقاط الدول من خلال مخطط عالمي يعتمد على تحريك الرعاع وفبركة الصور والإفلام ونشر الإشاعات والتحريض القبلي والديني والطائفي ، وإغراء الشباب  الفقير من  الفئات المهمشة وأبناء الجاليات والدول المجاورة بالمشاركة في تخريب دول مستقرة ومجتمعات مسالمة فقط من أجل الغنائم 

ولكن في دول الخليج من القوى الحية والأجهزة الأمنية والقيادات السياسية والمخابراتية من أدرك طبيعة السيناريو وحقيقة المشروع الفوضوي الذي كان يستهدف المنطقة ، فتمت الإطاحة بشبكات إخوانية كانت على صلة بالوكلاء الإقليميين المكلفين بتنفيذ المشروع ، وتم الكشف عن المتآمرين من وراء الأبواب المغلقة ومن فوق منابر الصلاة ومن وراء كاميراهات التليفزيون وفي سراديب الإستخبارات ، 

ويحسب لدولة الإمارات العربية المتحدة أنها أحبطت المشروع أمنيا 

ويحسب للمملكة العربية السعودية أنها أطاحب به سياسيا 

ويحسب لدولة البحرين أنه هزمته ميدانيا 

ويحسب للدول الثلاثة أنها إجتمعت أمنيا وسياسيا وميدانيا وديبلوماسيا كذلك ، لتسقط ورقة التوت عن منفذي السيناريو في المنطقة ، وأنها عرفت كيف تحمي نفسها وشقيقاتها من المؤامرة ، وكيف تقف الى جانب مصر  في مواجهة الإخوان ، وكيف تقول لقطر : كفى ، فلسنا الغنيمة ولسنا من يستبيح صيادو الغنائم حرماتهم وثرواتهم