يتردد مصطلح ( الخلايا النائمة )  في الأونة الأخيرة كثيرا فى الأخبار والتقارير الصحفية , فضلا عن دخوله كمعطى فى الأدب السياسي وكأنه أستنطاق للمصطلح القديم ( الطابور الخامس ) الذي نحته الجنرال فرانكو أبان الحرب الأهلية فى أسبانيا فى النصف الثاني من تلاثينيات القرن الماضي .

المصطلح يعنى ببساطة جماعات يتم زرعها فى أوساط الطرف الآخر بأوامر محددة ويتم تحريكها فى أوقات ومواعيد تساعد هذا الطرف أو ذاك فى التحريض والتهييج والتخريب , أضافة الى بث الشائعات وأثارة الفتن وصولا الى التحرك المسلح, ولجأت جميع الأمم والجماعات المتصارعة عبر التاريخ الى أستخدام تلك الخلايا في تأمين المطلوب منها خدمة لأهداف من أرسلها وزرعها .

يعكس المصطلح عادة مدى توافق هذه الخلايا مع المصدر عقائديا أو سياسيا ولا يعنى بالضرورة العمل بمقابل مادي  أو مصلحي الا في أضيق الحدود وفى حالات نادرة وهنا يقترب من العمل الجوسسي أو العمالة , وتنجح هذه الخلايا فى معظم الأحيان فى القيام بأدوارها قبل وأثناء أحتدام المعارك وتؤسس قواعد داخل جبهات الطرف المناؤى تعمل على تأمين المستهدف من زرعها .

يتم تجنيد تلك الخلايا النائمة على أسس شديدة الدقة, ويتم أختيار عناصرها من الأوساط المعدمة والأمية والمهمشة أجتماعيا وسياسيا, أو تلك التى ليس لديها ما تخسره ,خاصة وأن الأغواء ( بالجنة والحوريات فى حالة الأسلام السياسي , أو بالمناصب والحكم فى حالات السياسي) يكون فى أغلب الأحيان شديد التأثير وتحديدا بين شرائح عمرية صغيرة يحكمها الحماس والأندفاع .

الفقر أذن والجهل والتهميش والقمع  والأستبداد والتغول الطائفي أو الجهوي ( مع أستثناءات قليلة )  هم المؤسس الأصيل لتلك الخلايا والقاعدة الرئيسة لذلك البناء الذي يقوم بالتخريب المبرمج تمهيدا للأجتياح والتدمير, وهم الفيروس الذي يتسلل للجسد والفتك بنسيجه الداخلى .وهم من يعمل وفقا لبرامج محددة على ضرب الجبهة الداخلية وتفتيت تماسكها .

كانت المخابرات الأمريكية تطلب من خلاياها النائمة فى نيكاراغوا بعد أنتصار الثورة السانديانية فى السبعينيات وسقزط الدكتاتور سوموزا أن يعملوا على ترك الحنفيات مفتوحة فى المداراس والمستشفيات و الحدائق والأدارات العامة للدولة وترك الأضواء  والأبواب مفتوحة وتهشيم مصابيح الشوارع واغراق الثروة الخشبية بالماء الخ الخ .. من عمليات تخريبية تتراكم لخلق حالة الأحتقان .. فى حالة أخرى أكتشفت دولة فى شرق أوروبا قبل سقوط الكتلة الشرقية أن أحد أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم جاسوسا للمخابرات المركزية الأمريكية وراعيا لخلايا نائمة .. في التحقيق معه كشف أن مهمته الوحيدة لم تكن تزويد الوكالة الأستخبارتية بالمعلومات ولكنها تنحصر فقط فى عرقلة وصول أي شخصية ذات كفاءة لموقه مهم وأختيار الأغبياء وشبه المعتوهين لتلك المواقع بأعتبارهم أهل ثقة .

ومن المفارقات المثيرة في هذا السياق أن نقابات العمال فى بولندا هي التى قادت التمرد والثورة ضد حزب العمال الذي يقود البلاد .. قبل أن يعرف العالم أن الكنيسة كانت وراء زرع خلايا نائمة من فقراء العمال وسط نقابات عمال الموانئ فى غدانسك .. أنتهت بوصول عامل طلاء السفن ليش فاليسا الى رئاسة الجمهورية .

 

غياب العدالة الأجتماعية وغياب التعليم الحقيقي والأقصاء بأية ذريعة هي الأسباب وراء جميع الكوارث التى تعصف بالمجتمعات وتفتك بأساساتها وتدمره

 

Mahmoud Albosifi
[email protected]