إن ما يحدث من نقاشات بين الليبيين في تونس حول استحقاقات مرحلة انتقالية جديدة يمثل حلقة من حلقات التخبط الدستوري الذى تشهده ليبيا منذ 2011.
مخرجات الحوار أقرت إنشاء مجلس رئاسي وحكومة وحدة وطنية وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في 24/12/20201 وإيجاد آلية للاساس الدستوري  للانتخابات. حلول تتكرر في ليبيا ثم تخفق ثم يتم الرجوع  اليها من جديد. ان هذه الحلقة المفرغة لن تفضي الا الى المزيد من التشتت والفوضى. ان هذا الاخفاق في حل الازمة يكمن احد أسبابه الرئيسة فى التخبط الدستوري وعدم فهم استحقات المرحلة والظروف الخاصة التى تعيشها ليبيا.
لا يمكن لليبيا الخروج من هذه الازمة المستمرة الا بالرجوع الى الاستحقاقات والقواعد الدستورية للمرحلة الانتقالية التي تختلف قواعدها عن تلك التي تحكم المؤسسات  في الدولة المستقرة.
أي فترة انتقالية (حالة دولة خرجت من النزاع المسلح، او النزاع السيساسي ، او الانقلاب او الثورة، نتج عنها تغيير النظام)، لا يمكن الخروج منها الا بإعمال آليات خاصة بالمرحلة الانتقالية. وذلك للاعتبارات التالية :
- ان المرحلة الانتقالية هي فترة مضطربة أمنيا وسياسيا فلا بد من وجود مؤسسة أمنية مؤقتة تعمل على ضبط الامن وحماية الحدود وتحافظ على أمن البلاد وأمن المواطن واعداد خطة لنزع سلاح المقاتلين والتحكم في انتشار السلاح واستخدامه، (مجلس امني مصغر يتكون من قيادات اركان الجيش والشرطة يستعين بقوة إقليمية لنزع سلاح المقاتلين غير الشرعيين مثلا) ، وهو ما تم تطبيقه في كثير من الدول التي مرت بازمات كالتى تمر بها ليبيا.
- في المرحلة الانتقالية هناك إنهيار للنظام السياسي والدستوري  لذلك فان البلد في حاجة الى وضع دستور يأسس للدولة الجديدة وهذا لا يمكن إنجازه الا عن طريق مجلس تأسيسي منتخب لا يحتاج انتخابه إلا لقانون انتخاب بدل ان نعيد انتاج مؤسسات متهالكة ثبت فشلها كالرئاسي وحكومة الوفاق او الوحدة الوطنية.
ان المرحلة الانتقالية هي مرحلة تتعطل فيها الخدمات  وادوات الإنتاج بسبب النزاع اوالحرب او انهيار مؤسسات الدولة ولذلك لا بد من إقامة حكومة أزمة، حكومة انتقالية تنبثق عن المجلس التاسيسي  تسهر على إعادة الامن وتقوم بتحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطن وتجهز الظروف لانتخاب مؤسسات الدولة النهائية وتنشأ مجلسا للانقاذ الاقتصادي ولجنة اجتماعية للتربية لتوعية المواطن وتهيأته لخوض انتخابات نزيهة وفاعلة. 
الوضع الذى تعيشه ليبيا منذ 2011 هو وضع انتقالي وتنازعي والحل الذى طرحناه للخروج من هذه المرحلة (طالبنا بتطبيقه منذ زمن) هو التصور المنطقي والعملي والعلمي للخروج من الازمة وإعادة بناء الدولة الليبية واذا لم يتم إقرار هذه المؤسسات (مؤسسات المرحلة الانتقالية) فان المؤسسات المطروحة من قبل فريق الحوارسوف تمدد من عمر الازمة، فلن يكون الرئاسي الجديد الا جسما معرقلا للتحول لانه جسم هلامي، ولن تكون حكومة الوحدة الوطنية الموسعة الا اهدارا لمزيد من أموال الشعب الليبي وصرفها في غير مكانها لانه حكومة تعمل باليات فترة الاستقرار، واما الانتخابات التشريعية والرئاسية فلن تكون مخرجاتها سليمة وملبية لمتطلبات التحول. ان الانتخابات التشريعية والرئاسية تحتاج الى أساس دستوري يحدد اختصاصات وطبيعة عمل هذه المؤسسات والمدد والاطار السياسي والقانوني لعملها، فهل تكفى مدة 11 شهرا لتحقيق ذلك؟ هل هناك وقت للاستفتاء على دستور غير مقبول من عدد كبير من الليبين.
كما ان المواطن الذى يعيش حالة من الفقر المدقع وحالة من التهديد الأمني هل هو مستعد لخوض انتخابات نزيهة ومعيارية ومنضبطة؟ هذا المواطن المحتاج الذى سيتوجه الى الانتخابات سيكون فرسية سهلة للمرابين والذين يشترون الاصواط من أجل الوصول إلى السلطة.
اما فيما يتعلق بالأساس الدستوري لانتخاب المجلس التاسيسي فهو لا يحتاج الى إقرار دستور فوجود قانون الانتخابات المعد من قبل البرلمان وحده كاف لانشائه وذلك لان مهمته تنحصر في مراجعة مشروع  الدستور المعد من قبل هيئة صياغة الدستور، ولان فترة بقائه محددة بانجاز الدستور ( لا يزيد عن سنة) ووضع ترتيبات الانتخابات التشريعية والرئاسية، عكسما هو مطروح في خريطة العمل للحوار السياسي الليبي.
ان ماحدث في انتخاب المؤتمر الوطني 2012 والبرلمان الليبي سنهة  2014الذى اقترحته لجنة فبراير هو عمل يتناقض مع الاستحقاقات الدستورية للمرحلة الانتقالية، هذه الأجهزة مارست اختصاصات تشريعية وسياسية وتركت اختصاصاتها الدستورية فكان مصيرها الفشل بل انها ساهمت في تعقيد الازمة وتعميقها.
 اذا لم تتهيأ الظروف الأمنية والاقتصادية والنفسية والقانونية فاننا سنبقى هكذا في دوامة انشاء الحكومات العاجزة والانتخابات الفاشلة الى ما لا نهاية . لماذا لا نستفيد من الإخفاقات السابقة ونلجأ إلى عقلنة مشروعنا للخروج من الازمة ونلتزم بالاستحقالات الدستورية للمرحلة الانتقالية ولا ندع الأمم المتحدة والدول المتربصة بنا استغلال ضعفنا وتشتتنا لتمرير برامجها المغرضة وفرضها علينا  من جديد، هذه المؤسسات والوجوه المكررة منذ عشر سنوات والتي بلا شك هي من صنعهم.
ثلاث مؤساست اتنقالية تكون كافية للخروج من هذه الصراعات والخلافات وفي فترة وجيزة  تتخلص في الاتي:
- مجلس تأسيسي منتخب يقوم بمراجعة مسودة الدستور وعرضها للاستفتاء-  حكومة ازمة مصغرة تنبثق عن المجلس (يتبعها مجلس اقتصادي للانقاذ ولجنة تربوية للتوعية) – مجلس أمني من قيادات الجيش مدعوم بقوة وطنية وإقليمية لحل المليشيلات وادماجها في المجتمع. 
اذا لم يأخذ فريق الحوار (75) بهذه الخارطة  فسيضطرون بعد 5 سنوات أخرى ، الى وضع خارطة جديدة لفترة انتقالية اخرى وسيساهمون في تاجيل قيام الدولة الليبية الديمقراطية الحديثة  سنوات طويلة اخرى. 

الآراء المنششورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة