جولة قصيرة بمنطقة طريق المطار بطرابلس التي شهدت مواجهات مؤخرا اندلعت بين كل من , قوات درع الوسطى من مصراته وحلفائها في طرابلس والزاوية وصبراتة وجنزور وغيرها من المناطق المجاورة من جهة , وقوات كتائب القعقاع والصواعق والمدني التابعة لمدينة الزنتان أو المحسوبة عليها من جهة أخرى .

جولة بسيطة قادرة على أن تعطيك فكرة عن ضراوة المعارك , وشدة الدمار الذي لازالت آثاره واضحة حتى الآن , وبعد سيطرة قوات درع الوسطى على المنطقة بأكثر من خمسة عشر يوما وطرد كتائب الزنتان منها .

إذ طالما وأنت تسير على الطريق الرئيسي المؤدي إلى المطار الذي لحقه هو الآخر ما لحق من أضرار تحتاج إلى سنوات لإصلاحها وصيانته , طالما أنت تسير سترى أثار المعارك والمتمثلة أولا في الأضرار التي أصابت الطريق الأسفلتي الذي ظهرت فيه بعض الحُفر بسبب سقوط القذائف عليه , أيضا أثار مرور العربات الثقيلة المجنزرة والدبابات التي بدورها تركت أخاديدها وتعرجاتها على الأسفلت بالإضافة إلى الشقوق والحُفر السطحية التي خلّفتها النيران المشتعلة فوق الأسفلت قبل أن تنطفئ مُخلفة ورائها ندوب واضحة , وطالما أنت تسير ستصادفك هنا أو هناك عربة مُحترقة وأكداس حجارة وتراب أستُعمل لغلق الطريق وكذلك فتحات عشوائية في السياجين الجانبيين والمتوسط للطريق حيث تم تكسير واقتحام هذه الأسيجة الخرسانية وتكديس حجارتها وسط الطريق .وستلاحظ بقايا الإطارات المطاطية المحروقة وتلك التي استهلكت أو أُصيبت خلال المواجهات التي تواصلت لأكثر من شهر ونصف تقريبا .أما عن الحرائق التي طالت العُشب جانبيّ الطريق والنيران التي اشتعلت في الأشجار وأعمدة الإنارة التي تداعت وسقطت أو أتخذت وضع وقوف مائل وانقطعت أسلاكها أو احترقت فهي أبرز ما ستلاحظه منذ دخولك الطريق الرئيسي ولن ينقطع مشهد الدمار طالما أنت تسير فيه , ولم ينجو من التخريب والضرر أعمدة خطوط الضغط العالي الكهربائي التي ستراها واقفة هكذا أو مُصابة وأسلاكها مُدلاة إلى أسفل . فيما يبقى المشهد الأكثر وضوحا وضراوة والذي جعل الناس تفر من هذه المنطقة وتتركها للأطراف المتصارعة , هو الإصابات المباشرة للمنازل والمحلات التجارية والخدمية والأسواق التي تُجاور الطريق والتي كانت ستحصد الكثير من الأرواح لو لم يغادرها سُكانها وأصحابها مع بداية المواجهات المُسلحة , حيثُ تُطالعنا أثار الحريق والتدمير الهائل الذي طال المباني بجميع أشكالها في المنطقة ولم يسلم منهُ حتى الجسور التي تقطع الطريق العام حيث تضررت بنسبة كبيرة , فعمارات حي الزهور وهو الحي الحديث وعمارات حي الأكواخ طالها الدمار وسيعاني سكانها كثيرا في سبيل صيانتها وإعادة تأهيلها للسكن من جديد , أما خزانات النفط التي رأينا النار تلتهمها من خلال وسائل الإعلام المُختلفة عندما أُصيبت إصابة مُباشرة بالقذائف والصواريخ والتي تبعد عن الطريق الرئيسي بأمتار قليلة فقط وتظهر واضحة لكل من يمر من هناك فيمكن ملاحظة أثار الحريق الذي شب بها وتقدير حجم الدمار الذي لحق بها .

ولا شك في أن ما خسره الليبيون  من مقدرات وإمكانات يحتاج إلى أموال طائلة لصيانته وزمن  طويل قد يمتد لسنوات , هذا إذا ما توفر الأمن , وإلا سيظل الخراب ماثلا لكل من يعبر من ذلك الطريق , وستظل الخدمات مُعطلة أو شبه مُعطلة في تلك المنطقة التي يحتاج صيانة خطوط الكهرباء بها إلى مجهودات كبيرة ووقت طويل ومبالغ مالية كبيرة بالنظر إلى حجم الضرر , وفي غياب الكهرباء أيضا ستتوقف أمدادات المياه على المنطقة التي يعتمد أغلب سكانها على المياه الجوفية ومياه الآبار التي تحتاج بدورها إلى الكهرباء لاستخراجها من باطن الأرض أي أن عودة الحياة إلى وتيرتها المعتادة بتلك المنطقة التي مرت بها الحرب ستتم ببطء مما سيكون له آثار اقتصادية واجتماعية وحتى تعليمية سلبية على المدى القصير والطويل إذ لا يستطيع الطلبة بدء الدراسة في ظل عدم توفر الماء والكهرباء وتضرر المدارس التي يدرسون بها .

وختاما لابد أن نشير إلى استشراء عمليات النهب من قبل ضعفاء النفوس في منازل تلك المنطقة التي لا ينقصها شيء لأن تُعلن منطقة منكوبة , فمن لم يجد بيته مهدما جراء سقوط القذائف عليه بعد العودة إليه أو محترقا وجده قد تعرض للسرقة والنهب أو تعرضت أغراضه للنبش والتفتيش .