إن مرض الرئيس عبد العزير بوتفليقة وتدهور أسعار النفط ينذران بتغيير سياسي قريب في الجزائر، غير أن ما يخيف شعب هذا البلد الذي عان خلال سنين طويلة من حرب أهلية، هي الطريقة التي سيتم بها هذا التغيير.

هل سيتم بطريقة حضرية، سلمية وديمقراطية؟

أم بطريقة عنيفة على غرار ما حصل في بعض الدول العربية؟

وهل سيكون للمعارضة دور في هذا الانتقال؟

تمكنت المعارضة بشقيها الإسلامي والديمقراطي رغم عقود من النفور والمشاحنة إلى الاتفاق على أرضية إجماعيه ديمقراطية، متمثلة في الذهاب إلى مرحلة انتقالية بدون مشاركة السلطة. إلا أنها لا تملك الوسائل العملية لتجسيد أهدافها على أرض الواقع.  فهي لا تتمتع بمساندة شعبية قوية التي تمكنها من الضغط على النظام. وهذا يعود إلى ماضي وتاريخ الشخصيات التي تترأس أو تسيير أغلبية هذه الأحزاب. إذ كانوا في يوم ما في صف السلطة، وأخطر من هذا، أنهم شاركوا في معظم القرارات التي أدت إلى إفلاس البلاد، على غرار حماس الذي صادق على اغتصاب الشرعية الدستورية عام   2008 الذي فتح الطريق لبوتفليقة للترشح لعهدة ثالثة ثم الرابعة ولما لا الخامسة إن سمحت له الظروف الصحية.

أما التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، فرغم خطاباته النارية ضد النظام إلا أن مشاركة زعيمه سعيد سعدي في الانتخابات الرئاسية 2004 وقبوله ببعض الحقائب الوزارية من قبل، بقيت نقطة سوداء في تاريخه. وتوجهه العلماني قلل من شعبيته نظرا للخطابات الدينية التي طغت على الساحة الإعلامية والفترة المتميزة التي يعيشها العالم الإسلامي التي تأثرت بها كثيرا الطبقات الكادحة من الشعب. والنظام من جهته تمكن بسياسته "فرق تسد" من حصره في منطقة القبائل التي يتقاسمها مع أخيه العدو حزب جبهة القوى الاشتراكية. أما بقية الأحزاب التي لا تمثل إلا نفسها فإما يسيرها أشخاص انتهازيون وصوليون أو شخصيات منحدرة من النظام القائم على غرار بن فليس وبن بيتور.

من بين هذه الأحزاب، بادر أقدم حزب معارض في الجزائر وهو جبهة القوى الاشتراكية بمقترح 

يهدف إلى إجماع وطني يجمع شمل المعارضة والسلطة لإيجاد الطريقة التي يرضى بها الجميع للانتقال الديمقراطي. ولكن هذه المبادرة ستلفظ أنفاسها قبل أن تفقص من بيضتها، لأن لا نية صادقة للنظام كي يتخلى عن عرش السلطة ولا ثقة الأحزاب المعارضة في الحكومة التي عودتهم على الخدع والمراوغات للديمومة في الحكم.

إذن، لا النظام عازم على تغيير الأمور ولا المعارضة قادرة على فرض رأيها غير أن تدهور أسعار البترول سيؤدي لا محال بالبلاد إلى انهيار اقتصادي ينتج عنه العجز المالي وانهيار القدرة الشرائية للمواطن وتفاقم البطالة. فلما يمس المواطن في لقمة عيشه، لابد أن يثور وينزل إلى الشارع كما حدث في أكتوبر 1988. ففي هذه الحالة فقط يمكن للشعب أن يفرض رأيه. هذا إن لم تنحرف الثورة عن مسارها، وإلا سيكون الدمار والخراب وحرب أهليه كما حدث ويحدث في بلدان شقيقة

لقد ضيعت الجزائر خلال سنوات حكم بوتفليقة فرصة الانتقال الديمقراطي والنهوض بالاقتصاد الوطني رغم حالة الاستقرار التي سادتها والبحبوحة المالية التي تمتعت بها طيلة عهداته الثلاثة، إلا أن النظام فضل توزيع عائدات البترول في شراء الذمم والموالات والاختلاسات لضمان بقائه على عرش الحكم

سيبقى الجزائريون ضحية النظام البوتفليقي الفاسد كما كان حاله تحت حكم بومدين وشادلي بن جديد وسيدفعون الثمن غاليا مثلما دفعوه بالدم والدمار خلال عشرية كاملة في التسعينات ما دامت المصالح الشخصية الضيقة هي سيدة الموقف في هذا البلد المجروح.

 

                صحفي جزائري