لما ذكرت في مقال سابق أن لاخيار للجبهة الشعبية سوى التصويت في الدور الثاني من الإنتخابات الرئاسية للباجي قايد السبسي رئيس حركة نداء تونس، كنت أضفت أن ذلك يتم بعد مشاورات بين الجبهة والحركة حول برامج الحكم في المرحلة القادمة. ثم جاءتنا الأنباء بلقاء تم بين الناطق الرسمي للجبهة الشعبية، حمة الهمامي، ورئيس حركة نداء تونس، الباجي قايد السبسي. فاعتقدت أن محور اللقاء الأساسي كان الحديث عن نقاط التقارب الممكنة في البرامج ذات الأولوية على الأقل في الفترة القادمة، التالية للإنتخابات. ولكن حمة الهمامي قال في تصريحه بعد المقابلة، إنهما تحدثا عن الوضع العام بالبلاد. أما الباجي قايد السبسي فأكد أن وحدة الجبهة تهمه أكثر من دعمها له في الدور الثاني..

كلام عام ومشفر من الطرفين!

فلماذا لم يطلب حمة الهمامي من الباجي قايد السبسي التوضيح الذي طلبه منه بيان الجبهة الذي أصدرته في الأيام القليلة الماضية؟ وإذا لم يتم التطرق إلى مجالات التوافق بين الطرفين بشأن البرامج وأولويات المرحلة القادمة في ذلك الإجتماع بينهما، سواء كانت هناك عوائق أمام إثارة الموضوع، أو كان هناك عدم اتفاق، فماذا كان موجب إصدار البيان من دون كشف ذلك ؟ ثم هل إن الظرف الحالي في تونس، من الأريحية والإرتخاء لدرجة أن تقسم الجبهة الشعبية موقفها بشأن الدور الثاني من الإنتخابات إلى مرحلتين، واحدة ببيان سياسي، والثانية ببيان انتخابي؟؟

وعندما رأى البعض أن المقصود بعبارة سد الطريق أمام منصف المرزوقي، هو التصويت للباجي قايد السبسي، جاءت معظم الإجابات مليئة بالتهم المتراوحة من الغباء إلى الإنتهازية لمن أبدى رأيا في ذلك البيان. حتى إن أحدهم وصف المتسائلين بأنهم لايفهمون العربية... وتكررت في غالب الردود عبارة "الكرة الآن في ملعبهم" والمقصود هنا النهضة والنداء!

وأخيرا لما ذكر الباجي قايد السبسي في ندوته الصحافية بالأمس أن شكري بلعيد هو شهيد كل التونسيين وليس الجبهة وحدها، قرأت تعليقا يصف ذلك الكلام ب"السطو على شهيد الجبهة"، وكأن مئات الآلاف من التونسيين الذين تجاوزوا المليون، هبوا في مسيرات احتجاجية على اغتياله ثم في جنازته، هم جبهويون فقط!!! المفروض ان يفتخر أي جبهوي بان الشهيد شكري بلعيد والشهيد محمد البراهمي كذلك، هما شهيدا الوطن بأسره وليس الجيهة الشعبية فقط!! لاأن يأتي احتجاج وسخرية من هذا الكلام!

في نفس الندوة الصحفية صرح الباجي قايد السبسي أن برنامجه يجري إدخال تعديلات عليه وفق المشاورات التي تمت مع الأحزاب والأطراف التي عبرت عن دعمها له في الدور الثاني. أي إنه ليس هناك رفض لفكرة التعديل لو طرحت الجبهة تصورا أو مقترحا في ذلك!

وحتى على فرض ان الجبهة عرضت تصورا أو اقتراحا وتم رفضه، كان من الأصوب ان تعلن ذلك وتقول إنه برغم

ماحصل فإن الجبهة تدعو صراحة إلى التصويت للباجي قايد السبسي، من أجل مصلحة الوطن التي تقتضي في هذه المرحلة الدقيقة سد الطريق أمام عودة حكم الأخوان وتموقع مرشح النهضة منصف المرزوقي في قصر قرطاج من جديد!

والإصداع بمثل هذا الموقف هو في الحقيقة لفائدة الجبهة الشعبية، سياسيا، أكثر منه لفائدة الباجي قايد السبسي الذي حصل على دعم أحزاب أخرى تضمن له الفوزبالرئاسة، ولحركة نداء تونس الأغلبية المطلقة في مجلس نواب الشعب!

ثم إن مثل هذا الموقف لو تم، وكنت قلت هذا من قبل، لن يعني الإصطفاف وراء الباجي قايد السبسي أو وراء حركة النداء! كما لايعني تخلي الجبهة عن موقعها المتقدم المنتظر في معارضة قوية في المستقبل!

ولكن مايحز في النفس هو تلك الردود المتشنجة التي تتالت من قيادات في الجبهة، ومن كوادر ومن مناضلين فيها، على كل من عبر عن رأي أو عن تساؤل! وأنا أعرف الكثيرين من الذين طرحوا تلكم التساؤلات أو قدموا بعض الملاحظات على موقف الجبهة وخصوصا على بيانها الموصوف بالسياسي. فهم من خيرة الوطنيين والتقدمييين، ولايحملون للجبهة إلا كل الإحترام والتقدير، ولايستحقون تلك الردود المتشنجة!!

هل هو الغرور؟ هل هو عمى الألوان بعد تعب فترة الظلمة الفائتة؟ هل هي نظرية المؤامرة وخطر الآخر المتربص، تمكنت بالجبهة هذه المدة؟ وحتى الحملة العائدة من جديد على الباجي قايد السبسي، ماموجبها؟ هل هي من ضمن آليات قطع الطريق على منصف المرزوقي؟ فحتى جمال العرض الذي بدت فيه ندوة الباجي قايد السبسي الصحفية، أخذت نصيبها من الإستهزاء!! 

أقول كلامي هذا، وأنا لاأنتمي لاللجبهة ولا لحركة نداء تونس، وإنما انتمائي الوحيد هو للوطن! سواء أخطأت أم أصبت في ما أراه وأفكر فيه، فلاألوم إلا نفسي، ولاأنتظر محاسبة أية هيئة حزبية تطالبني بالإنصياع لخط الحزب أو سياسته!

يحزنني ان يصبح هذا هو أسلوب تعامل الجبهة الشعبية مع من ينقدها أو من يخالفها الموقف، في حين من الزمن!

أنا عبرت أكثر من مرة عن تقديري لقيادييها ولكوادرها ولمناضليها ولتوجهها الوطني، ومازلت! ولكن لاتشوهوا هذه الصورة الصافية الجميلة لدى كثير من ابناء الوطن، بالله عليكم..

إن منسوب المحبة لحمة الهمامي الذي شهد ارتفاعا ملحوظا في الحملة الإنتخابية ، بفرعيها التشريعي والرئاسي، كان الجزء الاكبر فيه، كلمته الطيبة وروحه السمحة المتسامحة..فلم يفته بعد ظهور النتائج الأولية للإنتخابات الرئاسية أن يشكر من صوتوا ومن لم يصوتوا له، وقال لهم "مكانكم فوق رأسي"، إجلالا واحتاراما لأبناء شعبه! 

فبالله عليكم لاتبددوا هذا الرصيد!