كان ثلث أحتياطى ثراوت المناجم فى العالم كافية لتكون وجبة شهية للتنين الصينى، تجبره على أن يتخطى سور الصين العظيم و القدوم الى القارة الفتية السمراء، و تحمل معاناة شمسها الحارقة، فاذا كانت حاجة جمهورية الصين الشعبية للنفط و المواد البترولية دفعتها للتعاون الوثيق مع المملكة العربية السعودية و ايران، فحاجة الصين الى غزو أسواق جديدة و استغلال المواد الخام باتت كل يوم تزداد الحاحا، و هو الامر الذى دعى الصين لغذو أسواق القارة الافريقية بشراسة .

و كانت البداية بين الصين و أفريقيا باندونيسيا عقب مؤتمر باندونج عام 1955م، فقد قدمت الصين الشعبية نفسها فى ذلك الوقت التى كانت تعانى فيه أفريقيا من ظلم الاستعمار كمعارض شديد لسياسات أوربا الامبريالية بالقارة، و كمنقذ أقتصادى فى المستقبل .

و الان القارة السمراء تمثل شريان حيوى هام سواء لمرور السفن و الصادرات الصينية الى اسواق اوربا، او لبناء قواعد صناعية و زراعية جديدة على اراضيها . فقد قام العديد من الدبلوماسيين الصينيين و على رأسهم وزير خارجية الصين بزيارة دول القرن الافريقى لتأمين مرور السفن الصينية و حركة الملاحة بها، خاصة بعد التهديدات المتلاحقة من القراصنة للسفن المارة فى خليج عدن و مضيق باب المندب، فالصين تعد أكبر مُصدر فى العالم، و بتأكيد يهمها بشدة تأمين حركات الملاحة، فبالرغم من وجود قاعدة عسكرية أمريكية و اخرى فرنسية فى جيبوتى بحجة تأمين سلامة حركة الملاحة، الا أن الصين تقدمت بأكثر من عرض لجيبوتى و غيرها من دول القرن ليكون لها قواعد عسكرية، و ذاد الامر أهمية بعد أن أصبحت جيبوتى محطة ترانزيت أساسية لتزويد السفن الصينية بالوقود، حتى باتت جيبوتى نقطة هامة فى جميع خرائط السفن الصينية المتجه الى الغرب، ثم تقدمت الصين لكينيا لانشاء ميناء و تصدير النفط منه  .

و لم يتوقف التنين الصينى فى أفريقيا عند سقف محدد من الطموح أو بتحقيق مصالح معينة،  فالصين توغلت فى أستصلاح و زراعة العديد من دول القارة أبرزها الكونغو الديموقراطية و تنزانيا و الكاميرون و أوغندا و موزمبيق و السودان و إثيوبيا و زامبيا . هذا بجانب التوسع المتزايد كل يوم فى أنشاء و تطوير الابنية التحتية للعديد من الدول و على سبيل المثال لا الحصر القرض الاخير الذى قدمته الصين لاثيوبيا و صرف نصفه على تطوير مطارات أثيوبيا. كذلك تنفيذ مشروع مطار داكار فى السنغال و أنشاء العديد من المستشفيات و الطرق و الكبارى و تطوير العديد من خطوط المواصلات كالسكك الحديدية و غيرها بشرق و غرب أفريقيا، هذا بجانب تقديم العديد من الخدمات السياسية و المشاريع الاقتصادية و المساعدات العسكرية، و كان فى مقدمة هولاء أفريقيا الوسطى و ناميبيا و النيجر الذين يمتلكو أكبر مخزون لمادة اليورانيوم . كذلك أيضا غانا الغنية بالنفط و التى تعد ثانى أكبر دولة منتجة للذهب بعد جنوب أفريقيا فقد بلغت صادرات الصين إليها أكثر من 5 بلايين دولار .

فمع نهاية عام 2012م كانت قد وقعت الصين اتفاقيات تجارية واقتصادية وصناعية مع 32 دولة أفريقية، و أنشئت لجان اقتصادية مشتركة مع 45 دولة، و لا ننسى ان الصين و روسيا على عكس أوربا و الولايات المتحدة الذين يشترطون التدخل فى الشئون الداخلية للدول مع كل منحة أو معونة أو قرض يتقدمو به لتلك الدول .

كما أن أزمة النفط العالمية ستستفيد منها جمهورية الصين الشعبية بذكاء، و هى فرصة سانحة لها لتخطى العديد من المشاكل التى كانت من الممكن أن تهدد العديد من الشاحنات و السفن الصينية بالتوقف، و هى الفرصة التى ستسغلها اليابان أيضا .

حقيقة الامر ترى حكومة الصين جيدا أن من ينتصر فى المعارك القادمة يجب أن يرتكز على قدمين ثابتتين القدم الاولى عسكرية و الثانية أقتصادية، و أذا كانت الصين تجد فى التعاون العسكرى مع روسيا و الهند و كوريا الشمالية و من قبله التطور الدائم فى صناعتها و قدراتها العسكرية شئ يرجح كافتها عسكريا، فبالقارة السمراء تجد مساحات شاسعة من النصر الحاسم أقتصاديا .

 

الكاتب و المحلل السياسى بمركز التيار الحر للدراسات الاستراتيجية و السياسية

[email protected]