إن الحكمة التقليدية التي تكمن وراء سعي النظم اللا- ديمقراطية لإقامة الأحزاب وإجراء الانتخابات وعقد المجالس التشريعية هو أن هذه المؤسسات تعطي الانطباع بالشرعية داخليا وخارجيا . فعلي المستوى الداخلي ،نجد أن معظم النظم اللا- ديمقراطية تملك من السلطة والقدرات المؤسسية ما يجعلها قادرة على فرض السياسات التي تريدها وبشكل منفرد . وعلى الرغم من ذلك ،فإنه من المفضل إجراء التغييرات تحت مظلة المؤسسات التشريعية الرسمية خاصة أن الحزب الحاكم يملك الأغلبية في البرلمان . وفي الحقيقة ، فإن الكثير من النظم  اللاديمقراطية شديدة الحرص فيما يتعلق بتكامل الإجراءات حتى وإن كانت تسعى لتمرير أشد القوانين اللا- ديمقراطية . كما أن وجود البرلمان والانتخابات يعطي انطباعا بالشرعية للعالم الخارجي . فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي يقدمان المساعدات ويعطيان أفضلية في التعاملات التجارية مقابل هذه الليبرالية ، في الوقت الذي تقدم فيه الهيئات المالية الدولية قروضا مخفضة . هناك العديد من الدراسات الأكاديمية التي تعتمد بل وتروج بشدة لفكرة أن الانتخابات تضفي الشرعية على النظم الانتقالية بشكل عام وفي إفريقيا ووسط أسيا والصين علي وجه الخصوص .

 لكن البحث عن الشرعية ما هو إلا جزء من القضية بالنسبة للنظم اللا- ديمقراطية التي تجري الانتخابات .ويعود السبب في ذلك جزئيا إلى أن الشرعية كمفهوم قد يكون لها العديد من المعاني المتداخلة رغم تميزها مثل أ- شعبية الحاكم المرشح أو النظام ،ب- حقه أخلاقيا في تولي الحكم ، ج- الاعتقاد في مدى ملائمة نظام بعينه . وبالتالي ،فإن الشرعية كسمة سياسية تعاني من التشويش على مستوى المفهوم وصعوبة على مستوى القياس .إن إجمالى حجم تكلفة الدعاية الانتخابية فى الانتخابات الرئاسية فى مرحلتها الأولى سوف  تجاوز حاجز الـ 4 مليار جنيه، كواحدة من أكبر الميزانيات، التى تم صرفها فى تاريخ مصر، مع العلم بأن  الأزمة الاقتصادية وتراجع مؤشرات أداء الاقتصاد المصرى لم يؤثرا على تكاليف الدعاية الانتخابية للمرشحين، خاصة مع تنوع أساليب وأدوات ووسائل الدعاية منها التليفزيون والصحف والإذاعة، بالإضافة إلى الدعاية المجانية على الإنترنت فى الفيس بوك وتويتر.

 لان عنصر "المال" لعب دوراً كبيراً فى الانتخابات الرئاسية وسيقوم بدور أكبر فى جولة الإعادة لأن كلا الطرفين يملكان من المال ما يساعدهما على إنفاق المزيد على الدعاية الانتخابية فى محاولة لاستقطاب المزيد من الأصوات وشرائها، أنها تعدت كل موازنات الانتخابات فى تاريخ مصر، من المعروف أن الانتخابات موسم مهم لقطاع كبير من مكاتب الدعاية والإعلان والمقاهى والفراشات والخطاطين واللافتات والبوسترات. ان تنوع أشكال الدعاية الانتخابية من كروت ولافتات قماش أو بلاستيك وملصقات وبوسترات ومطويات وإعلانات طرق ونشرات الكترونية وصحف غير دورية وكتيبا، بالإضافة إلى الإعلانات فى الصحف اليومية والتى تتعدى فى المرة الواحدة أكثر من 100 ألف جنيه والمقاهى والفراشات والسيارات والميكروباصات وسماسرة الأصوات 50 ألف جنيه.

 إن قطاع الدعاية والإعلان بجميع وسائله شهد انتعاشاً، خاصة المطبوعات والبنارات والملصقات وغيرها خلال الفترة الأخيرة، وذلك لكثرة الدعاية التى يقبل عليها مسئولو حملات المرشحين للرئاسة لتوزيعها على الناخبين. لان أصحاب مطابع الدعاية والإعلان شهد انتعاشة غير عادية على عكس أصحاب المطابع المتخصصة التى تعمل فى طباعة ال الصحف والكتب المدرسية والكشكول والكراس.

أن قطاع الدعاية والإعلان حدث فيه تحول كبير، حيث تحولت الدعاية الورقية إلى الدعاية "البانرات"، وذلك لما تملكه من مميزات من حيث الشكل والألوان وقدرة تحمل عوامل الجو، أن سوق الدعاية والإعلان شهد انتعاشاً خلال الأيام السابقة، وكذلك  المطابع الورقية قلت بشكل كبير فى السوق المحلية وانتشرت مطابع "البانر"، كما أن أصحاب المطابع الصغيرة يعملون على طباعة الآلاف من البوسترات التى يطبعها أصحاب حملات المرشحين. لان الدعاية على المواقع الإعلانية  سوف تشهد رواجاً بنسبة 15% خلال الـ25 يوماً الماضية منذ بداية انطلاق الانتخابات الرئاسية لان أصحاب المواقع الإعلانية ينتظرون الإعادة التى من الممكن أن تزيد من تلك النسبةلان تلك الفترة ينتظرها أصحاب المطابع بلهفة لكثرة الدعاية بها أن أغلب المطابع عملت بشكل جيد خلال تلك الفترة، راغبين أن يزيد الإقبال على الدعاية خلال فترة الإعادة للانتخابات الرئاسية، وكان سوق الدعاية والإعلان فى مصر قد انتعش إثر الانتخابات الرئاسية، بأنواعها المختلفة منها الدعاية التقليدية وغيرها من أنواع المطبوعات والبنارات والملصقات،

 وأخيراً تأتى الدعاية الشاملة المدروسة، وهى التي يقوم فيها المرشح بإسناد الترويج لحملته الانتخابية إلى مركز متخصص، وهى أندر وأحدث أنواع الدعاية المستخدمة في الانتخابات البرلمانية المصرية، حيث ينتظر أصحاب المطابع مواسم الانتخابات البرلمانية لتحقيق الأرباح. عيدا عن المهاترات السياسية، والصراعات والمعارك الانتخابية، والتحالفات والصفقات المشروعة وغير المشروعة التي تحدث في الانتخابات البرلمانية، فهي أزمة كل موسم، وقواعد لعبة نأمل أن تتغير في ظل قيادة رشيدة مؤمنة بكفاءات، لاسيما في ظل الصلاحيات الجديدة التي منحت للبرلمان من الدستور، فهم شركاء الحكومة في اتخاذ القرارات والتقييم للخطط الاقتصادية، لذلك يجب أن نضع كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسى محل اهتمام، وندقق ونحسن الاختيار من أجل مصر. هناك إشكالية أخرى دائمًا ما يقع فيها المرشحون، وهى المبالغة في حجم المصروفات والنفقات على الحملات الدعاية بإسراف شديد، قد يصل إلى إنفاق الملايين فى محاولة لاستقطاب أصوات الناخبين.

 إن رصد 2مليار جنيه لتأمين العملية الانتخابية وأجور الموظفين المراقبين عليها، يؤكد اهتمام الدولة بإنجاز المرحلة الأخيرة والفارقة في خارطة الطريق، لان البرلمان القادم سوف يكون عليه أن يتحمل مسئولية كبيرة ومهمة، وهى تحويل مواد الدستور الذي أجمع عليه المصريون إلى قوانين، ومعاونة السلطة التنفيذية للخروج إلى بر الأمان، لذلك وجب على الناخبين أن يراعوا ضمائرهم في اختيار ممثليهم.

من الصعب إثبات تدخل المال في شراء الأصوات أو عمليات التمويل السرية من جهات ومؤسسات غير معروفة لا تزال وسائل الإعلام المختلفة تخلط بين مفهومي المال السياسي والمال الانتخابي، وتقصد في الحالتين توصيف حالة المال الانتخابي “الحرام/ الفاسد/ الأسود /غير الشرعي” في الوقت الذي يتوجب فيه التفريق بين تلك التوصيفات، فالمال السياسي يشكل الضرورة الأبرز في أي عمل سياسي، وكذلك المال الانتخابي، وإن أي عملية سياسية تحتاج بالضرورة للمال. ولعل أية متابعة لمنتوج الإعلام المصري  ستظهر بوضوح أنه أينما وردت جملة”المال الانتخابي” فإن المقصود منها هو المال الذي يصرف بطرق غير شرعية وغير قانونية لشراء ذمم الناخبين، والتأثير على توجهاتهم الانتخابية. وللحقيقة فإن هذا التوصيف الذي يطلق على علاته هو توصيف خاطئ، يكشف عن مدى عدم الوعي الكافي لدى الإعلاميين بمفهوم المال الانتخابي أو المال السياسي، كما يكشف أيضا عن توافر أزمة في المفاهيم لدى الإعلاميين لا تؤهلهم للتفريق بين المصطلحين والحالتين.

إن دور الإعلام في الرقابة الانتخابية لا يتوازى فقط مع الدور الرقابي الذي تقوم به الجهات الرقابية المحلية ولربما الدولية، وإنما يتعدى دور الإعلام لهذه الوظيفة ليصل إلى التزامه المطلق بالنشر وبالكشف عن التجاوزات والأخطاء وتسليط الأضواء عليها ونقدها وفقا لشروط الموضوعية النزيهة والحيادية والمصداقية المطلقة.

وهذا توصيف أستخدمه عادة للتدليل على أن العديد من المرشحين يخوضون الانتخابات باعتبارهم وكلاء في العلن لممولين في الظل يريدون دعم مرشحين وإيصالهم لقبة البرلمان لحماية مصالحهم. فالذين يصلون للبرلمان عن طريق المال الحرام هم بالضرورة لا يحتاجون للتواصل مع الناخبين، ولا يهمهم مراعاة مصالحهم والدفاع عنها، وبالضرورة سينحازون لمصالحهم ومصالح الطبقة التي رعت تمويل حملاتهم الانتخابية وموَّلت فوزهم. ومن المؤكد أن الإرهاصات والتجليات التي نراها الآن تجتاح انتخابات مجلس النواب القادم ما هي إلا نتائج طبيعية لتلك الأزمة المتراكمة والمتوارثة، وستبرز بصورة أوضح عندما ينطلق قطار الدعاية الانتخابية

توفر الإرادة السياسية للدولة لتطبيق القانون وإنفاذ العقوبات المنصوص عليها بحق كل من يستخدم المال السياسي والانتخابي في غير وجوهه المشروعة والقانونية. فإن ذلك يوجب على الحكومة والبرلمان تعديل قانون ضمان حق الحصول على المعلومات ليتضمن إخضاع الأحزاب وكل مؤسسة تتلقى تمويلا من موازنة الدولة لأحكام قانون حق الحصول على المعلومات،كما يجب تعديل قانون الأحزاب ليتضمن إلزامها بنشر موازنتها السنوية في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة لإطلاع الموطنين عليها، ولتبيان أين وكيف ومتى تم صرف التمويل السياسي المالي الذي تتلقاه فضلا عن إلزام الأحزاب باعتماد وسائل محاسبية جديدة يتوفر فيها الكثير من الشفافية والإفصاح.

وهذه هي ضوابط الدعاية الانتخابية قانونا

مادة "24" تبدأ الدعاية الانتخابية من تاريخ إعلان القائمة النهائية للمترشحين حتى الساعة الثانية عشر ظهرا من اليوم السابق على التاريخ المحدد للاقتراع وتبدأ فى انتخابات الإعادة من اليوم التالى لإعلان نتيجة الإقتراع فى الجولة الأولى وحتى الثانية عشر ظهر اليوم السابق على التاريخ المحدد للاقتراع فى انتخابات الإعادة وتحظر الدعاية الانتخابية فى غير هذه المواعيد بأى وسيلة من الوسائل. وتتضمن الدعاية الانتخابية جميع الانشطة التى يقوم بها المرشح أو من يمثله لمخاطبة الناخبين بهدف إقناعهم بإختياره وذلك عن طريق الاجتماعات المحدودة والعامة والحوارات ونشر وتوزيع مواد الدعاية الانتخابية ووضع الملصقات واللافتات واستخدام وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمطبوعة والالكترونية وغيرها من الانشطة التى يجيزها القانون أو القرارات التى تصدرها اللجنة العليا . وفى الاستفتاءات تحدد اللجنة العليا الفترة الزمنية التى يحظر خلالها مناقشة الموضوع المطروح للاستفتاء بأية طريقة فى كل وسائل الاعلام.

مادة"25" الحد الأقصى لما ينفقه المترشح فى الدعاية الانتخابية فى النظام الفردى خمسمائة ألف جنية والحد الأقصى للإنفاق فى مرحلة الإعادة مائتى ألف جنيه ويضاعف الحدان لكل خمسة عشر مرشحا تجمعهم قائمة واحدة .

مادة"26" للمترشح أن يتلقى تبرعات نقدية أو عينية من الأشخاص الطبيعين المصريين أو من الأحزاب المصرية على ألا يتجاوز التبرع العينى والنقدى من أى شخص أو حزب عن 5% من الحد الأقصى المصرح به للإنفاق على الدعاية الانتخابية وعلى المترشح إخطار اللجنة العليا بأسماء الأشخاص والأحزاب التى تلقى منها تبرعا ومقدار التبرع. ويلتزم المترشح بفتح حساب بالعملة المحلية فى أحد البنوك التى تحددها اللجنة العليا أو بأحد مكاتب البريد ويودع فيه ما يتلقاه من التبرعات النقدية وما يخصصه له من أمواله كما تقيد فيه القيمة النقدية للتبرعات العينية. وعلى كل من البنك أو مكتب البريد والمترشح إبلاغ اللجنة العليا أولا بأول بما يتم إيداعه فى هذا الحساب ومصدره كما يلتزم المترشح بإخطار اللجنة العيلا بأوجه إنفاقه من هذا الحساب وذلك خلال المواعيد ووفق الاجراءات التى تحددها . ولا يجوز الانفاق على الحملة الانتخابية من خارج هذا الحساب.

مادة "27" يحظر تلقى أى مساهمات أو دعم نقدى أو عينى للانفاق على الدعاية الانتخابية أو للتأثير على اتجاهات الرأى العام وذلك من أى من: شخص إعتبارى مصرى أو أجنبى دولة أو جهة أجنبية أو منظمة دولية . كيان يساهم فى رأس ماله شخص مصرى أو أجنبى طبيعى أو إعتبارى أو أيه جهة أجنبية أيا كان شكلها القانونى شخص طبيعى أجنبى.

 مادة "28" يلتزم كل مترشح بإمساك سجل منتظم وفقا لمعايير المحاسبة المصرية وتصدر اللجنة قرار بضوابط وإجراءات إمساك هذا السجل ويخضع للمراجعة من الجهة التى تكلفها اللجنة العليا.

مادة"29" لكل مترشح الحق فى استخدام وسائل الاعلام المملوكة للدولة فى حدود المتاح فعليا من الامكانيات وعلى نحو يحقق تكافؤ الفرص والمساواة بين المترشحين وفقا لما تحدده اللجنة العليا من ضوابط.

مادة "30" تصدر اللجنة العليا قرار ينظم إجراء استطلاع الرأى

 مادة "31" تشكل لجان من خبراء مستقلين يعهد إليها رصد الوقائع التى تقع بالمخالفة للضوابط التى قررها الدستور أو القانون أو قرارات اللجنة العليا بشأن الدعاية الانتخابية أثناء الانتخابات أو الاستفتاء تعد هذه اللجان تقارير بما تراه من مخالفات ويجب أن يتضمن التقرير حصرا بالواقعة ومضمون المخالفة وتحديد شخص مرتكبها كلما أمكن ، على أن تقوم الأمانة العامة بدراستها تمهيدا لعرضها على اللحنة العليا اذا ما تبين للجنة العليا شخص مرتكب المخالفة أحالت الأوراق للنيابة العامة لأعمال شئونها فيها الباب الخامس فى تنظيم عمليتي الاستفتاء والانتخابأو الاستفتاء تعد هذه اللجان تقارير بما تراه من مخالفات ويجب أن يتضمن التقرير حصرا بالواقعة ومضمون المخالفة وتحديد شخص مرتكبها كلما أمكن ، على أن تقوم الأمانة العامة بدراستها تمهيدا لعرضها على اللحنة العليا اذا ما تبين للجنة العليا شخص مرتكب المخالفة أحالت الأوراق للنيابة العامة لأعمال شئونها فيها الباب الخامس فى تنظيم عمليتي الاستفتاء والانتخاب.

 

كاتب المقال

دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام

ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية