يجري تداول عبارات "التصويت الناجع" أو "التصويت المفيد" أو "تصويت الضرورة" بوتيرة ملحوظة هذه الأيام، وهي أساسا تنطلق من مبدإ عدم تشتيت الأصوات حيث لايكون لها أي نفع ساعة الفرز، سوى التذكير بمفاجأة، أو بصدمة "الصفر فاصل" في آنتخابات أكتوبر 2011.

شعار، أو نداء، "التصويت الناجع" شعار صحيح وحكيم، ولكن يستدعي بعض الشرح .

فلا التصويت الناجع هو الذي يقف عند قوائم "نداء تونس" فقط. ولا هو الذي يعتبر قوائم "الإتحاد من أجل تونس" هي المقصودة به وكفى! كما لايمكن آعتبار النداء من أجل تصويت ناجع مبتدؤه ومنتهاه قوائم "الجبهة الشعبية" ! 

برأيي، التصويت سواء لنداء تونس، أو للإتحاد من أجل تونس، أو للجبهة الشعبية، هو التصويت الناجع !

فحتى لو لم تنخرط هذه الكتل السياسية الديمقراطية والتقدمية في جبهة واحدة لخوض الإنتخابات، فالواجب الوطني في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ البلاد يملي عليها، على الأقل، التنسيق في مسائل دنيا، ولكنها مهمة :

• عدم التعرض لبعضها البعض في الحملات الإنتخابية بالتشكيك أو القدح أو الشعارات المعادية

• التنسيق فيما بينها لتوفير كفاءات يقظة، تمثلها جميعها، في مراكز الإنتخاب لمراقبة عملية التصويت، وفي مراكز الفرز للمراقبة كذلك.

• الإلتزام بالتحالف في حكومة إئتلافية، إن دعت الحاجة إلى ذلك، لسد الطريق أمام أي تحالف رجعي لايستبعد ميلاده بعد الإنتخابات، ولو وراء غلاف براق ومغرٍ!

شيء آخر مهم قد يساعد في تحقيق هذا الهدف، هو أن البرامج التي تتقدم بها هذه الكتل السياسية يجب أن تكون برامج للمدى القريب والمتوسط أساساً.

- برامج تعيد التماسك للنسيج الإجتماعي 

- برامج تزيل الغبار عن مراكز إنتاج رئيسية في البلاد وتدفع بآليات تشغيل مبتكرة ومثمرة

- برامج تنشيء أسسا صحيحة لإعلاء القانون العادل وآحترامه، والثقة في مؤسسات الدولة 

- برامج تصلح المنظومات الأمنية والقضائية والمسجدية وأساسا الإعلامية حتى تكون كلها سدا منيعا إزاء الإرهاب، فكرا كان أو عملا!

إن وضع برامج من هذا القبيل يمكن بل يجب أن تتظافر على بلورتها وتنفيذها جبهة ديمقراطية تقدمية واسعة، تجمع عمالا وفلاحين وموظفين ورجال أعمال وفنانين ومثقفين، من كوادر ومنخرطي مكونات هذه الجبهة!!

إن السنوات الخمس التالية للإنتخابات القادمة ستكون، ولايمكن أن تكون، برأيي، إلا سنوات إصلاح. ومادامت كذلك فلابد أن تجتمع على إنجاحها كل الطاقات الوطنية الخيرة الواعية في البلاد، من كل الفئات والقطاعات والجهات والمناطق!

وأخيرا، لايجب أن يغيب ولو للحظة، عن مكونات الجبهة الديمقراطية التقدمية المرجوة، أن شراسة ماآصطُلح على تسميته بالنظام العالمي الجديد وحيد القطب، لم تبلغ يوما الحد البغيض المخيف الذي وصلته في هذه الفترة الزمنية، حيث يتم تسخير أبشع الوسائل والآليات لنسف أسس الدولة المدنية الحديثة وزرع الفوضى والدمار بدم بارد في المناطق النائمة على خيرات طبيعية من أجل نهبها، والمنطقة العربية في طليعتها، والإنقضاض بمختلف الأشكال بشاعة على الأنظمة التي تعتبرها معادية لها، مستغلة هوة واسعة بين هذه الأنظمة وجماهير شعوبها!

إن اطمئنان غالبية فئات الشعب إلى أن النظام السياسي القائم في بلادها يمثلها فعلا وتراه جزء منها وانعكاسا لأحلامها وطموحاتها، هو الدعامة الأساسية لنجاح ذلك النظام ولحماية الوطن في آن واحد! وهذا مالايقدر حزب ديمقراطي أو تقدمي واحد أو طرف سياسي، ديمقراطي أو تقدمي واحد، أن ينجزه بمفرده في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ، لاتونس فحسب، بل والمنطقة المغاربية والعربية والإفريقية، وقبل وبعد ذلك، العالمية عموما!

 

إعلامي وكاتب صحفي تونس مقيم بدبي