لا شك ان مشهد ذبح الشهداء المصريين بليبيا كان مؤلما لجميع من لم يفقدو انسانيتهم، مما جعل الجميع يطلب سرعة الاخذ بالثأر، بعد أن أحترقت قلوب اهالى الشهداء حسرة على أبنائهم و معهم جميع المصريون، حتى الان و من خلال تلك الجمل البسيطة المذكورة كلامنا يندرج تحت بند العواطف و المشاعر اما عالم السياسة لا يعرف التصرف تحت بنود المشاعر و العواطف و الا وقعنا فى فخ التسرع و الطيش و لكن فى فترة زمنية قصيرة جدا من بعد أعلان تنظيم داعش الارهابى الذى لا يمت للاسلام او أى دين أو الانسانية بصلة بقتل الشهداء المصريين فى فيديو جديد لداعش للانتاج الفنى بعد فيديو حرق الشهيد الطيار الاردنى معاذ الكساسبة .

و لكن فى فترة زمنية قصيرة جدا تعاملت الدولة المصرية بمؤسساتها المختلفة و على رأسها القيادة السياسية و العسكرية المتمثلة فى رئيس الدولة و القوات المسلحة المصرية مع حدث ضخم و غاية الخطورة بسرعة شديدة على الصعيدين السياسي و العسكري فلم تمضى ساعات قليلة حتى القى الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي بيانه معزيا الشعب المصرى فى شهداء الوطن و مع نهاية كلمته كانت القوات المسلحة تعلن بيانها الاول و ما قام به نسور القوات الجوية المصرية و بعدها مباشرة كانت مؤسسات الدولة و بالاخص السياسية و الدبلوماسية العسكرية و الاعلامية و الخارجية تعمل فى خلية نحل حتى كانت مع ساعات الاولى لصباح اليوم التالى لاعلان تلك المذبحة كان وزير الخارجية المصرى سامح شكرى بنيويورك لدعم الجيش الليبي و لوضع حل جذرى للازمة الليبية امام مجلس الامن و هو الامر الذى اصبح فيه الصراع بين جمهورية مصر العربية و مكتب ادارة سياسات البيت الابيض بالمنطقة المسماه بقطر صراع مباشر خاصة بعد اعتراض قطر الرسمى على تسليح الجيش الليبي و كذلك تركيا العثمانية و هم الممولين الاسايين لكل مشاريع الفوضى و الخراب بالمنطقة .

و مع الساعات الاولى لنشر فيديو المذبحة اعلنت كلا من ايطاليا وفرنسا دعمهم الرسمى للموقف المصرى قبل ان تتراخى بعد الضغوط الامريكية، و بعد الضربات الجوية المصرية المباغتة لمعاقل الارهابيين بالاراضى الليبية أخذ البيت الابيض يجتمع مجددا بعد ان بات يعيد بعض المشاهد القديمة و يتسائل كيف تم فعل ذلك دون علمنا من القيادة السياسية بل و لا حتى من المصادر الاستخباراتية، كيف عاود الجيش المصري نشر قواته فى جميع انحاء الجمهورية فى دقائق معدودة جدا كما حدث يوم 28 يناير 2011م، كيف تم التعامل مع الطائرات الامريكية التى كانت تحلق فى ليبيا بالقرب من الاجواء المصرية، كيف سارعت المقاتلات الجوية المصرية فى عمل رد فعل مسبق للسفن الحربية الامريكية التى كانت تنوى التقدم على سواحل المتوسط بين رشيد و دمياط و تجاه مدينة بورسعيد كى لا يتكرر ما فعلته الولايات المتحدة من تهديد مباشر و ضغط عسكرى كما حدث وقت تنحى مبارك و قبل أعلان نتيجة الانتخابات بين الفريق احمد شفيق و المعزول محمد مرسى و هو الامر الذى كان له الدور الاكبر فى سرعة  رحيل مبارك و اعلان فوز محمد مرسى بالانتخابات الرئاسية بعد ان اعلنت كل المصادر بفوز الفريق احمد شفيق .

 

هنا اعود اللى اكثر درس تعلمت منه مصر من عام 2003م هو العام الذى اسمي بالعام الفعلى لتنفيذ و ترسيم خريطة الشرق الاوسط الجديد للكم الهائل من الاحداث التى حدثت بذلك العام بداية من غزو العراق و بداية خراب بابل قبل ان يقول بوش لقد اخطائنا بدخول العراق فمفتاح المنطقة بالقاهرة، مرورا بتعيين تميم الامير الحالى لقطر وليا للعهد بدل اخوه جاسم لاسباب غامضة، وصولا لاعلان الخارجية الامريكية و وزير خارجيتها فى ذلك الوقت كولن باول بان سوريا قد خرجت من الحسابات المستقبلية للبيت الابيض بعد رفض سوريا التوقيع على جميع بنود مذكرة شروط الابقاء .

و قد يلوم البعض مصر عن تدخلها العسكرى و ما تسبب عن وفاة مدنيين وسط الارهابيين مستندا على كلام قناة الجزيرة الكاذبة و انا سأفترض بالفعل ان هناك مدنيين قتلو لا قدر الله و نحتسبهم عند الله شهداء، فكيف يكون الرد لكى يتم ردع هولاء القتلى السفاحين، فحتى الان لم يتم اختراع صواريخ تتصيد الارهابيين الذين ينتشرون وسط اهداف مدنية، كما ان من قتلو غدرا من المصريين و هو الحادث الذى تكرر اكثر من مرة و صبرت مصر كثيرا لا ذنب لهم، و أصبح تواجد و تحركات المليشيات شرق ليبيا الهدف الرئيسى منه هو النيل من استقرار مصر .

التحرك الدولى المصرى و حالة التلاحم بين الشعب و الجيش و الثبات و الاصرار من قبل الجيش الليبي لاستكمال حربه دون تردد او خوف من تحركات تركيا و قطر سيفرضون الكثير و الكثير على الجميع، و اعود و اذكركم الحرب فى ليبيا ليست حرب بين جيش و شعب من جانب و مليشيات و مرتزقة من جانب أخر بل هى أرض يدور عليها صراع اقليمي و دولى و اعود و اذكركم  بالحوار التلفزيونى الذى للرئيس الروسى فلاديمير بوتين  يوم 17 ابريل، عندما قال أن العلاقات مع الولايات المتحدة انتهت بعد الاحداث فى ليبيا، و ليس بعد احداث شبه جزيرة القرم، فليبيا كما ذكرت أكثر من مرة كانت هى بداية معركة الكبار .

فادى عيد

الكاتب و المحلل السياسى بمركز التيار الحر للدراسات الاستراتيجية و السياسية

[email protected]