أتحدث عن تجربة ناجحة لدولة من دول الربيع العربي، وهي تونس، مهد الربيع العربي..فقد قامت الثورة التونسية التي تعرف بثورة الياسمين؛ تضامنا مع محمد البوعزيزي، الذي قام بحرق نفسه بسبب البطالة إيذاء الشرطة التونسية له، وأخذ السيارة التي كانت مصدر رزقه الوحيد مما أودى بحياته.

وبهذه الحالة الفردية، التي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، انطلقت شرارة الثورة، وخروج الألف من المواطنين التونسيين احتجاجا على أوضاع البلد من البطالة وعدم وجود عدالة اجتماعية وعدم تكافؤ الفرص وتفاقم الفساد في مؤسسات الدولة..

فسقط العديد من المتظاهرين نتيجة التصادم مع الشرطة، فقام الرئيس التونسي بن علي بإجراء بعض التغييرات في الوزارة وإقالة عدد كبير من الوزراء وخفض الأسعار، ورغم كل هذه الإجراءات التي قام بها لم تأت ثمارها بل توسعت الاحتجاجات، ما أدى ببن علي إلى التنحي عن السلطة ومغادرته للبلاد بشكل مهين له.

وفي عام 2011، أجريت الانتخابات البرلمانية التي احتل فيها حركة النهضة (حزب الإخوان المسلمون) المركز الأول بـ 89 مقعدا، وبعد حل المجلس أجريت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي شارك فيها نحو 60%، واحتل حزب نداء تونس العلماني المركز الأول فكانت لطمة قوية على وجه تنظيم الإخوان وكان هو السقوط الكبير لهم.

وهناك مقومات لنجاح التجربة التونسية:-

أولا، الإرث البورقيبي: يبقى الحبيب بورقيبة شخصية مثيرة للجدل، لكن هذا الجدل يحدث في المجال السياسي حيث يحتدم الصراع من أجل السلطة، غير أن الأمر ليس كذلك في مجال الوجدان الشعبي لإنسان الشارع بصرف النظر عن وضعه الاجتماعي، وهنا يمكن القول إن الصورة الرّاسخة في الأذهان عن بورقيبة التي لم تستطع النهضة ولا الترويكا ولا السلفية الجهادية تغييرها، هي صورة الزّعيم الوطني الذي ناهض الاستعمار بروح تحرّرية بارزة، وأقام أسس الدّولة الحديثة. 

كما قاد تحديث مناهج التعليم في كل المستويات، وطوّر مدونة الأسرة، مستندا في ذلك على مصلحين تونسيين كبار من حجم الطاهر الحداد، وهو ما ترك أثرا حداثيا مبكرا على وعي الشعب التونسي.

ثانيا، الطبقة المتوسطة: دون شك تعدّ الطبقة المتوسطة في تونس هي الأقوى من نوعها مقارنة مع المحيط العربي، ومعلوم لدى دارسي الفكر السياسي أن الطبقة المتوسطة هي سند الأحزاب وركيزة المجتمع المدني، وحاضنة المشروع الحداثي الديمقراطي.

والملاحظ أن الطبقة المتوسطة في تونس، شكلت حاضنة المقاومة السلمية والمدنية لصعود الإسلاميين، وأقامت سدا أمام هجمة الإعلام السوداء للسلفية الجهادية المستهجنة من طرف الشارع التونسي، التي لم يبق لها من سبيل غير هامش يتضاءل لتنفيذ بعض الاغتيالات وممارسة العنف العبثي المجاني.

ثالثا، المرأة التونسية: ربّما كان عليَّ أن أعتبر المرأة التونسية المقوم الأول والأهم في نجاح التجربة التونسية، ذلك أنها رائدة الحراك المدني والسياسي والفكري منذ بدء الحراك الياسميني إلى اليوم.

وقد لعبت المرأة التونسية طيلة السنوات الأخيرة، دور الحاضنة الأساسية للسلطة المضادة، وتمكنت بفعل يقظتها من حماية مكتسباتها الحقوقية، وتجديد تطلعاتها نحو بناء مجتمع المساواة.

ولهذا السبب أتساءل: لماذا لا يقتدي إخوان مصر بإخوان تونس؟.