مع بدء ترويج مصر لمقترح تشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة كافة التحديات الامنية التى تواجه الامة و كان رد اغلب الدول العربية أيجابيا فى التفاعل مع ذلك المقترح، و من كان لا يرغب فى الدخول فى مثل تلك الخطوة فضل الصمت و عدم أعلان الرفض علنا ما عدا وزير خارجية تونس الطيب البكوش الذى عارض و أنتقد بشدة مقترح مصر حتى صرح نصا أثناء المؤتمر الصحفى المشترك بينه و بين نظيره الجزائرى رمضان لعمامرة وقتها " أن طلب مصر بأنشاء قوة عربية امرا غير واقعي و لن ينفذ " .

 

و بعد أعلان القضاء المصرى حكم الاعدام ضد المعزول محمد مرسي و قيادات تابعة لجماعة الاخوان الارهابية جاء الانتقاد سريعا جدا من الطيب البكوش لتلك الاحكام فى تدخل غريب بشئون مصر لم تعتاده الاخيرة يوما من الشقيقة تونس، خاصة و أن مصر دعمت كل الجهود من اجل تخطى مرحلة الربيع العبري بتونس و حكم الاصولية و الفاشية الدينية و الحفاظ على وحدة النسيج التونسي .

 

و أثناء التحرك الشبحي للولايات المتحدة نحو شمال افريقيا و دول الساحل الافريقي لخلق قاعدة عسكرية جديدة بتلك المنطقة، وقعت الحكومة التونسية مع نظيرتها الامريكية على مذكرة تفاهم طويل المدى للتعاون بين تونس و الولايات المتحدى الامريكية فى مختلف المجالات و على رأسها الاقتصاد و الامن، و الالتزام بأمن البلدين و تعزيز التعاون فى مجال مكافحة الارهاب، اما عن كامل محتوى و تفاصيل تلك المذكرة التى وقع عليها محسن المرزوقي و جون كيري فلا يعلم أحد تفاصيلها سوى المسئولون من الجانبين فقط و لم و لن يفصح عنها فى اى وسيلة من وسائل الاعلام . و بعد التوقيع على مذكرى تفاهم طويل المدى على الجزائر أن تستشعر القلق على مستوى قريب المدى، و أن تتذكر أن تعنتها و رفضها القاطع فى أقامة أى قاعدة عسكرية أمريكية على أراضيها او حتى بالقرب من التراب الوطنى الجزائرى لن يمر على واشنطن مرور الكرام، و لنا فيما حدث مع الرئيس مبارك عبرة، كما أن قوات الافريكوم ستعلب دورا حيوى و نشط كقناع للولايات المتحدة العسكرى داخل القارة السمراء .

 

الى أن جائت زيارة وزير الخارجية القطرى خالد بن محمد العطية لتونس و الذى أجتمع بكلا من طرفي المعادلة بتونس الحكومة و المعارضة، النظام التونسي و طيور الظلام الذىن يحاولو  العودة الى سدة المشهد بكل السبل و شتى الطرق حتى لو طلب ذلك التعاون مع الشيطان مجددا دون التعلم من أخطاء الامس، فقبل أن يلتقى وزير الخارجية القطري مع نظيره التونسي اجتمع مع راشد الغنوشى رئيس حركة النهضة ( فى موقف يعد بعيد كل البعد عن الاعراف الرسمية ) و كالعادة لم يعلن عن حقيقة اهداف الاجتماع و لكن بعدها مباشرة بات راشد الغنوشى و عناصره الاعلامية و الالكترونية تتبنى حملة منظمة فى الدفاع عن أخوان ليبيا ( مليشيات فجر ليبيا ) و تحسين صورتها و تقديمها خارجيا على أنها هى من تحارب داعش و ليس الجيش الليبي و هو الامر الذى كانت تنفذه لندن ورجالها و ممثليها بالخارجيات و الامم المتحدة و مازالت، و تقديم فجر ليبيا للمواطن التونسي على انها خط الدفاع الاول ضد داعش التى قد تجتاح الحدود التونسية فى القريب العاجل .

 

و بعد ذلك الاجتماع الذى دار بمقر حركة النهضة وتعجبى الشديد على أقامته من الاساس و غياب أجهزة الامن التونسية عنه بعد ان طلت قطر برأسها من جديد لكى تدير المشهد الليبي عبر تونس و ليس من دار فور او انقرة كما كان يحدث بالامس، عقد وزير الخارجية القطرى اجتماعته الرسمية بالحكومة التونسية و بعدها خرجت التصريحات المتناسقة المتطابقة بين البكوش و محمد العطية خاصة فى الشأن الخارجي بليبيا، بعد أبراز دور قطر السلمي فى الحفاظ على استقرار و وحدة الشعوب العربية كما صرح الوزيرين، نعم قد يختلف النهضة و نداء تونس فى النزاع الداخلى اما بالشأن الخارجي فالجميع يخدم مصلحة و أجندة واحدة، سواء كانت البوصلة التونسية يوجهها البكوش فى العلن او الغنوش فى الخفاء ففى كل الحالات البوصلة ليست تشير لمصلحة و أمن و استقرار تونس بل لمصلحة قطر و أستكمال مخططها بالمنطقة .   

 

بكل نظام و حكومة رجلا يلعب دور المتحدث بالانتقادات التى يود أن يوجهها ذلك النظام او تلك الحكومة للدول الاخرى، و بالتأكيد لن يكون ذلك الدور الشرير للبطل الاول للقصة ( الرئيس أو رئيس الوزراء حسب نظام الحكم بتلك الدولة ) فيكون الرجل الثانى أو الثالث بالحكومة او النظام أو يكون رجل ذو صلة قوية بالاعلام و مقرب من السلطة و هو من يوجه الرسائل السلبية ( الانتقادات الحادة للدول الاخرى ) كحال الكاتب جمال خاشقي مؤخرا مع المملكة العربية السعودية، و قد ظن البعض أن الطيب البكوش يلعب دور ذلك الرجل الشرير و لكن حقيقة الامر كلما تأملت المشهد الداخلي التونسي أجد ان البكوش فى حقيقة الامر هو الرجل الاول فى تونس و ليس الثانى أو الثالث و بات الغنوشى هو الضلع الموازى له .

 

فادى عيد

الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط

[email protected]

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة