سيكون على الجاهلين بالتاريخ والجغرافيا أن يبحثوا طويلا حتى يدركوا سر العلاقة السرمدية الخالدة والإستراتيجية والإجتماعية والحضارية بين مملكة البحرين وشقيقتيها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ،أما الواعون بالماضي والحاضر ومن يستشرفون المستقبل فهم واعون بطبيعة تلك العلاقة وبجذورها الضاربة في ما قبل التاريخ والباقية إلى ما بعد الأبد ، ويعرفون أن ما يجمع بين الدول الثلاثة قضية وجود وليس تماس حدود  

ومن إطلع على تصريحات وزير الخارجية بمملكة البحرين الشيخ خالد  بن أحمد بن محمد آل خليفة الجمعة يدرك أن أي رهان على فك الإرتباط المصيري بين الدول الثلاث هو رهان خاسر ، وأن أية محاولة لتحويل وجهة العبارات والإلفاظ والمواقف ستفشل نظرا لوضوح الرؤية لدى قادة البحرين ممن يحملون إرثا كاملا من الحكمة والوعي والقدرة على مواجهة التحديات التي بلغ بعضها أوائل  السبعينيات من القرن الماضي حدّ التشكيك في عروبة البلاد رغم أن كل مراجع التاريخ والجغرافيا والحفريات والأثار والإنساب والأسفار ودواوين الشعر تجمع على عروبة البحرين وتميز أهلها بالمعرفة والفطنة والعمل والذكاء والإنفتاح على من حولهم ،إضافة الى إرتباطهم الوثيق بأشقائهم في الخليج والجزيرة العربيين 

وإذا كان البعض قد تآمر على البحرين بمحاولة جرّها الى عاصفة الخريف العربي ، وجعلها صخرة سنمّار لإسقاط البيت الخليجي ، وإذا كان بعض الأشقاء قد ساهم في المؤامرة ، ودعمها في السر والعلن ، فإنه قد غاب عن المتآمرين أن لدى قادة الخليج العروبيين الأصلاء من الفطنة والرؤية الثاقبة ما جعلهم يكتشفون حقيقة اللعبة الدولية الخطرة التي تعمل على أن تجعل من البحرين ساحة المران الأولى بهدف التوجّه الى دول أخرى في الخليج ،كما أنطلق المران في شمال إفريقيا من تونس الصغيرة لإثارة  الشعوب في بقية الدول عبر إعلام موجّه وجماعات مأجورة ترتبط بأجندات خارجية وبمطامع داخلية في التأسيس للإنقلاب المجتمعي ووضع اليد على الثروات والمقدرات والسلطة والمصالح 

وطبيعي أن يلعب الإخوان المسلمون لعبتهم وأن يكونوا الأدوات المدعومة من جهات  خارجية ومن قوى إقليمية تمتلك المال والإعلام والمشروع الطائفي ، وأن يتحولوا الى السوس الذي يسعى الى تخريب كل شيء ويطيح بعماد البيت ، وكانت إنطلاقتهم الفعلية من مصر ، على أن يبدؤوا حراكهم المشبوه في دول الخليج العربي طامعين بذلك في  السيطرة على منابع الثروة والصناديق السيادية والإستثمارات الكبرى ، وغير ممانعين في إقتسام الغنيمة مع القوى الكبرى التي تقف وراءهم ولوبيات المال والنفط والسلاح التي توجّه تحرّكاتهم 

وكما تعمل  تركيا وقطر ،تعمل إيران على إستغلال الإخوان ، حيث يراد للدول العربية أن تتحوّل الى قطعة شطرنج على رقعة المطامع الفارسية الطورانية الصهيونية المتداخلة في عدائها للعرب ، وهو ما إكتشفت دول الخليج حقيقته ، ولذلك كان الموقف الإماراتي السعودي البحريني واضحا في دعمه لثورة الشعب المصري على حكم الجماعة ، بإعتباره كان يهدف الى تحويل مصر الى سيف مسلّط على رقاب العرب ، وحصان طروادة لإختراق الخليج العربي ، 

كما تحوّلت الدوحة من منطلق أنها وكر التآمر الدولي على المنطقة ومركز التصدير الأولى لمشروع الفوضى الخلّاقة ، الى ساحة للحراك المعادي لشقيقاتها الخليجيات ، والى جسر للتواصل التركي الإيراني الإخواني الصهيوني الذي لا يستثنى الجماعات الإرهبية من تحالفه الشيطاني  

  وعندما تم إتخاذ قرار بمعاقبة الدوحة بسحب السفراء ، كان الموقف ثلاثيا يجمع بين الرياض وأبوظبي والمنامة ، إنطلاقا من أبعاد الحضور الفاعل سياسيا وحضاريا وإقتصاديا وتاريخيا وروحيا للعواصم الثلاثة

وعندما تساءل البعض عن موقف المنامة من جماعة الإخوان الإرهابية ، خرج وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد  بن أحمد بن محمد آل خليفة  ليعلن ويؤكد أن بلاده تقف مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في تصديهم لمخططات الإخوان ،و إن البحرين تتصدى لجماعة الإخوان  وتهديدها الإرهابي الواضح لاستقرار المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر وتعده تهديدًا للبحرين ولأمنها، مشددًا على أنها ستتعامل مع أي تهديد مماثل من جماعة الإخوان  في البحرين بنفس الأسلوب الذي تتعامل به مع أي تهديد آخر لأمنها واستقرارها.

وقال  الوزير بلغة عربية واضحة ولا تحتمل التأويل « أن ما يمس أمن واستقرار الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات هو مساس مباشر لأمن واستقرار البحرين والعكس صحيح، ومن يعاديهم هو بلا شك عدونا »

وجاء هذا التوضيح ليعيد الأمور الى نصابها بعد أن تم تأويل تصريحات سابقة له خلال مؤتمر صحفي عقده في إسلام أباد 

وردًا على ما نسبته له إحدى القنوات التلفزيونية، أكد  وزير الخارجية البحريني أنه لم يقل أو يذكر بأن جماعة الإخوان المسلمين ليست إرهابية، ولكن كل بلد يتعامل معهم حسب ما يبدر منهم تجاهه، مع ضمان الموقف الموحد تجاههم. وأضاف " هذا ما قلته وأعنيه  في المؤتمر الصحفي في إسلام أباد، وهو واضح ولا يحتمل التأويل، وأنا مسؤول عن ما قلته في إسلام أباد وأوضحته اليوم، ولست مسؤولًا عن ما أوردته قنوات الإعلام من تأويل و تفسير خاطئ لكلامي" .

وما بيّنه الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة هو أن حركة الإخوان  حركة عالمية لها نهجها الواحد ، والتعامل معهم هو حسب قانون كل دولة وما تلتزم به من اتفاقات ، وهو بذلك يضع النقاط على الحروف فالإخوان لهم ذات المرجعيات والمواقف والرؤي والخطط والأهداف والمصالح ، وموقف البحرين منهم مبدئي ، وينبني على حقيقة ما بدا منهم من عقلية تآمرية وإنقلابية على من كان معهم ومن كان ضدهم ، وللبحرين موقفها المبدئي في أن تكون الشقيقة والشريكة والحليفة لدولتين تجمعها بهما أواصر القربى والأخوة والمصاهرة والمحبة والشراكة والمصير الواحد هما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة 

 

* كاتب صحفي من تونس