بدأ العِوج من الإعلان الدستوري اذ كان من الأحرى ان يقوم بالبث في انتخابات مزدوجة للمؤتمر الوطني و الهيئة التأسيسة معا و بذلك يضمن استقلالية الاثنين عن  بعضهما. أعطي للمؤتمر الوطني استحقاقين مهمين أولهما تشكيل حكومة انتقالية ناجحة مع مراقبة ادائها و الثاني خلق الهيئة التأسيسة لكتابة الدستور. لقد فشل المؤتمر في الاثنين معا.

انا لا استغرب هذا الفشل بعد ما أعطي المؤتمر حرية القرار في كيفية و سرعة خلق الهيئة التأسيسة مع ربط عمر المؤتمر بنجاح مشروع الدستور و سرعة إنجازه وهو ما يعطي دافع كبير (الا لمن رحم ربي و تغلبت وطنيته على مصلحته الشخصية او الحزبية) للمؤتمر لأن يمطط و يمدد عملية تأسيس اللجنة الدستورية. الامر الذي كان في إمكان المؤتمر، لو صدق النية، ان ينجز في الشهر الأول من عمره و لكن المؤتمر ماطل به الى قرابة العام.

ها نحن اليوم نرى المؤتمر في مسرحية هزلية اخرى للتمديد غير مباشر اذ يطلب من هذه اللجنة التي لم تنتخب بعد ان تخرج علينا بدستور خلال 120 يوم. اذا كان المؤتمر قد أخذ عام بكامله فقط ليعطي الضؤ الأخضر للمفوضية العليا للانتخابات لتبدأ عملها بانتخابات لجنة الدستور فكيف يتوقع من هذه اللجنة خلق دستور كامل يحظي بموافقة الأغلبية في شهرين فقط؟. حتى الجنين في بطن أمه يعرف ان الدستور لن يكتب في شهرين. آالى هذا الحد يستخف أعضاء المؤتمر بالشعب و بعقول مؤسسات المجتمع المدني؟ 

الشهر الماضي أقر المؤتمر، و بأغلبية غير مسبوقة و بحضور غير مسبوق، على التمديد لنفسه الى نهاية شهر ديسمبر 2014. و لكن ظهور الغضب الشعبي على هذا التعنت تطلّب من المؤتمر مراجعة الأمور. فقٌدّمت للمؤتمر اكثر من أربعين مبادرة في خلال الأربعين يوم الماضية. اي بمعدل مبادرة لكل يوم. و لكن المؤتمر عقد العزم على ان لا يتخلّى عن السلطة تماماً كما يفعل الطغاة و لن استغرب في ان يستعمل المؤتمر قوة المليشيات إن تطلّب الامر لضمان بقائه على سدة الحكم. 

فخرج علينا المؤتمراليوم بما سماه عن نفسه "الحدث التاريخي" بان أقر خطة طريق عوجاء لن تؤدي الا الى المجهول و الضياع، و بمناسبة فوز فريقنا الوطني بحق بالكأس الأفريقي و في يوم وصوله الى ارض الوطن، قرر المؤتمر ان يمنّ على هذا الشعب المسكين بقليل من التخفيضات كما تفعل بعض الاسواق فخفّض سقف مدة المؤتمر من نهاية ديسمبر الى نهاية اكتوبر و بدون ضمانات. و حتى تطمئن القلوب (او على قول الليبيين عند المقايضة....من الاخر) قرروا التضحية بحكومتهم الفاشلة الاخرى بعد تمسكهم بها لشهور عديدة رغم رفض الشارع لها.
حرام عليكم.. حرام عليكم... حرام عليكم..... كيف تكافؤون أنفسكم على الفشل بهذا التمديد المموه و كأنكم تستغفلون الناس. 

القرار اصبح واضح للشعب الآن.... إما أن تبقى الحكومة مؤقتا كهيئة تشريعية و تنفيذية معا لملء الفراغ السياسي الى يوم انتخاب اللجنة التأسيسة و التي من ثم يجب ان تأخذ مهام المؤتمر بعد ذلك و تشكل حكومة انتقالية اخرى. 
او ان تبقى الأمور على ما هي عليه الى انتخاب اللجنة التأسيسة يوم 20 فبراير و من ثم انتقال السلطة التشريعية اليها وحل المؤتمر و اول مهامها تكون تشكيل حكومة تسيير أمور من اربع وزارات سيادية و ثلاث وزارات خدمية خلال اسبوعين.

لقد حمّل هذا الشعب الكريم المؤتمر "أمانة" كبرى فقبلوها و لم يقدروا الأمانة حق تقديرها فضيّعوها. 

يقول تعالى في محكم كتابه..بسم الله الرحمن الرحيم:
"إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" . الأحزاب 72

و عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: 
إِذَا مَا عَرَى خَطْبٌ مِنَ الدَّهْرِ فاصْطَبِرْ- فَإِنَّ اللَّيَالي بالخُطُوبِ حَوَامِلُ
وكل الذي يأتي به الدهر زائلٌ سريعا ـــــ فَلاَ تَجْزَعْ لِمَا هُوَ زائِلُ

فإذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد ان يخرج على المؤتمر. فلا شرعية له بعد فبراير هذا العام. 

يحفظ الله ليبيا و خاصة من ابنائها الذين يفتقرون الى الوطنية.