من الواضح أنَّ ما يخشاه الغرب حقيقة من أي فراغ ينجُم عن إسقاط أية ديكتاتورية كان يحميها ويقِف وراءَها ليس هو مجرَّد الخوف على تدفُّق النفط إليه، وإنما هو في المقام الأول الخوف من أن يكونَ البديل هو تمهيدَ الطريق لعودة دولة خِلافة إسلاميَّة، ثرواتها ونفطها ومصادرها للمسلمين، وليس لأعدائهم، تقوى وتنتشر وتهدِّد أوربا والعالَم بأَسْره مثلما كان الحال مع الدولة العثمانيَّة آخِر قلاع الخلافة الإسلاميَّة.

كان الإسلاميون المتطرفين على عداء تام مع أعداء الأمة, والى عهد قريب رأينا كيف أن الغرب وقف بكل قوته ضد وصول الإسلاميون في الجزائر إلى السلطة حيث حصدوا كافة المقاعد بالبرلمان, فدخلت البلاد مرحلة من الفوضى استمرت لأكثر من عقد من الزمن وتسبب في مقتل العديد من الشعب الجزائري, كما قام الحكام العرب وبمساعدة الغرب بالبطش والتنكيل بالإسلاميين الذين رأوا فيهم تهديدا لهم. واليوم ترى ماذا جرى لنجد الغرب والإسلاميون يقاتلون جنبا إلى جنب في الدول العربية, ترى هل الاعتراف الأمريكي والغربي بالإسلاميين جاء قبولاً بحق لهم، وتقديرا وإعجابا بدورهم والتفاف الجماهير حولهم، أم أنه جاء قبولاً ولو جزئياً بنصيحة عدد من المستشارين وجعل الصراع يحتدم في المنطقة بين السنة والشيعة وخلق فتنه مذهبية وذلك بعزل إيران عن محيطها العربي وإيهام العرب بأن الخطر الفارسي قادم لا محالة ولا مناص من مواجهته, فأوعز الغرب إلى تركيا بضرورة لعب دور المنقذ لشعوب المنطقة من طواغيتها ومن المد الشيعي. ومن هنا شاهدنا التحرك التركي لمساعدة الشعوب المنتفضة على حكامها بكافة السبل ووطدت علاقاتها مع الحكام الجدد لتلك البلدان.  

تحولت حركة النهضة التونسية إلى حزب أشبه بحزب العدالة والتنمية التركي ونقل عن رئيس حركة النهضة أنه لن يفرض الحجاب ولن يمنع الخمور! وتحالف مع قوى ديمقراطية للوصول الى السلطة ماذا تبقّى إذن من أدبيات الحركة التي كانت تتشدق بها إبان الحكم السابق, وماذا يعني وجود الخمارات وأماكن العهر والفسق في دولة يشكل الإسلام أكثر من97 % من سكانها!.  وفي المغرب الأقصى يبدو أن الملك كان أكثر واقعية من الحكام الآخرين فتكون حزب توأم للحزب الحاكم في تركيا فحصد أكثر مما حصده أي تكتل حزبي في البلاد وأوكلت إليه مهمة تشكيل الحكومة.

الإخوان في مصر يتصرفون بعبقرية في الأحداث الجارية في مصر,  لم يشاركوا في التظاهرات المطالبة بتنحّي العسكر عن السلطة فشدوا العصى من المنتصف.لكنهم ركبوا الموجة عندما تأكدوا ان النظام زائل لا محالة, وشكّلوا حزب الحرية والعدالة تيمّنا بالنموذج التركي وحصدوا مقاعد لا تؤهلهم التفرد بالحكم فتوافقوا مع نظرائهم السلفيون على حكم البلد وان اختلفت وجهات نظرهم في بعض الامور,نقل عن السادات قوله ان الاخوان المسلمون دعوا الى المشاركة في ثورة 23 يوليو1952 لكنهم خافوا اما موقفهم من عبد الناصر فهي محاولة اغتياله بالإسكندرية فقال قولته المشهورة (الاخوان مالهمش امان).  

 في ليبيا وتمشيا مع دول الربيع العربي تأسست احزاب ذات صبغة اسلامية ولأن الشعب الليبي بطبيعته شعبا بسيطا لا يحب المغالاة في أي شيء وخاصة الامور الدينية فأيقن الاسلاميون انهم لن ينالوا ما يتمنونه فأوعزوا الى بعض كوادرهم بالترشح كمستقلين ووقع الشعب في الفخ وهم الان يسيطرون على دفة الامور بالبلد وان حاول البعض التنصل من ذلك.

أليس الأجدر بنا أن نقول عن الإسلاميين أنهم جاءوا إلى السلطة على ظهور(مؤازرة) السياسيين الأمريكان أسوة بالذين جاءوا على ظهور الدبابة الأمريكية الى السلطة في العراق.  

لقد صوّتت شعوب دول الربيع العربي للإسلاميين ليس حبا فيهم وإنما املا في التغيير وإعطاء الفرصة لمن كانوا يناصبون (السلطات) العداء, فهل تتحقق آمال الجماهير في التغيير ام ان الامور لا تعدوا كونها تغيرا شكليا ليس إلا (قم لأجلس مكانك ) رغم كلفة التغيير.     

والسؤال الذي يطرح نفسه هل ستصبح الأنظمة في بلاد" الربيع العربي" كالنظام التركي أي أن السلطات ستكون عند رئيس الوزراء وليس رئيس الدولة؟! كما أوعز الغرب إلى حكام قطر بلعب دور رئيس في الأحداث التي تجري بالمنطقة, ترى لماذا قبلت كل من تركيا وقطر هذه الأدوار المشبوهة وهل هي وليدة اللحظة أم أن هناك سوابق لهذه الأنظمة ولكنها كانت خفية.