لا يمر يوم دون أن يشير مسؤول تونسي الى الإرهاب الذي يتهدد بلاده قادم من الجارة ليبيا . كما لا يمر يوم دون أن تسفك دماء ليبية يحتل الإرهابيون التونسيون دورا في سفكها ، فمن الذي يلوم الثاني ؟ الشعب التونسي أم الشعب الليبي ؟ الحكومة التونسية أم الحكومة الليبية ؟ الوجع التونسي أم الوجع الليبي ؟  

وبحسب بعض المصادر الرسمية فإن أكثر من 500 تونسي يقاتلون في صفوف الجماعات الإرهابية في ليبيا ، في حين لا تزال تونس تمنع 250 من إمراء الحرب وقادة الميلشيات الليبية المسلحة من دخول أراضيها من بينهم عبد الحكيم بالحاج وعلي الصلابي وشعبان هدية المعروف بإسم أبي عبيدة الزاوي  الذي كان زار تونس في الربيع الماضي  بتصريح إستثنائي وإلتقى بمسؤولين أمنيين في جلسات سرية زعم من خلالها أنه سيعمل على إطلاق سراح ديبلوماسيين تونسيين  تم إختطافهما في طرابلس في 20 مارس 2014 ، وأنه يطلب مقابل ذلك السماح له ولبلحاج بدخول تونس وقتما يشاءان ، ثم لما عاد الى بلاده تبين أنه لم يف بوعوده ، بل وإكتشفت جهات تونسية أن جهات رسمية في طرابلس كانت على علم بإختطاف الديبلوماسيين من قبل عناصر تنظيم أنصار الشريعة في صبراتة بهدف مقايضتهم بإرهابيين ليبيين إثنين متورطين في عملية الهجوم الإرهابي على  نقطة تفتيش تابعة للجيش التونسي في منطقة الروحية من ولاية سليانة في مايو 2011 أسفر عن مقتل إثنين من العسكريين 

وفي 30 يونيه 2014 تم الإعلان عن عودة  الدبلوماسيين التونسيين المختطفين فى ليبيا بعد أن عفا  الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي عن الإرهابيين الليبيين الذين عادا الى بلادهما ، وقاما مؤخرا بعمل مهم في البحث عن الصحفيين التونسيين نذير القطاري وسفيان الشورابي المختطفين في ليبيا منذ سبتمبر الماضي ولكن دون فائدة علما وأن تنظيم داعش كان أعلن في 17 ينايو الماضي أنه قام بتصفيتهما 

إن خارطة الإرهاب المشترك بين البلدين تبدو  متشابكة وأحيانا غامضة ،وبالتأكيد أن مئات التونسيين باتوا يقاتلون في ليبيا ضمن ميلشيات القاعدة وداعش وأنصار الشريعة وفجر ليبيا ، وهناك تونسيون يتدربون على حمل السلاح في غريان وصبراتة وطرابلس والزاوية ومسراطة وترهونة وسرت وبنغازي وجدابيا ودرنة بعضهم من باب العقيدة الجهادية المتطرفة والبعض الإخر من باب الإسترزاق ، كما أن الجانب الأكبر من الدواعش التونسيين في سوريا والعراق وحتى في اليمن وسيناء مروا عبر  التراب الليبي ، ومنهم من سافر بجوازات سفر ليبية

فبعد الإطاحة بنظام الزعيم الراحل معمر القذافي ، رحمة الله عليه ، والتي  تزامنت  مع وصول الإخوان الى الحكم في تونس ، ساهمت أطراف تونسية وليبية في دعم المشروع الأمريكي القطري التركي  في المنطقة إنطلاقا من مرجعياتها الإخوانية أو من خلفياتها الوصولية والإنتهازية ، وكان تجنيد وتدريب وتسفير المقاتلين التونسيين والليبيين الى سوريا يتم تحت أنظار العالم وبدعم دولي ، وبلغ الأمر حد تشكيل كتيبة ليبية للقتال في سوريا متحالفة مع جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة ، كما تحولت مطارات معيتيقة و مسراطة وسرت وبنغازي الى منافذ رسمية لنقل مقاتلين  تونسيين الى تركيا ومنها الى داخل التراب السوري برعاية من إخوان ليبيا والجماعة المقاتلة وحليفهما الأول تنظيم أنصار الشريعة 

كان هدف قوى الاسلام السياسي في المنطقة بإخوانهم وسلفييهم تحويل ليبيا الى خزينة مال وساحة تدريب على القتال ومثابة أممية لمشروعهم ، وكانت قطر من خلال أتباعها داخل التراب الليبي تعمل على تفكيك ما تبقى من مؤسسات الدولة وملاحقة العقائديين من أجهزة الجيش والأمن السابقين وإذلال القبائل وتهجير أكبر عدد ممكن من السكان المحليين ، وهو ما تبين لاحقا بعد الجرائم التي إرتكبتها الميلشيات الإخوانية المسماة بالدروع ومعها غرفة ثوار ليبيا التي أسسها نوري بوسهمين في يوليو 2013 في بني وليد وترهونة وورشفانة والمشاشية وسبها وسرت وبراك الشاطيء وبنغازي والعجيلات وغيرها 

في تلك الأثناء كان التنسيق واضحا بين إخوان تونس وليبيا تحت المظلة القطرية التركية وفي ظل محاولات تمدد قوى الإسلام السياسي بالمنطقة ، وعرفت تونس في بداية حكم الترويكا إطلاقا لأيدي الجماعات السلفية المتشددة التي كانت مرتبطة بنظيرتها في ليبيا ، وتم تسفير عدد كبير من التونسيين للتدرب على حمل السلاح في ليبيا ثم نقلهم الى التراب السوري عبر تركيا في ظل قناعة راسخة بأن النظام السوري على أهبة الإنهيار ، وأن  حلم الخلافة يتجه الى التحقيق ، وأن ما سمي بالربيع العربي ليس غير ربيع أخواني مدعوم من قبل واشنطن ولندن

وفي مرحلة لاحقة تحولت ليبيا الى مفر للإرهابيين التونسيين بعد إعلان تنظيم أنصار الشريعة تنظيما إرهابيا في صيف 2013 على إثر تورط التنظيم في إغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي ، حيث  وجد إرهابيون تونسيون ملاذا لهم ومصادر تمويل في ليبيا إضافة الى مخيمات للتدريب في مدن عدة على الشريط الساحلي يمتد من صرمان وصبراتة الى درنة ، وأندمج تنظيما أنصار الشريعة التونسي والليبي في إطار  وحدة إندماجية تعبر عن أممية المشروع الجهادي ، وسعى الإرهابيون التونسيون الى جعل ليبيا منطلقا لهم نحو العودة الى تونس ، غير أن التحولات التي عرفتها ليبيا بعد إطلاق الجيش الوطني عملية الكرامة في ربيع 2014 دفعت بالجماعات الإرهابية داخل التراب الليبي وبمقاتليها المنحدرين من جنسيات مختلفة الى التحالف مع مجلس شورى بنغازي وماسمي بميلشيات فجر ليبيا في إطار حرب شاملة ضد الدولة والجيش والقبائل ثم ضد البرلمان المنتخب في يونيو 2014 والحكومة المنبثقة عنه ، قبل أن يعلن شباب المجاهدين في درنة إنضمامهم الى تنظيم داعش ومبايعة خليفته البغدادي ، ثم توسعت الظاهرة الداعشية داخل التراب الليبي مما جعل المقاتلين التونسيين ينقسمون  الى فئات شتى منها ما حافظ على ولائه لتنظيم القاعدة القريب من فجر ليبيا ومنها ما إنضم الى تنظيم داعش ، ومنها من كان يقاتل مع الدروع وغرفة ثوار ليبيا في المنطقة الغربية لينال نصيبه من الغنائم خلال الهجوم على المدن والقرى وعمليات التمشيط الدورية 

ويبقى تهريب السلاح والذخيرة من ليبيا الى تونس أحد أهم المخاطر التي يواجهها التونسيون خصوصا في ظل غياب السلطات الرسمية الليبية عن المناطق الحدودية الواقعة تحت سيطرة ميلشيات مرتبطة بالجماعات المتشددة وأحيانا بمافيات التهريب 

اليوم يوجد مقاتلون تونسيون في مختلف المناطق الليبية بعضهم متورط في إيذاء الشعب الليبي وأغلبهم من المتورطين في جرائم إرهابية في بلادهم ، والبعض الآخر يتدرب على القتال ويستعد للعودة الى تونس لإيذاء شعبها وأغلبهم ممن لا تمتلك السلطات التونسية معلومات كافية عنهم ، ويكاد يحصل إجماع على أن الخطر على المجتمع التونسي سيستمر طالما لم ينجح الجيش الليبي في السيطرة على الحدود المشتركة التي يبلغ طولها 500 كلم ، وكذلك طالما الجماعات الليبية المتطرفة لا تزال تمتلك السلطة في مناطقها بقوة السلاح والثروات الطائلة المنهوبة من أرزاق الليبيين 

يبقى أيهما المسؤول عن إيذاء الثاني : تونس أم ليبيا ؟ 

الجواب أنهما ضحيتان لسياسيات دولية وإقليمية ومحلية أصابها العمى الإستراتيجي وغابت عنها الحكمة عندما إندفعت للإطاحة بالدولة الليبية وبنظام القذافي في إطا مشروع عدائي ظالم كان لا بد أن ينتج عنه كل هذا الإرهاب ، فمن يزرع الرياح يحصد العاصفة ، ومن يرزع الشوك يجني الجراح .

شاعر وصحفي  تونسي