في عددها الصادر بتاريخ 12 مايو 2008 ( ص.30) نشرت مجلة النيوزويك – الطبعة الدولية، تقريرا تحت عنوان:” المصير.. الشهادة ” لمناقشة الأسباب التي جعلت من مدينة درنة قاعدة لتفريخ العديد من الانتحاريين للحرب في العراق.

عندما أغارت قوات المارينز عام 2007 على مقار لإحدى جماعات المقاومة العراقية هي: مجلس شورى المجاهدين، في مدينة سينجار الواقعة في شمال العراق، بدأوا دراسة وتحليل ملفات وجنسيات 606 مقاتلين ليجد المحققون أنفسهم أمام مفاجأة كبيرة، فقد اكتشف الأمريكيون بأن 112 من هؤلاء المقاتلين مع المقاومة العراقية جاءوا من ليبيا، منهم 52 من أبناء بلدة درنة التي لا يتجاوز عدد سكانها 50 ألف نسمة. وإذا كان السعوديون قد شكلوا العدد الأكبر من المقاتلين المذكورين بوجود 244 منهم بين الأسماء التي عثر عليها المارينز، فإن احتساب النسبة والتناسب في عدد السكان بين لييبا والسعودية يرجح كفة الأولى من حيث معدل مدّ المجاهدين ضد الأمريكيين في العراق بالانتحاريين والمجاهدين. ومن الحالات الجديرة بالدراسة والتأمل هنا تلك التي تتعلق بالمتطوع عبد السلام بن علي، ابن العشرين من العمر، ابن مدينة درنة حيث ولد وترعرع . فهذا الشاب الليبي الذي تخرج متخصصاً في الطب البيطري، تأثر بشكل كبير بالشريط السينمائي : أسد الصحراء، عن قصة المقاوم  الأسطورة عمر المختار، الذي جسد شخصيته على الشاشة الممثل العالمي أنطوني كوين عام1981 . ومن الواضح أن بن علي وجد في عمر المختار الذي خاض معارك بطولية ضد الاحتلال الإيطالي الوحشي لبلاده النموذج الذي يحتذى. فعلى مدى 20 عاماً استطاعت المقاومة  الوطنية الليبية بقيادة أسد الصحراء إنهاك قوات الاحتلال الايطالية إلى أن وقع عمر المختار في الأسر عام 1931.

عن ممارسات الإيطاليين القمعية جاء في تقرير للنيوزويك بتاريخ 12 مايو 2008 القول:” اتسمت الممارسات الإيطالية بالوحشية. وطبقاً لإحدى الإحصائيات السكانية الليبية فإن عدد سكان ليبيا عام 1912 كان 1.2 مليون نسمة ليتراجع إلى 825 ألف نسمة عام 1933 كنتيجة مباشرة لسياسة الاستعمار الإيطالي على حد تعبير رونالد بروس سانت جون، المتخصص في الشؤون الليبية. ويضيف العالم المذكور والذي يحظى باحترام واسع في الأوساط الأكاديمية، بأن التكتيكات الإيطالية كانت تتضمن إقامة معسكرات الاعتقال الجماعي والتجويع المتعمد للسكان، وأعمال القتل بالجملة التي وصلت حد المذابح الجماعية “.

كانت درنة موقع أول معركة يخوضها المارينز في الشرق الأوسط وشارك فيها المرتزقة أو “المقاولون” كما أصبحوا يعرفون لاحقاً، وتعرضت هذه المدينة الليبية الساحلية الصغيرة لقصف من الأسطول الأمريكي في أوائل القرن التاسع عشر. وإذا كان المارينز لا يزالون يذكرون قتلاهم في درنة، فإن أهالي المدينة لم ينسوا شهداءهم والدمار الذي أحاقة القصف العشوائي للسفن الأمريكية بمدينتهم. ولهذا نجد عبد السلام، ابن درنة المتطوع في المقاومة العراقية المصدوم بما شاهده على  الفضائيات، من دمار أحاقه القصف الأمريكي وعمليات المارينز بالعراق، يستحضر في خياله ما حصل لمسقط رأسه درنة على يد المارينز قبل 200 عام، وهو يقول لوالدته بأنه يعتزم التوجه للعراق لمقاتلة الأمريكيين. ومع أنه تظاهر بالتراجع أمام مشاعر الأسى التي انتابت الأم وهي تتخيل أنها قد لا تراه بعد اليوم، إلا أن عبد السلام سرعان ما اختفى. وعندما تلقت العائلة مكالمة منه  بعدها بأسابيع أبلغ الشاب والدته بأنه موجود في الرمادي قائلاً: “أنا في العراق”.

أثارت ظاهرة تطوع أبناء درنة للقتال في العراق _ كما تبين من الوثائق التي حصل عليها الأمريكيون في بلدة سنجار شمال العراق _ قلق واشنطن، فكان أن أرسلت وزارة الخارجية الأمريكية في نوفمبر 2007 وفداً برئاسة الجنرال ديل دايلي إلى طرابلس للقاء المسئولين الليبيين. في البداية، لم يصدق الليبيون الأرقام التي جاء بها الأمريكيون حول عدد المتطوعين الليبيين في الحرب في العراق، حتى ووجهوا بالوثائق من سنجار. وطبقاً لتقارير أميركية لاحقة، فقد أعرب الأمريكيون عن سعادتهم لمدى التعاون الذي لمسوه من السلطات الليبية في مكافحة الإرهاب. وفي ذلك يقول تقرير النيوزويك:” بالرغم مما كشفت عنه وثائق سنجار، فإن القليلين فقط في الإدارة الأمريكية يعتقدون بأن القذافي يرسل مقاتلين إلى العراق، لسبب رئيسي وهو أن أفواج المجاهدين العائدين إلى ليبيا من العراق بمهارات قتالية جديدة ستمثل كابوساً  للزعيم الليبي نفسه بقدر ما تمثل للأميركيين”.

تتجذر المقاومة ضد الأمريكيين عميقاً في وجدان وأذهان المسلمين، الأمر الذي تبين لمعدي تقرير النيوزويك من خلال المقابلات العديدة التي أجروها مع أقارب المجاهدين. فعندما تحدث المراسل أمام رئيس بلدية درنة عن أعداد أبناء بلدته  ممن تطوعوا لمقاتلة الأمريكيين، لم يصدق المذكور ما سمعه حتى ووجه بالوثائق، وعندها علق قائلاً:” إذا كان هذا الرقم دقيقاً فهو شيء سيئ من الناحية السياسية، غير أنه ليس كذلك بالنسبة للمسلمين الذين يشعرون بأنهم إنما يؤدون واجبهم. لقد قالت أمريكا بأن الحرب في العراق هي من أجل الحرية بينما هي ليست كذلك في الواقع″.

 وهذا مؤذن مسجد درنة النوري الحصادي، ابن الستين عاماً، ينفجر في وجه مراسل النيوزويك الذي سأله عن قريبه الشاب أشرف (18 عاماً) والذي تطوع للجهاد وموجود في العراق. في البداية لم يكن المؤذن راغباً في الحديث إلا أنه صرخ فجأة ملخصاً الموقف بالقول:” إنه النفط.. النفط.. أمريكا بحاجة للنفط وهي التي تتحمل مسؤولية ما يحدث”.

وهناك الشاب عبد الحكيم العوكلي( 28 عاماً) الذي غادر درنة أواخر ربيع 2007 متجهاً إلى العراق، بالرغم من محاولات عائلته الميسورة إعاقة خروجه باللجوء إلى سلطات الجوازات والهجرة طلباً لعدم تزويده بوثيقة سفر. وطبقاً لأقاربه ممن تحدثوا لمراسل النيوزويك فإن عبد الحكيم كان شديد التأثر بما كان يراه على الشاشة من وحشية المحتلين الأمريكيين للعراق، فكان أن أصر على الانضمام للجهاد ضد الغزاة غير آبه بالحياة المرفهة التي كانت متاحة له.

أما عبد الحميد شقيق عبد السلام علي، فقال للنيوزويك بأنه أصبح قادراً على التعايش مع حقيقة استشهاد شقيقه. وأضاف:” عندما قتل .. كنت سعيداً بالفعل.. أعتقد بأنه كان محقاً بالذهاب.. كان محقاً بالفعل.. الناس يقتلون بدون سبب.. لقد فكرت شخصياً أن أذهب بدوري ولكنني لم أعد استطيع ذلك.. لم يعد غيري معيلاً للعائلة”.

(من صفحة 107 إلى 110 من كتابي ” التاريخ الحقيقي لأمريكا  في العالم العربي : أمريكا إسرائيل الكبرى “الصادر 2009 ؟ اذا لم تتوقف حروب ارهاب الدول  على  بلدان العالم العربي والاسلامي تحت أي مسمى أو شعار كاذب وايقاف “حروب الاجيال ” على هذه البلدان كما اسماها المحافظون الصهاينة الجدد ، ستصبح كل قرية ومدينة في تلك البلدان “قرنة” أخرى طال الزمن أو لربما قصر ، وسيصبح ارهاب الدولة هو الحاضنة لتفريخ الجهاديين والتكفيرين . ولن ينفع توظيف كتائب وعاظ السلاطين العاملين على مبدأ “إدفع وارفع ” في ايقاف هذا التيار . يبدو أن إنجيل الاباطرة هو من اخراج اصحاب المال العالمي ، ولم يقرؤا انجيلهم الذي يقول ” لا سلام بدون عدل ” )

  مستشار ومؤلف وباحث

  •