سقطت بعض الشّخصيّات السّياسيّة في فخّ شيطنة أبناء الجنوب، الّذي يمتدّ جغرافيّا من ولاية صفاقس، نزولا إلى آخر نقطة حدوديّة للبلاد التّونسيّة...وتُعتبر بعض المواقف غير المدروسة وبعض التّحاليل الغبيّة خطأ سياسيّا فظيعا، فَضح محدوديّة الفهم السّياسيّ لواقع البلاد سياسيّا واجتماعيّا (انتروبولوجيّا)... فمن يريد قراءة المشهد السّياسيّ بولايات الجنوب بحياديّة ودون تَعصّب حزبيّ، عليه أنْ يقرأ التّركيبة الاجتماعيّة لسكّان هذه الولايات... 

الثّابت، أنّ الجنوب التّونسيّ هو مَنشأ ومَسقط رأس العديد من الزّعامات والقيادات النّهضاويّة والمؤتمريّة والبعض الآخر من حركة الشعب. فعلي العريّض وعامر العريض ولطفي زيتون والصّحبي عتيق وراشد الغنّوشي والحبيب خضر والمنصف المرزوقي وعماد الدّايمي وسليم بن حميدان وسالم الأبيض وزهير المغزاوي هم أصيلي الجنوب التّونسيّ، وتحديدا ولايات قبلي وقابس ومدنين.... 

إنّ الأمر الّذي لم يستطع بعض المبتدئين في قراءة المشهد السّياسيّ قراءته هو الانضباط القَبَلِيّ والعَشائري الّذي تتميّز به عائلات هذه الولايات. فأغلب مُكوّنات ولايتي مدنين وتطاوين ينحدرون من أصل واحد: قبائل "وِرْغِمَّة". وهو ما يجعلها تتضامن عقائديّا، حتّى وإن اختلفت في العديد من الشّؤون الأخرى. فمثلا، تطاوين، ليس لها من الوجوه المعروفة سياسيّا، لا في حركة النّهضة، ولا في غيرها من الأحزاب الأخرى، لكنّها تضامنت عقائديّا مع أبناء عمومتها في ولاية مدنين. ولا ننسى أنّها كانت إحدى معتمديّات ولاية مدنين قبل أن يُعلنها محمد مزالي ولاية سنة 1982... 

إنّ التّحليل الّذي يقول إنّ أبناء ولايات الجنوب اختاروا النّهضة والمؤتمر من أجل مواصلة عمليّات تهريب البنزين هو تحليل خاطئ تماما. فالتّهريب عبر المناطق الحدوديّة قديم ومتجذّر في كلّ المناطق الحدوديّة، شرقيةّ كانت أو غربيّة... 

وبالعودة إلى النّتائج الهزيلة الّتي غنمتها بعض الأحزاب الأخرى في ولايات الجنوب، لا يجب أن ننسى أنّ حزب حركة نداء تونس، مثلا، قرأ جيّدا المشهد السّياسيّ والاجتماعيّ بهذه الولايات. فلم يغامر بوجوه سياسيّة كبيرة، بل اختار وجها يُعتبر قديما بولاية مدنين، وهو نائب في مجلس نوّاب بن علي سابقا، ورئيس لمجلس بلديّ خلال عدة دورات في عهد بن علي أيضا، ورجل أعمال، وتركه النّداء لمصيره. ومعه، جاء المقعد الوحيد بولاية مدنين لنداء تونس. 

أمّا في تطاوين، فقد كسب النّداء مقعدا وحيدا بسبب تعاطف البعض (أولاد دبّاب) مع الشّهيد لطفي نقّض. 

وفي قابس، رشّح النّداء قياديّا شابّا من قيادات طلبة التّجمع سابقا، وابن أحد الوجوه السّياسيّة المعروفة بالولاية. فنجح في كسب المقعد الّذي خطّط له لانتخابات 2014، مع إعداد جيل جديد من السّياسيّين النّدائيّين في الجنوب التّونسي، بما قد يسمح للنّداء في قادم المواعيد الانتخابيّة بكسب التّحدّي، وتغيير الخارطة الحزبيّة في الجنوب التّونسيّ.

استنادا إلى هذه المعطيات الدّيمغرافيّة والسّياسيّة، يقول المنطق إنّ المشهد النّيابيّ الّذي سيمثّل ولايات الجنوب تحت قُبّة باردو جاء نتيجة للعوامل العائليّة والقبليّة. فزهير المغزاوي في قبلّي، وراشد الغنوشي في قابس، وأولاد العريّض في مدنين، ومعهم عماد الدايمي وسالم الأبيض في جرجيس. كلّها وجوه أثّثت المشهد النّيابيّ القادم بأصوات أبناء العمومة والرّوابط العائليّة... 

وفيما يتعلّق بفشل الجبهة الشّعبيّة بولايات الجنوب، فإنّ الأمر يعود إلى انعدام التّواجد الجبهاويّ تماما في تلك الولايات. وقد لا يتعدّى مجموع أنصار الجبهة الفاعلين في تلك الولايات، الألف صوت، رغم أنّ العديد من الأصوات سارعت بالتّصويت لفائدة قائمات الجبهة، شماتة في حركة النّهضة والمؤتمر، والبعض الآخر خوفا من عودة المنظومة القديمة المتمثّلة حسب رأيهم في الدّساترة... 

بعد كلّ الّذي قرأناه وسمعناه وشاهدناه في الأيّام الأخيرة، نحتاج جميعا أن نقول بصوت واحد: كفاكم شيطنة لأبناء الجنوب. فلو كان نفس عدد هؤلاء الزّعامات والقيادات النّهضاويّة وغيرها من ولايات أخرى، لَوقَعَ نفس الشّيء... كفانا تحريكا لنعرات الفتنة... كفانا نَبْشًا في عقليّات دفنّاها منذ عقود... واحذروا الفتنة...

كاتب تونسي