منذ استيلاء الانقلابيون على العاصمة وتدمير مؤسساتها والليبيون يتحدثون عن المصير المجهول, مجلس منتخب طريد,حكومة منبثقة عنه لا تجد مكانا آمنا لعقد جلساتها,السفراء في غالبية الدول عينهم الإخوان,الخزينة العامة"البنك المركزي" تحت سيطرة الانقلابيون,فعن أي دولة يتحدث البرلمان المنتخب؟ المعارك في الجنوب بين الإخوة لم تهدأ, فالإنقلابيون يؤججون الصراع وإثارة الفتن,استولوا على آبار النفط بالجنوب الغربي,ليظلوا في السلطة رغم عدم اعتراف العالم بهم.

المحكمة العليا زادت الطين بله,ما صدر عنها اعتبره البعض غير واضح ويحتاج إلى تفسير,مجلس النواب اعتبره باطلا ولا يمكن للمحكمة أن تتدخل في شرعيته,وعزى ذلك إلى وجود المحكمة تحت سيطرة الميليشيات,أي صدر تحت القوة القاهرة,فسره الانقلابيون على انه انتصار لهم,نحروا الإبل في عديد المدن التي يحكمون سيطرتهم عليها,أقاموا الموائد ابتهاجا بذلك لعدالة قضيتهم,فان الحق المغتصب قد رجع إليهم,دعوات من جانبهم إلى تكملة المشوار بالاستيلاء على ما تبقى من مناطق خارج سيطرتهم,وليضربوا بيد من حديد الخصم,لأنهم ليسوا أصحاب حق.

زعيم التيار الليبرالي "العلمانيون" دعا إلى عدم التسرع في الحكم على ما أصدرته المحكمة العليا, وأهاب بحكماء واعيان القبائل إلى لم الشمل,وهو الذي كان يقول بالأمس بأن النظام السابق أحيا القبلية وجعلها تتدخل في الشأن السياسي,فماذا يعني كلامه اليوم بمخاطبة القبائل؟ التيار العلماني كما التيار الإسلامي المتشدد, كلاهما أضحيا مجرمين من وجهة نظر غالبية الليبيين,كلاهما يسعيان إلى السلطة وان بطرق مختلفة.

القرار رأى فيه دعاة الفدرالية أو لنكون أكثر وضوحا دعاة الانفصال,بأنه يهدف إلى تقسيم ليبيا, كأنما وجدوا فيه فرصة للتملص من أن تبقى ليبيا دولة موحدة,هؤلاء الانفصاليون اشد خطرا على البلاد من الانقلابيين, فهم يسعون في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد إلى تحقيق حلمهم في إقامة دولة مستقلة في شرق ليبيا,ذاك مطلبهم منذ سقوط النظام بحجة التهميش وعدم قيام المشاريع التنموية,وهم يعلمون جيدا أن البلد على كف عفريت منذ أكثر من ثلاث سنوات,ولولا بقايا الجيش الذين لا نشك في وطنيتهم لسيطر التكفيريون أنصار الشر وإخوانهم على مقاليد الأمور في الشرق, لقد سيطر المجرمون على بنغازي بالكامل أما عن درنة فحدث ولا حرج ,فهي إمارة إسلامية تتبع أمير المؤمنين البغدادي لا يدخلها إلا الداعشيون,قرار المحكمة يعني الجميع وليس منطقة معينة من ليبيا وعلى الليبيين جميعا السعي لتحرير البلد من الدواعش والفجار بدلا من السعي لتفكيك البلد, تحية إلى الشرفاء من شرق الوطن الذين آووا ونصروا النواب,ولولاهم لكنا في خبر كان.

الغرب ومن خلفه الفتنة لا يريدون لليبيا الخير,يريدون أن تظل ساحة ملتهبة,يراقبون عن كثب ما يجري,فالدم الذي يسيل يوميا لا يرقى إلى مستوى الدم الذي نزف العام 2011 والذي على أثره قرروا التدخل عسكريا لحماية المدنيين,بُحّتْ أصوات الآلاف التي طالبت المجتمع الدولي بالتدخل,خاصة وان ليبيا لا تزال تحت الفصل السابع,طالب مجلس النواب المنتخب الأمم المتحدة بالتدخل لحماية المدنيين وخاصة في المناطق الغربية ولكن دون جدوى,يدعون إلى الحوار وهم يعلمون جيدا أن من يملكون السلاح لن يقدموا على الحوار لأن الشعب لفظهم ولن يقبل بهم.

هذه هي حال الليبيين,يتساءل الكثيرين,إلى أين نحن ذاهبون؟لا إجابة في الأفق,مستقبل مظلم, أصبحت معالمه تتضح,طلبة الجامعات معطلون,عديد المدارس مأوى للمهجرين,حرية الرأي مصادرة,ليس بالخبز وحده يحي الإنسان.أصبح كل منا ملزم بان يذكر اسم قبيلته أو منطقته,فتلك مطالب من يتولون حكمنا "المتاريس",أما النتيجة,فإنك تحمد الرب إن لم تؤخذ بجريرة غيرك.