ان تعهد السيسى بحماية أمن الخليج ليس أمرًا جديدًا، ويأتي في إطار حرص مصر على حماية أمنها القومي الذي لا يقتصر فقط على الحدود المصرية، بل يمتد إلى الدول المجاورة، والخليج أيضًا، وهذا ما أعلنه الرئيس منذ توليه الحكم. أن هذا الأمر يعبر عن تقدير الموقف العربي في دعم مصر منذ ثورة 25 يناير وحتى اليوم، فالدول العربية ساندت مصر في محنتها بكل الوسائل، سواء من خلال المنح التي أعطتها للجانب المصري، أو من خلال إمدادات الطاقة، أو غيرها من الوسائل الأخرى.

فدول الخليج وجميع الدول العربية تدرك خاصة بعد السنوات الثلاث العجاف الماضية أن انهيار مصر وتراجعها عن قدرها ككبرى الدول العربية والإسلامية مكانة وتأثيرا إقليميا ودوليا يمثل خطرا لا حدود له عليها جميعا بدءا من التربص الإسرائيلي المهدد لكل دول الجوار الفلسطيني ممتدا في انعكاساته السلبية على كل الدول العربية بل والإسلامية إلى التهديد الإيراني الذي تعاظم قوة بعد الغياب المصري واحتلال العراق فنشب مخالبه في لبنان واليمن والبحرين وسوريا جاعلا أراضى تلك الدول ساحة دماء وقتال طائفي ومذهبي مقيت سفكت فيه الدماء بحورا بيد أبناء الوطن الواحد المتقاتلين بلا انتصار إلا لأعداء الوطن والعروبة سواء الإقليميين آو الدوليين. وتدرك دول الخليج أيضا أن أى حليف خارج المنطقة ومهما تعاظمت قواه وسلاحه فهو يسخرها فقط لصالح استنزاف خيرات دول الخليج البترولية والمالية التي تضخ بمئات المليارات في عروق اقتصاده

فينشئ بها الشركات الكبرى والمشاريع الضخمة التي يستقوى بها ويطالب أن تكون على رأس المستفيدين من موازنات هذه الدول خاصة بمجالات الأعمار والسلاح وإلا فإنه يغرق هذه الدول في تقارير خادعة كخطط العراق لابتلاع هذه الدول ويزينون هذا الأمر لصدام حسين فيبتلع الطعم ليتم الانقضاض عليه وذبحه وبلاده وقتل الملايين من شعب العراق وتدمير بناه التحتية وإثارة الفتن بين أهله ثم تقسيم أراضيه. وبعد غياب التهديد العراقي الكاذب يتم التهديد بالخطر الإيراني لمزيد من استنزاف الثروات وعندما يريد هذا الغرب الإستعمارى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أن ينأى بنفسه عن الحروب الجديدة كما يفعل اوباما حاليا يتم التحالف حتى مع الشيطان لتأمين خروجه من العراق والخليج حتى وان أصبحت دولة فريسة التي ضخت مئات المليارات في الاقتصاد الغربي خاصة بمجال شراء السلاح والودائع البنكية سهلة للنمر الإيراني المتربص منذ سنوات وعقود.

 حن في مصر وحتى الآن لم نستوعب بدرجة كافية ما قامت به الكويت والسعودية والإمارات وبقية دول الخليج لإنجاح ثورة 30 يونيو في مصر، فبصراحة لا لبس فيها لقد فرضت اللحظة على هذه الدول الخليجية الثلاث - المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت- خيارا ما بين مصر والغرب فاختاروا مصر ولم يكن الخيار عاطفيا، كما يتصور البعض فمصر هي عمق استراتيجي لهذه الدول الثلاث في مواجهة تهديدات عدة آنية ومحتملة من قبل دول الجوار ومن قبل قوى عالمية. وقد وصفت هذا التحالف الاستراتيجي بين الإمارات والسعودية ومصر بأنه مثلث استراتيجي جديد وكتبت يومها مقالا بعنوان «مثلثا استراتيجي جديد في الشرق الوسط» ( الشرق الأوسط في 19 أغسطس 2013).

واليوم نحن نتحدث عن مربع وليس مثلثا بوجود الكويت في قلب هذا التحالف. أقول لم يستوعب المصريون ما حدث وأنا أعي تماما انه لو كان موقف هذه الدول ضد 30 يونيو لدخلت مصر فيما فيه سوريا الآن، وكان الإخوان حطموا مصر على من فيها وخلفوا فوضى إقليمية لا يحمد عقباها، من هنا علينا كمصريين ان ندرك معنى ما حدث وان نعمق ونوسع الشراكة الإستراتيجية مع المنظومة الخليجية

 وان يكون لنا دور في امن الخليج العربي ضد كل التحديات الإقليمية، أدعو إلى خيال استراتيجي يجمع بين مصر ودول الخليج بطريقة عاقلة راشدة خالية من وهج العواطف إن الدوافع النفطية لعودة المشاريع النووية لطاولة صناع القرار بين دول الخليج أقوى من دوافع السباق النووي. وعليه فإن اتجاه طهران للخيار النووي سلميا كان أو عسكريا يعني أن العواصم الخليجية ستدرس الخيار النووي ليس لردع نفوذ إيران فحسب بل كبديل للنفط، وما ذلك إلا طبقة من مرحلة تراكمية للأزمة المستمرة على ضفتي الخليج العربي. رف الأمن القومي عموماً بأنه القدرة على توفير أكبر قدر من الحماية والاستقرار للعمل الوطني والقومي في كافة المجالات «السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والعلمية والتكنولوجية..»ضد كافة التهديدات الداخلية والخارجية سواء كانت إقليمية أو عالمية.

أما مفهوم الأمن القومي الشامل فقد تطور من اعتماده على الأمن العسكري في المقام الأول ليتسع مفهومه للاعتماد على قوى الدولة الشاملة.

هو تكاتف الأقطار العربية جميعاً لمواجهة الأخطار الخارجية ضدها ومواجهة التكتلات الخارجية خاصة الاقتصادية والأمنية من خلال إستراتيجية ثابتة موحدة ومتكاملة تستطيع بها التصدي للتهديدات العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتكنولوجية والإعلامية التي يتعرض لها الوطن العربي حالياً خاصة منذ مابعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام «2001ملأمن القومي العربي.. لطالما تردد كأفكار وأحلام تراود الخيرين من أبناء هذه الأمة.. على صفحات الجرائد والمجلات.. وفي بطون الكتب والدراسات والبحوث.. وعبر الكلمة المسموعة والمرئية.. وعلى أروقة الجامعات والمراكز المختلفة يتردد بين آن وآخر.. في أيام المسرات.. وأيام الأزمات.. مع ان أيام العرب الحديثة جلها أزمات ونكسات وانكسارات فالحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه! فالأمن القومي العربي يعني أمن الأمة العربية كلها.. كما يعني.. تأمين المجتمع العربي من كل النواحي.. داخلياً.. والقيام بدفع كافة التهديدات الخارجية بصورة جماعية.. بحيث إذا تعرضت أية دولة عربية لغزو أو لأي تهديد خارجي يجب على العرب كل العرب دفع هذا الغزو أو التهديد ختلف التحديات التي تواجه البلاد العربية من مكان لآخر، منها ما هو داخلي وما هو خارجي. فالمغرب العربي "يعانى من التحديات الداخلية أكثر من التحديات الخارجية, حيث أصبح الإرهاب مشكلة إقليمية هناك, وفرض نفسه كخطر آني ومتوسط المدى بالنسبة لجميع دول المنطقة، وإن كان بنسب متفاوتة. ثم مشكلة البطالة التي تتراوح معدلاتها ما بين 12% و 14% في كل من الجزائر والمغرب وتونس، وتزيد عن 30% في موريتانيا، إضافة إلى مشكلة الصحراء المغربية التي تتداخل فيها جميع الأطراف الإقليمية والدولية".

ويعاني السودان من تحديات خارجية تسبق التحديات الداخلية, وإن لم تمنعها, حيث انتهت إحدى فصوله الخارجية بفصل جنوب السودان وظهوره كدولة مستقلة، وما زال باقي فصول التحديات مفتوح وخاصة في دارفور، إضافة إلى التحديات التقليدية من بطالة وانخفاض لمستوى الدخل الاقتصادي، وما يترتب عنه من تردى في مستوى الخدمات.

ويعانى الصومال بأقصى جنوب الوطن العربي وعلى نفس القدر من تحديات خارجية, تتمثل في التحدي الأثيوبي المستمر، ومشكلات الحدود، وتحديات داخلية طاحنة أدت إلى انهيار الدولة منذ يناير 1991 ونشوب الحرب الأهلية، مما أدى إلى تدخل الأمم المتحدة، بواسطة قوات متعددة الجنسيات. وما زالت الصومال تشكل إحدى بؤر الصراع التي يعانى منها الوطن العربي, وإحدى نقاط الضعف في نظام الأمن القومي العربي.

وتعاني مصر من تهديدات داخلية تتمثل في تبعات ثورة 25 يناير, وما نتج عنها من اضطراب في المشهد السياسي المصري، وتحديات خارجية متمثلة في وجود إسرائيل على حدودها الشمالية الشرقية وتهديد أمنها القومي في حوض النيل، وربما في المستقبل القريب في دولة جنوب السودان، وأيضا كل ما يحدث بالسودان يلقى بظلاله على أمن مصر القومي بشكل مباشر.

ونجد بشرق الوطن العربي التحدي الخارجي يسبق غيره من التحديات, "والمتمثل في إيران وما تمثله من تحدي لأمن الخليج العربي ونفوذها المتزايد وخاصة بالمشهد العراقي، إضافة إلى التواجد الأجنبي بالمنطقة, حيث يشكل الوجود العسكري والسياسي للولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي والمقترن بالتحالف الإستراتيجي والوثيق مع إسرائيل, خطرا حقيقيا على بلدان الخليج العربي وشعوبها, حيث اعتبرت الولايات المتحدة منطقة الخليج عام 1973 منطقة مصالح سياسية واقتصادية وإستراتيجية، وارتبط أمن الخليج وبالتالي الأمن القومي العربي بأمن الولايات المتحدة، مما يزج بدول الخليج والدول العربية في استقطابات وتكتلات هي في غنى عنها، ويجرها إلى صراعات إقليمية لا تحتاجها، وتواجه أيضا بالإضافة إلى التحديات الأمنية الناشئة عن الوجود العسكري الأجنبي والتهديدات المحيطة بها, تحديات أخرى تتمثل في الغلبة السكانية للأجانب فيها، والهوية القومية والوطنية، إضافة إلى تنامي ظاهرة الإرهاب".

أما في بلاد الشام, فنجد أيضا التحدي الخارجي والذي يتمثل في الضغوطات الإقليمية متمثلة في تركيا وإيران والولايات المتحدة وإسرائيل، إضافة إلى التحديات الداخلية المتمثلة في هبوب رياح التغيير على بعض بلدان المنطقة أو ما يسمى بالربيع العربي.

دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام

ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية