برحيل الشاعر الشعبي العربي التونسي علي الأسود المرزوقي رحلت عن وطننا الكبير قامة  أدبية وقيمة إخلاقية من العسير تعويضهما ، فقد عرفته رحمه الله رجل مباديء إكتوى بنار العروبة التي لا ترحم ،وبسعير الوطنية التي تبدى قسوتها مع معتنقيها ، وكان فارسا من فرسان القول والموقف ، لم يخن مبادءه ولم يتنكّر  لقناعاته وصداقاته ، كان شاعرا يقدّس مشاعره ويضعها في المقدمة ، لا يخونها ولا يدوسها بحساب المصالح ، كان بدويا نقيا ، آمن بوحدة الأمة ، ودافع عن قضايا الجماهير ، وإنحاز لوجع الأحرار ، ولم يركب موجة الإستهلاك الإعلامي تحت شعار الثورات المضرجة بدماء الأبرياء ، المصنوعة في مخابر الغرب الإستعماري ، المحفوفة بمساندة جون ماكين وبارنار ليفي ، المسنودة بفتاوى القرضاوى وسكاكين الإرهاب وثأرات القبلية والطائفية والجهوية والتحزّب البغيض 

هاجر وهو شاب الى ديار الغرب ، وعاد الى تونس متشبثا أكثر بعروبته ، كتب قصائده في مختلف الأغراض ، ولكن الهم القومي كان دائما في مقدمة شواغله ، كتب عن فلسطين ووقف بشعره مستنكرا لإتفاقية كامب ديفيد ، ووجد في ليبيا صدى لصوته ، فقد كان إعلامها مفتوحا للأصوات العروبية التي كانت تعاني من التضييق عليها في تونس ، تعرّف عن قرب عن العقيد الراحل معمر القذافي ،وإرتبط معه بعلاقة صداقة ، كان القذافي محبا للشعر الشعبي الذي تجود به قرائح شعراء الجنوب ،وكان كثيرا ما يصفه بالبلاغة والعمق ،وعندما مرض على الأسود المرزوقي ، إكتشف الأطباء أنسدادا في بعض شرايينه ، وحذروه من خطر على حياته ، ولما سمع القذافي بالخبر ، أوصى بأن يتم نقل الشاعر الى سويسرا وإجراء عملية جراحية دقيقة له على حسابه الخاص ، وتم إجراء العملية ،وتعافى الشاعر ، ووجد أن للقذافي دينا في رقبته ، فقد أنقذه من موت محقق ،ومنذ ذلك الحين بقي على الأسود المرزوقي وفيا للزعيم الليبي ، وكتب فيه العشرات من القصائد التي كانت تذاع في وسائل الإعلام الليبي 

تتجلى القيمة الإخلاقية للشاعر الراحل في أنه لم يتنكر للقذافي بعد رحيله وإنهيار سلطانه ، وحافظ على ولائه لليبيا التي يعرفها ،وكتب قصائد ينتقد فيها الربيع العربي ، ودافع عن بني وليد وهي تواجه الهجوم الوحشي البربري ، وعن عذابات االلاجئين والمشردين ، ورغم ما تعرّض له من هجومات معاكسة ومن إنتقادات وهجاء من شعراء كانوا يشاركونه الجلوس في خيمة مهرجانات الفاتح للشعر الشعبي ، بقي الشاعر المرزوقي صوتا متفردا يقبض على جمر مباديء يرى البعض أن لا مجال لها في زمن داعش والغبراء ، بقي حاملا لهموم أشقائه العرب في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر وفلسطين ورافعا لراية التحدي رغم تلاحق الإنكسارات 

جعل علي الأسود المرزوقي  من خيمته ملاذا ومنتدى ومرجعية للمكتوين بنار العروبة ، وكان صامدا في صراعه مع المتطرفين والمتشددين والناتويين وثورجيي الزمن الضائع ، وكان جريئا في تسجيل اللحظة من وجهة نظره ، وكان لا يكف عن الإصداع بكلمة الحق ، يقولها في الشارع والسوق والمقهى وبين الناس ،والى أخر أيام حياته حافظ على صلابة الوقفة وقوة الموقف ، وكان يأسف لمصائر الكرام تحت رحمة اللئام ،ومع ذلك كان له أمل في صحوة الأمل ،وعودة الرجال الى ساحة النزال ، وإنتصار الشرفاء ولو طال مدى الخيبات ، وكان يشكو للزمن ، وليس للناس ، ضعف الحال وقلة ذات اليد وتراجع الصحة وعجزه عن تحقيق ما كان يسعى إليه من مساعدة لمن لعبت بهم عواصف الحياة وخانهم الزمن والأشقاء وتحالف ضدهم شركاء الوطن وأعداء المصير 

رحم الله الشاعر علي الأسود المرزوقي فقد عرفته  عن قرب ورغم بعد المسافة كنت أتابع جديده ومستجداته الى أن وافاه الأجل المحتوم ، ربما رحمة من القدر حتى لا يألم إكثر ، فقد كانت وجيعة الأمة أكثر تأثيرا عليه من وجع المرض ،وذلك شأن الشرفاء والأحرار