تبقى ليبيا دولة مختلة إلى حد كبير بسبب السياسة الأمريكية الفاشلة. دعم أوباما / كلينتون في عام 2011 لجماعات تابعة لتنظيم القاعدة من أجل الإطاحة بمعمر القذافي أعطى نتائج عكسية بشكل كبير، مع استفادة داعش الآن من موجة هائلة من الهجرة، التي تزعزع استقرار أوروبا أيضا.

الرئيس ترامب لديه فرصة فريدة للقضاء على هذه الفوضى الرهيبة من خلال دعم تعيين زعيم المصالحة الوطنية الليبية، سيف الإسلام القذافي، كرئيس للدولة، وهو الرجل الوحيد القادر على توحيد القبائل في ليبيا، وتشكيل ديمقراطية سليمة، وإبادة داعش، وحل أزمة المهاجرين.

تظاهر الملايين في ليبيا في 1 يوليو 2011 دعما لحكومة الزعيم الليبي معمر القذافي، وتوسلوا حلف شمال الأطلسي وقف تدمير البلاد. في ذلك الوقت، لم يتم الإبلاغ عن الدعم الهائل للقذافي في وسائل الإعلام الكبرى، ولكن من المعروف جيدا أن للقذافي مؤيديين كثيرين. وكانت ليبيا أغنى دولة في إفريقيا، دولة رفاه اشتراكية، مع مزايا فخمة، ذات تعليم مجاني، ومستويات معيشة جيدة. ومنذ عام 2003، انفتحت ليبيا على الغرب في عملية تحرير قادها إلى حد كبير سيف الإسلام القذافي، الذي كان له دور أساسي في حل مشكلة تداعيات تفجير لوكربي ودفع تعويضات لعائلات الضحايا، ووضع حد للتصعيد العسكري، وإزالة الأسلحة النووية و خصخصة الاقتصاد.

سيف الإسلام هو من حرر الممرضات البلغاريات في بنغازي، وقاد مشاريع واسعة النطاق للإسكان في بنغازي ، وأنشأ جمعية القذافي الخيرية التي ساعدت الدول الفقيرة في أفريقيا، كما عمل بجد لإضفاء الطابع الديمقراطي على ليبيا. دعا إلى صحافة حرة وأمل في إصدار دستور للدولة. سيف الاسلام هو الذي قاد مشروع المصالحة في عام 2006 بين الحكومة والمعارضة، وعملية الإفراج السلس عن السجناء السياسيين، مثل عبد الحكيم بلحاج وخالد الشريف، ومعظمهم انضموا إلى المتمردين ويسيطرون على طرابلس الآن.

وكانت ليبيا، قبل عام 2011، تتعاون بشكل وثيق مع وكالة المخابرات المركزية والمخابرات الغربية من أجل القضاء على المجموعات الإرهابية السنية في المنطقة. وكان القذافي عدو لتنظيم القاعدة، التي حاولت قتله عدة مرات. وبموجب هذا التعاون، أنشأت الولايات المتحدة وليبيا الاستقرار في المنطقة وسيطرا على تدفق الهجرة نحو أوروبا.

ومع ذلك، وبحلول عام 2011، كانت وسائل إعلام أمريكية كبرى ومنظمات غير حكومية حزبية مسؤولة عن تقديم نطاق واسع من المعلومات المضللة تبين فيما بعد أنها خاطئة، والتي كان بمثابة ذريعة للناتو لدعم الثوار المسلحين لإسقاط الحكومة الليبية. كان المنطلق/ الأساس أن القذافي "قصف شعبه" في ما وُصف بأنه "إبادة جماعية". ولكن بالفعل في أوائل شهر مارس، قال وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس إنه لا يمكن تأكيد وجود مثل هذه الهجمات. وقال الجيش الروسي الذي أكد أنه يراقب الوضع عن طريق الأقمار الصناعية أن لا طائرات كانت في الجو في ذلك الوقت. من السهل إشعال أي حرب إذن باستخدام أدوات الدعاية السائدة ،عندما تكون في أيدي عدد قليل جدا. وكما نعلم، تعود ملكية 90٪ من وسائل الإعلام الأمريكية إلى 6 شركات فقط.

بفضل العمل القانوني الدؤوب لمنظمات مثل "Judicial Watch"  (أو المراقبة القضائية)، نعلم الآن أن حلفاء أوباما / كلينتون في سوريا كانوا الإخوان المسلمين، والسلفيين والقاعدة - أعداء  القذافي على المدى الطويل. منظمة "المراقبة القضائية" استرجعت تقريرا للمخابرات الأميركية ، بتاريخ 12 أغسطس 2012 يكشف عن محور التحالف: "السلفيون، الإخوان المسلمون و تنظيم القاعدة في العراق هم القوى الرئيسية وراء التمرد في سوريا. الغرب ودول الخليج وتركيا تدعم هذه المعارضة ".

وزير الخارجية الأميركي جون كيري يطلعنا بتفاصيل أكثر في محادثات مسربة مع جماعات المعارضة السورية، ونشرت لأول مرة من قبل The Last Refuge  (الملجأ الأخير) في 1 يناير 2017. المحادثات السرية جرت في 22 سبتمبر 2016 وفيها يقول كيري إن الولايات المتحدة تسلح المتمردين في سوريا بكثافة وتتابع نمو داعش وأن سبب تدخل روسيا الذي عارضته الولايات المتحدة بشدة، هو أن "داعش كان يهدد بإمكانية الذهاب الى دمشق". وذكر كيري أيضا أن الهدف الأمريكي هو إطاحة حكومة الأسد في دمشق - وهو نفس هدف داعش- وأن إدارة أوباما كانت تتمنى أن يعزز داعش موقفه في سوريا. الأسد كان "مهددا" من قبل داعش، يقول كيري في التسجيل، وأن الإدارة كانت تعتقد أن ذلك "ربما يمَكِّن من إدارة الوضع" ويجبر الأسد على التفاوض. ولكن بدلا من ذلك، تدخلت روسيا لدعم الأسد ضد التنظيم المتطرف.

وبفضل ويكيليكس، نعلم أيضا أن الإذن بالحرب على ليبيا كان إنجاز هيلاري كلينتون، مما يعني تحويل البلاد إلى ملاذ لداعش. ضحكتها سيئة الذكر عندما سمعت بمقتل القذافي بطريقة وحشية تجعل المرء يدرك أي نوع من عصابات قطاع الطرق القساة الذين كانوا يحكمون للولايات المتحدة كقادة سياسيين، أناس بلا احترام لأي شكل من أشكال السيادة الوطنية والقانون الدولي.
نشاط "المنظمة الأمريكية" بات الآن مكشوفا لدرجة أن الرئيس دونالد ترامب قال صراحة إن أوباما هو مؤسس داعش، التنظيم الذي شاركت في تأسيسه هيلاري كلينتون التي، بالمناسبة يجب أن يكون رسوبها في الانتخابات فرحة كبيرة لكثير من المسلمين، الذين ظل دينهم لسنوات مرميا في التراب منذ أن قالت "الإسلام همجية، يكفي أن تشاهدوا داعش". لكن كما اتضح، داعش هو همجية جيوسياسية أمريكية في أبشع حالاتها.

في تقريرها عن الهيكل التنظيمي لداعش والذي عُثر عليه في بيت "استراتيجي داعش" حاج بكر الذي قتل في عام 2015 ، أظهرت مجلة دير شبيغل، أن داعش لم يكن منشغلا بالإسلام، بل أكثر بالاستخبارات والمراقبة، والعمليات العسكرية، و كيفية اختراق وكسر المجتمع المدني السوري. ويظهر الهيكل/ الرسم البياني تشابها واضحا مع المخططات التنظيمية لوكالة المخابرات المركزية بشأن العمليات السرية، وليس من السهل أن يرسمه ويتصوره بعض فلول السنة والبعثية الوعرة في شمال العراق.

زعيم داعش الحالي في ليبيا عبد الحكيم بلحاج، الذي كان حليفا رائدا لحلف شمال الأطلسي في عام 2011 وأصبح الحاكم العسكري لطرابلس بعد الحرب، عرض منذ فترة طويلة علاقاته الممتازة على الجمهوريين مثل جون ماكين. ويجب أن يكون السيناتور غبيا للغاية، للإشادة على موقعه الإلكتروني الخاص "بلحاج وطنى ليبي يجب أن ندعمه." كما اعترف أنه هو وليندسي غراهام الذي أقنع السعوديين بتمويل المعارضة في سوريا ،  مفتخرا بأن الولايات المتحدة هي التي أقنعت السعوديين بالدخول في فوضى سوريا كلها.

وعلاوة على ذلك، الفضيحة المروعة بشأن كيف أمكن للحكومة المدعومة من كلينتون وأوباما في ليبيا اعتقال الآلاف منذ سنوات، وإبقاءهم دون محاكمة في السجون الليبية، وهي تمثل حاليا، ربما، أسوأ مثال في العالم على عدم احترام اتفاقية جنيف و معايير القانون الدولي للمعاملة الإنسانية في الحرب. ولطالما شكت هيومن رايتس ووتش منذ فترة طويلة من هذا الموضوع. مصادر على الأرض ذكرت أن ما يصل إلى 35 ألف من الموالين للقذافي قد سجنوا وباستمرار دون محاكمة منذ عام 2011. وهذا ما حدث في طرابلس ومصراتة، وأماكن أخرى من ليبيا تحت القيادة المدعومة من الغرب وعلى مرأى أوباما / كلينتون.

الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية وزعيم داعش بلحاج - الصديق العظيم لعضو مجلس الشيوخ جون ماكين - يسيطر، وفقا لمصادر ليبية،  حاليا على هذه السجون، بما فيها سجن الهضبة في وسط طرابلس، حيث أودع القادة الليبيون والساعدي القذافي منذ عام 2014. الساعدي حاليا مريض جدا ويحتاج إلى عناية طبية مناسبة عاجلة أو أنه ربما سيموت. في أعقاب الإفراج في عام 2015 عن تقرير التعذيب الموثق للساعدي القذافي في ظل الحكومة المدعومة من الغرب، لم يتحرك أحد. وكان شريط فيديو مروعا ويثير تساؤلات جدية حول معاملة السجناء.

يقال الآن من طرابلس إن هناك ما بين 7000 و 35000 سيدة معتقلة، وكثير منهن في عمر 80 عاما. لقد أقمن في هذه السجون لمدة ست سنوات. جماعات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، نشطة الآن في ليبيا من أجل محاولة حل هذا الوضع، وهي تدرك بالطبع تماما أنه من العار المطلق للقوى الغربية، التي ساعدت في إثارة المأساة الليبية. مصادر على الأرض تقول إن دعم داعش يترنح الآن في ليبيا بعدما بات للتنظيم حاضنة محلية ضعيفة. سيف الإسلام وحّد الآن القبائل ووضع حلفاءه بشكل استراتيجي في جميع أنحاء البلاد.

ثمة نقطة أخيرة. كانت ليبيا غنية للغاية قبل عام 2011، وعلى وشك تنفيذ الدينار الذهبي وتعمل على تفعيل الوحدة الأفريقية الواسعة تحت قبة هذه العملة. في ذلك الوقت، كان لهيئة الاستثمار الليبية ، المشكلة في عام 2006، أكثر من 150 مليار $ من الأصول المستثمرة عبر جميع أنحاء العالم. الحسابات المالية لعام 2010 تعطي لمحة كاملة عن حسابات مفصلة ومحتويات لفروعها : LAFICO، LAP، OIL للاستثمار، LTP وLLIDF. وفي قبو البنك المركزي الليبي وحده كان هناك 144 طن من الذهب.

ما تحدث عنه التيار الرئيسي لوسائل الإعلام الأمريكية في عام 2011 كـ"ثروة شخصية" للقذافي حُول في جزء كبير منه إلى صناديق الاستثمار الليبية ومحتويات للبنك المركزي الليبي ومؤسسات عامة لم يكن القذافي يستطيع الوصول المباشر إليها . هذا الموضوع أثير مرة أخرى في 12 ديسمبر 2016، على القناة الليبية الرسمية من قبل نائب رئيس مجلس الرئاسة في ليبيا، أحمد معيتيق. كان يتحدث عن  67 مليار دولار أو أكثر من الاستثمارات بالدولار الأمريكي الموجودة حاليا خارج ليبيا.. وبعد رفع الحظر على البنك المركزي الليبي ، تثور مرة أخرى ، وبطبيعة الحال، الضرورة الماسة للسيطرة على "من يسحب ماذا" ، من أجل للتأكد من أن الأموال الليبية لا تختفي باستمرار وتنتهي إلى حسابات شخصية مختلفة، كما كانت المشكلة الواسعة منذ عام 2011.

لذلك، وبما أن الرئيس السابق أوباما تمكن من "ذرف الدموع" ، ووصف حرب ليبيا بأسوأ خطأ من رئاسته، لا نزال في انتظار أن نرى فعلا، وأن تفرج الولايات المتحدة وشركاؤها لحكام ليبيا عن مليارات الأصول. إذا كنت تأسف عن السرقة والقصف، وتدمير حياة الناس، يجب عليك أيضا إعادة الأموال ودفع تعويضات.

الأصول الوطنية الليبية لم تنتم أبدا إلى إدارة أوباما / كلينتون أو لأصدقائهما في "المنظمة الدولية" التابعة لهما. ومع ذلك، وفقا لمصادر على أرض الواقع، فإن الولايات المتحدة لا تزال تسيطر على جزء من المؤسسة الليبية للاستثمار، البنك المركزي الليبي، وعائدات النفط من خلال العلاقات المتبادلة مع حكومة طرابلس المدعومة من الغرب، حيث يمثل محافظ البنك المركزي الحالي، صادق الكبير، صلة الوصل مع صندوق النقد الدولي ومؤسسات غربية أخرى. وتتوفر الهيئة الليبية للاستثمار حاليا على استثمارات بقيمة 67 مليار دولار، ولكن كانت أصولها المجمدة في عام 2011 حوالي 150 مليار دولار. ويتساءل كثيرون عما حدث ويتمنون إثبات "من أخذ ماذا؟" في المستقبل.

أمام الرئيس ترامب لحظة ذهبية في التاريخ لتبديد بعض من السمعة الرهيبة التي باتت للولايات المتحدة الآن في جميع أنحاء العالم، كبلد يلوح بالحرب وينهج سياسة خارجية لا ترحم تسببت في أضرار لا توصف لملايين المدنيين الأبرياء، الذين روعتهم الخسارة والمرارة. ومن الواضح أن إدارة ترامب تهدف للعمل مع قوات معتدلة في الشرق الأوسط. عندما كان القذافي في الولايات المتحدة، نصب خيمته على أرض هي من ممتلكات ترامب. مرارا وتكرارا ، اعترف ترامب بأن "التخلص من" القذافي كان خطأ كبيرا، مشيرا إلى أن ليبيا كانت ستكون دولة أفضل بـ 100٪ لو لم يُقتَل القذافي. وتقول مصادر ، إن أكثر من مليون شخص من أنصار القذافي يعيشون في مصر، في انتظار العودة إلى ليبيا، وحوالي  300 ألف منهم يقيمون في تونس.

السلام في ليبيا سيمنح بكل تأكيد رئيس الولايات المتحدة اسما كبيرا كوسيط سلام في التاريخ. حل الأزمة الليبية يكمن في دعم الحركة الخضراء والجبهة الشعبية لتحرير ليبيا، الموحدة حاليا على الصعيد الوطني وراء سيف الإسلام خريج كلية لندن للإقتصاد. الدفع هو من أجل المساواة والرخاء والاستقرار، بعيدا عن الانقسام والإقصاء والتهميش، وإعادة توحيد الشعب الليبي تحت قائد واحد ديمقراطي، مدعوم من القبائل. متابعة التنمية ستكون الأكثر إثارة للاهتمام في الأشهر القادمة.

 

* بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والمقالات والتقارير المترجمة