بعد عدة أشهر من حصار قوات حكومة الوفاق الليبية لتنظيم داعش في مدينة سرت والضربات الجوية لحلفائهم الدوليين، نجحت هذه القوات في دحر التنظيم والقضاء عليه في المدينة الساحلية التي سير عليها منذ يونيو 2015.وعقب اعلان التحرير الكامل للمدينة تصاعدت التحذيرات المؤكدة لعدم نهاية الخطر الارهابي في البلاد.

وأعلنت حكومة الوفاق الليبية رسميا مساء السبت ،17 ديسمبر 2016، تحرير مدينة سرت، معقل جماعة "داعش" الارهابية في ليبيا.وقال رئيس حكومة الوفاق فايز السراج في خطاب بثه التلفزيون إنه "بعد مرور ثمانية أشهر من بداية العمليات ضد تنظيم الدولة في مدينة سرت، أعلن رسميا عن انتهاء العمليات العسكرية وتحرير مدينة سرت".

ورغم أن عملية تحرير سرت ناجحة، إلا أن ذلك لا يعني التخلص من داعش، لأن الإرهابيين يمكنهم الحفاظ على عدد من خلاياهم في أنحاء البلاد، وحال خسرت داعش في سرت، بالتأكيد ستعود للقتال في يوم آخر، لتبحث عن تحالفات مع جماعات إرهابية أخرى.وهو ما أشاراليه رئيس حكومة الوفاق الليبية بالقول أن "معركة سرت انتهت، ولكن الحرب على الإرهاب في ليبيا لم تنته، لذا علينا توحيد القوى العسكرية في جيش وطني واحد".

من جهته،هنأ الاتحاد الأوروبي في بيان له ليبيا بتحرير مدينة سرت من تنظيم داعش، وقال إنها خطوة هامة إلى الأمام، مبديا استعداده لتقديم الدعم لسكان المدينة.لكنه أكد أن مكافحة الجماعات الإرهابية في ليبيا لم تنته بعد، مضيفا أن جميع الليبيين بحاجة إلى الوقوف صفا واحدا في هذه المعركة.

وفي السياق ذاته أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية بيتر كوك أن بلاده ستواصل متابعة ما تبقى من فلول تنظيم "داعش" في ليبيا، وهي على أهبة الاستعداد لتقديم الدعم للمجلس الرئاسي متى دعت الضرورة. ووصف موك في تصريح، الاثنين 19 ديسمبر/كانون الأول، معركة سرت الطويلة التي انتهت مؤخرا بتحرير المدينة بأنها " كانت شرسة"، مضيفا "نهنئ حكومة الوفاق والقوات الليبية لشجاعتهم وإصرارهم".وأضاف المتحدث باسم البنتاغون أن الإدارة الأمريكية "فخورة بدعم العمليات العسكرية في سرت والتي قضت على المدينة الوحيدة التي سيطر عليها التنظيم خارج العراق وسورية"، مشيرا إلى أن "قيادة القوات الأميركية في أفريقيا نفذت ضرباتها الجوية بمهارة عالية، للتقليل من احتمال وقوع ضحايا بين صفوف المدنيين".

يذكر أن الولايات المتحدة بدأت في، 1 أغسطس/آب، في تقديم دعم جوي لقوات البنيان المرصوص التي بدأت منذ منتصف مايو الماضي عمليات عسكرية لتحرير مدينة سرت.حيث شنت الطائرات الأمريكية نحو 500 غارة جوية على مواقع مسلحي "داعش" وآلياتهم وتجمعاتهم، ما مكن قوات البنيان المرصوص من دحر مسلحي التنظيم والإعلان مؤخرا عن تحريرها بالكامل.

هذه التخوفات عبر عنها في وقت سابق وزير الدفاع الفرنسي، جان ايف لودريان،الذي قال في دكار خلال مشاركته في منتدى حول السلام والأمن في إفريقيا"إن هزيمة داعش في سرت خطوة مهمة جداً، إلا أنها ليست سوى مرحلة، والأمر لم ينتهِ بعد، لأن هناك مجموعات توزعت على أراض شاسعة، كما أن هناك من ينتمي إلى تنظيم القاعدة".وأضاف لودريان "أن فرنسا أبلغت باستعدادها لتقديم المساعدة للسراج وحكومته وحتى في إطار تشكيل الحرس الوطني".

ويحذر خبراء من أن خسارة "داعش" لسرت قد يدفع بالتنظيم لتنفيذ المزيد من الهجمات الشرسة في مناطق أخرى متفرقة من ليبيا التي تمثل بعداً استراتيجياً مهماً للتنظيم كونها تقع في منطقة حيوية في شمال قارة إفريقيا.كما يمكن أن تمهد هذه الخسارة الطريق لمرحلة جديدة من الصراع ستجبر التنظيم على أجراء تغيير كبير في تكتيكاته خاصة مع قدرته على الذوبان في المجتمع والعودة  للظهور من جديد لاحقاً.

وفي هذا الاطار،توقعت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية ،في سياق تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني الخميس 8 ديسمبر 2016، أن تجتاح الفوضى العارمة ليبيا رغم الخسائر الفادحة التي يتكبدها تنظيم داعش الإرهابي، وفقدانه معقله الرئيسي فى مدينة سرت الساحلية.وأفادت واشنطن بوست بأن ليبيا يطاردها الآن شبح الخلايا السرية التي تشن هجمات إرهابية، مثل تلك التي تضرب العراق وسوريا وأفغانستان مؤخرا عقب الانتكاسات التي لحقت بالتنظيم في هذه الدول.

ورجحت واشنطن بوست أن طرابلس يمكن أن تصبح الهدف التالي للمتشددين، فالعنف الدائر في العاصمة من شأنه أن يتسبب في مزيد من تقويض سلطة الحكومة وعدم تشجيع الأجانب على العودة، كما أن التوترات تتزايد بين الميليشيات في طرابلس، واندلاع أي قتال يمكن أن يساعد خلايا داعش في مؤامراتهم. واختتمت الصحيفة الأمريكية تقريرها بالقول إنه كلما تفاقمت حالة عدم الاستقرار في ليبيا، كلما زادت احتمالية إعادة تنظيم صفوف داعش، بل وتشكيل جماعات متطرفة أخرى في البلاد.

وكانت جماعة "داعش" الارهابية استولت على سرت في حزيران/يونيو 2015 مستفيدة من الفوضى التي تعم ليبيا.وأعلنت، مؤخرا، مصادر طبية في مدينة مصراتة التي ينحدر منها معظم المقاتلين، أن 720 قتيلا سقط من قوات البنيان المرصوص خلال عملياتها العسكرية في سرت، فيما بلغ إجمالي عدد الجرحى 3296 شخصا.كما تعرضت المدينة جراء العمليات العسكرية إلى دمار هائل، ولا تزال السلطات تطالب سكانها بعدم العودة إلى منازلهم قبل تطهير المدينة من الألغام وبقايا الذخائر.