قرار حكومة ليبيريا مؤخرا بوقف حرق جثامين ضحايا فيروس "إيبولا"، أثلج صدور كثير من المواطنين الذين كانوا يعتبرون حرق جثث ذويهم ممارسة غريبة على ثقافتهم وتقاليدهم، لا سيما سكان حي "بويز تاون"، في مقاطعة "مارغيبي"، موقع المحرقة الوحيدة في البلاد.

"بصراحة.. القرار الذي اتخذته الحكومة بحرق البشر جعل الناس خائفين، وأنا أحدهم".. هكذا استهل حديثه لوكالة الأناضول إيمانويل فلاح، (32 عامًا)، لوكالة الأناضول، وهو من سكان العاصمة مونروفيا.

وقال: "لا قدر الله، إذا أصيب أحد أقاربي بفيروس إيبولا، وقدر له أن يموت، كنت سأفضل أن نرتدي سترات واقية من المطر، وأكياس بلاستيكية لدفن الجثة بأنفسنا بدلا من رؤية أحد أفراد أسرتي يتم حرقه".

طيلة أشهر كان سكان القرى يتعاملون بعدائية مع فرق الدفن الحكومية ما يحول دون قيامها بعمليات الدفن منظمة لضحايا فيروس "إيبولا".

وكانت الجثث تنتشر في شوارع العديد من القرى، حيث هجر الأسر والأقارب منازلهم التي شهدت موت ذويهم بالفيروس، ما أدى لزيادة العبء على فريقي الدفن الوحيدين (بالعاصمة) في وقت لاحق في ظل زيادة عدد حالات الوفاة والجثث في مونروفيا وضواحيها.

وفي شهر أغسطس/ آب من عام 2014، أعلنت الحكومة أنه بعد استشارة خبراء الصحة، وفي إطار الجهود المبذولة لاحتواء انتشار فيروس "إيبولا"، سيبدأ حرق بدلا من دفن جثث ضحايا الفيروس، وحولت السلطات محرقة مملوكة لجماعة هندية محلية في "بويز تاون" إلى موقع لحرق ضحايا "إيبولا".

وأصبح حرق جثامين ضحايا "إيبولا"، أول إجراء حكومي من نوعه في تاريخ ليبيريا، لتصبح الدولة الوحيدة في غرب أفريقيا التي تطبق هذه الممارسة التي انتقدها بشدة الزعماء التقليديون ومعظم المواطنين.

وفي حديث لوكالة الأناضول، قال "روني أبراهام"، وهو من سكان مونروفيا: "فقدت بعض أصدقائي بسبب إيبولا، والشيء المحزن هو أنه عندما يتم القضاء على الفيروس في بلادنا، لن أتمكن من زيارة قبورهم".

وأضاف: "الوضع في ظل انتشار إيبولا، أسوأ من الحرب التي مررنا بها"، في إشارة إلى الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد بين عامي 1999 و2003.

وتابع معربا عن أسفه: "أثناء الحرب لم يتم حرق البشر على غرار الطريقة التي يحرقون بها الآن في وقت انتشار إيبولا".

ومؤخرا، أعلنت الحكومة وقف حرق الجثث بعد تخصيص قطعة أرض مساحتها 50 فدان، لاستخدامها كموقع دفن وطني لضحايا الفيروس في مقاطعة مونتسيرادو، شمال غربي البلاد.

من جانبه، أعرب جوزيف توماس، وهو أحد الزعماء المحليين، عن اعتقاده بأنه في الوقت الذي أوقفت فيه الحكومة حرق الجثث، ينبغي أن تتزايد الثقة لدى الكثير من الأشخاص للاتصال برقم طوارئ إيبولا، والإبلاغ عن حالات مشتبه في إصابتها داخل منازلهم ومجتمعاتهم.

وبنفس القدر أيدته "روز غويه"، وهي من سكان العاصمة، وقالت في حديث لوكالة الأناضول: "غينيا وسيراليون لم تحرق مواطنيها أبدًا، لكن حكومتنا وافقت على حرق بني وطننا مثل الحيوانات".

واعتبرت أن "إحراق الجثث هو الذي يجعل من الصعب القضاء على الفيروس"، موضحة أن الكثير من الناس لا يريدون حرق إخوانهم وآبائهم وأمهاتهم، ولذلك كانوا يبقون على مرضى إيبولا في المنازل، وبهذه الطريقة كان ينتشر بين الأسر والمجتمعات المحلية".

من جهته، أعرب "دينيس غاي"، وهو من سكان مونروفيا، عن استيائه لأن الحكومة استغرقت كل هذه الأشهر لإنشاء موقع دفن وطني لضحايا "إيبولا".

وقال في حديث لوكالة الأناضول: "كنت أتوقع من الحكومة اتخاذ هذه الخطوة من البداية".

وأضاف غاضبا: "حتى قبل أن يتدهور الوضع ويزداد تفشي إيبولا، هناك أشخاص لم يموتوا بسبب الفيروس، ولكن (ماتوا)، لأن الحكومة قالت إننا لا ينبغي أن نلمسهم، وأحرقت كل هؤلاء أيضا في المحرقة".

وتابع: "بالنسبة لي أنا سعيد بأنه لن يكون هناك المزيد من حرق الجثث، ولكننا لسنا سعداء بأن الذين لقوا حتفهم بسبب فيروس إيبولا، لن تعرف أسرهم قبورا لهم تتذكرهم بها".

وأوضح "غاي" أن "دفن جثث "إيبولا" كان إجراء ضروريا، ولكن كان ينبغي القيام به منذ فترة طويلة، وتأخر بشدة".

وخلافا لمعظم الليبريين، يعتقد "جون أغراي" أن الحكومة ينبغي أن تواصل حرق جثث ضحايا فيروس "إيبولا".

وقال "أغراي" لوكالة الأناضول: "أخبرتنا الحكومة أن منظمة الصحة العالمية ومركز السيطرة على الأمراض نصحاها بحرق جثث ضحايا إيبولا، فلماذا تقول الآن إنه علينا أن نبدأ الدفن"، معربا عن أمله في أن لا يؤدي ذلك إلى موجة تفشي لفيروس "إيبولا" في المستقبل.

غير أن قرار وقف الحرق أسعد كثيرا سكان "بويز تاون"، الذين أطلقوا حملات استمرت عدة أشهر للمطالبة بإزالة المحرقة، التي تقع وسط مجتمعهم، ويحيط بها أكثر من 500 منزل على طول طريق مارشال السريع خارج مونروفيا.

واشتكى السكان المحليون، الذين يقدر عددهم بأكثر من 25 ألف نسمة، من تلوث الهواء وأصوات الانفجارات العالية والصدمة من مشاهدة حرق الجثث، فضلا عن تضرر الأشجار القليلة الباقية من النار والدخان الناجم عن حرق الجثث.

من جانبه أعرب ألبرت ريفز، وهو أحد الزعماء المحليين عن سعادته قائلا: "أنا سعيد للغاية أن الرب قد استجاب لصلاتنا، والشيء الذي نادينا به حدث أخيرا" .

وقال في حديث لوكالة الأناضول: "بدأنا منذ أسبوع ونصف فقط، نخلد إلى فراشنا في سلام، ولم نعد نر شاحنات محملة بالجثث التي تنقل إلى مجتمعنا لحرقها".

وأضاف: "ما شهدناه في الأشهر الماضية أصابنا والمجتمع بأسره بصدمة اجتماعيا ونفسيا، ونحن في حالة صدمة بسبب الكثير من الجثث التي احترقت في مجتمعنا".

وناشد "ريفز" وأبناء مجتمعه الحكومة لكي تمنحهم تعويضات تساعدهم على التعامل مع المشاكل الصحية والاجتماعية المستقبلية.

واختتم بالقول: "بعض الشباب والرجال من أبناء مجتمعنا الذين تم التعاقد معهم للعمل في المحرقة يجري وصمهم بالعار، لأنهم كانوا يحرقون جثث ضحايا إيبولا، وهؤلاء الأشخاص بحاجة لمخصصات لإعادة توطينهم".

وأعلنت منظمة الصحة العالمية، في أحدث بياناتها، أن عدد الوفيات جراء الإصابة بفيروس إيبولا، 8235 شخصا، بينهم 2943 في سيراليون من أصل 20 ألف و747 إصابة.

وأشار بيان المنظمة، إلى أن 274 شخصاً، فقدوا حياتهم في دول غرب أفريقيا (ليبيريا، وغينيا، وسيراليون) المنكوبة، الأسبوع الماضي، جراء إصابتهم بفيروس إيبولا، فيما توفي في مالي 6 أشخاص، ونيجيريا 8 أشخاص، وشخص واحد في الولايات المتحدة، نتيجة إصابتهم بالفيروس.

وتسبب إيبولا في وفاة 3496 شخصا في ليبيريا التي سجلت انخفاضا على مستوى انتقال العدوى، بينما سجلت غينيا 1781 وفاة من أصل 2775 حالة إصابة، فيما أودى الوباء في سيراليون بحياة 2943 شخصا من أصل 9780 إصابة.

وحذرت المنظمة الأممية، في ذات البيان، من أن الفيروس يقتل نحو 60 % من المرضى في المستشفيات و71% من المرضى الذين لا يتمتعون بأي علاج.