اعتبر أن تكليف الحبيب الصيد فيه تغليب للملف الأمني مضيفا أن قرار تعيينه صائب شرط أن لا يگون على منوال تعيينات "المخزن". و لاحظ أن هذا التكليف أثار غبطة حركة النهضة مقابل احتراز جميع الأحزاب الأخرى بما فيها نداء تونس مستدركا أن هذا الحزب الأغلبي يفتقد الشرعية الديمقراطية حسب تعبيره.

و ندد بعدم تشريك الجبهة الشعبية في المشاورت حول تشكيل الحكومة موضحا أنه لابد من قراءة ألف حساب لليسار مشيرا في ذات الصدد إلى أن إقصاء النه‍ضة غير ممكن و أن امكانية تواجدها في الحكم وارد. و بين في سياق متصل أن هذه الأخيرة تخلصت من الإرتباط بالإرهاب و مازالت مطالبة بأن تمضي قدما في طريق التونسة.

هذا نز قليل مما جاء على لسان وزير الداخلية في عهد الرئيس التونسيالراحل ،الحبيب بورقيبة الطاهر بلخوجة في لقاء مطول مع "بوابة إفريقيا الإخبارية" تطرق فيه محاورنا إلى كل زوايا المشهد التونسي السياسي و الأمني و الاقتصادي و الاجتماعي في ظل وضع محلي و إقليمي بالغ الدقة و الاشتعال.

الطاه‍ر بلخوجة شدد كذلك على أن الإرهاب أصبح واقعا في تونس و المنطقة مبينا أن تنظيم داعش يخطط لقيام إمارة إسلامية تمتد من درنة الليبية إلى جرجيس التونسية. و تابع بأن بقاء تونس على الحياد إزاء الصراع الدائر في ليبيا موقف غير صائب و أن تحديات المرحلة تحتم مساندة الجنرال خليفة حفتر و التنسيق مع كل دول الجوار للتصدي لغول الإرهاب.

وفي ما يلي نص الحوار.

بداية، أين يتموقع الطاهر بلخوجة في الخارطة السياسية الراهنة؟

لا جديد يذكر بالنسبة إلى تموقعي في المشهد السياسي الذي كنت قد أعلنت عنه منذ "الثورة". أعتقد أنني ساهمت سياسيا في بناء أسطورة القرن العشرين المتمثلة في الزعيم الحبيب بورقيبة. و لذلك أعتبر أنه من أوكد واجباتي و نظرا لتمرسي السياسي الذي اكتسبته طيلة ثلاثين سنة في ظل نظام بورقيبة أن أعبر عما يراودني بخصوص مستقبل البلاد. كذلك اعتزمت ومنذ إندلاع "الثورة" و حتى قبلها عدم الإستجابة إلى دعوات تتعلق بالمراسم الرسمية أو الإجتماعات الحزبية. و أضيفك أنني رفضت تقلد رئاسيات شرفية لعدة أحزاب، رغم قبولي التشاور و التحادث مع عديد السياسين حول أحوال البلاد بصفة معمقة حتى أنير و أستنير في المشاورات حول مقتضيات المرحلة التي تشهدها تونس. و أنا إلى غاية اللحظة، كما ترين، أساهم في هذا التمشي بتدخلات إعلامية.

هل تمت دعوتكم إلى التشاور حول تشكيل الحكومة الجديدة على غرار بعض الشخصيات البورقيبية مثل مصطفى الفيلالي و أحمد بن صالح و غيرهما؟

أولا، أنا كنت متواجدا خارج الوطن وعدت لتوي إلى تونس. و كما أكدت لك منذ حين، أنه ليس لي أية علاقات رسمية مع الأطراف السياسية لأني أصر أن تكون دائرة علاقاتي خاصة و عفوية مع كل الأطراف. وكان آخرها لقاء جمعني برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي منذ فترة، وأنت تدركين أن "المجالس أمانات" كما يقال. و لكن يمكنني القول أن لقائي بالغنوشي كان شيقا و مفيدا بالنسبة لنا، حيث عدلنا معا بعض الأوضاع.

و ما موقفكم من تولي السبسي منصب رئيس الجمهورية؟

الباجي قائد السبسي هو الآن رئيس الجمهورية التونسية. و هو بذلك و حسب ما صرح به سيكون رئيسا لكل التونسيين على منوال رؤساء الدول المتحضرة. يجب أن نساند رئيس الدولة الجديد لما فيه خير للبلاد و للإنتصار على كل التحديات التي تواجهها تونس. السبسي ينطلق اليوم و كما حددته صناديق الإقتراع بأغلبية انتخابية لتعود تونس على ما كانت عليه من هيبة و وقار و ليسترجع التونسيون ثقتهم في الدولة و في مسؤوليها.

لكن عدة أطراف عايشت الفترة البورقيبية تكاد تجزم بأن علاقتكم بقائد السبسي كانت متوترة نوعا ما، فهل من توضيح؟

أنا أجزم أن علاقتي الشخصية بالباجي قائد السبسي كانت طيبة و تبدأ دائما بالمداعبة السياسية و تنتهي بالخوض في أعماق المسائل. وتبين ذلك عندما التقينا عديد المرات و في مناسبات عدة.

يعني لا وجود لأي إشكال يذكر ماضيا و حاضرا بالنسبة إلى موقفكم رئيس الجمهورية الحالي؟

ما يقلقني أحيانا في شخصية السبسي هو عدم الوضوح في التمشي السياسي الذي كان ينتهجه في الماضي. و كذلك التمشي الذي ينتهجه في الوقت الراهن و المتمثل في إصراره على إرضاء جميع الأطراف و لو كان ذلك بشكل سطحي. كذلك، و خلال السنوات الأخيرة لوحظ وجود نوع من الإرتباك لدى التونسيين بعد حدوث لقاءات خاصة و عالية المستوى بين السبسي و الغنوشي، حيث ارتكزت هذه اللقاءات على أساس اختيار التحالفات أو اختيار التعايش أو التشارك أو التشاور، وربما يبدو هذا الأمر عاديا و طبيعيا بالنسبة إلى كل الأطراف السياسية. و لكن بالنسبة إلي كانت هذه اللقاءات هي الأمر الوحيد الذي كنت حذرا منه نوعا ما.

أما اليوم، فنحن لدينا رؤساء جمهورية و برلمان و حكومة جدد. و بالتالي، فإنه من الممكن أن يطغى الإنسجام و الوفاق بين هذه المراكز النافذة سياسيا مع ضمان توفر الإلتزام بالإستقلالية دون الخلط بين المسؤوليات. و بما أن الشعب التونسي مازال مرتبطا ذهنيا و نفسيا بالنظام الرئاسي إلى حد الآن، فلتكن إذن فرصة ليعرف الجميع بأننا قد اخترنا النظام البرلماني المعدل، أو كما يريده البعض الرئاسي المعدل. و كذلك كفانا تجاذبا بين السلط الثلاث مثلما حدث خلال السنوات الأخيرة، لأن الشعب التونسي لا يمكن أن يتحمل أكثر مما تحمل. الشعب يريد حكما مستقرا و واضح المعالم و يطالب بتحقيق تطلعاته و مطالبه في عدة مجالات.

هل ترون أن السبسي هو رجل المرحلة بامتياز كما يعتبر البعض، و ما ردكم على التشكيكات التي تطلقها بعض الجهات حول مدى جاهزيته الصحية لقيادة الدولة في مرحلة دقيقة تمر بها البلاد؟

الأعمار بيد الله، هذا أولا. و ثانيا، ومن منطلق أخلاقي، نحن ندعو له بطول العمر. و في اعتقادي أن السبسي له من الإمكانيات اليوم و غدا بما يسمح له بالحكم الرشيد في السنوات المقبلة. لكن بودي الإشارة إلى أن قائد السبسي و رغم استقالته من حزبه نداء تونس يبقى مطالبا بالسهر على أن يستقر الأمر داخل النداء و أن يقوم بتركيز هياكله في كامل جهات البلاد و خصوصا في أعماقها كما كان الشأن بالنسبة للحزب الدستوري منذ نشأته عام 1934 في عهد الزعيم بورقيبة. أيضا على نداء تونس عقد مؤتمره في أقرب الآجال حتى تتبلور شرعية المسؤولين عليه و يضبط مسيرته خلال المرحلة القادمة.
و هذا الأمر ينطبق على جميع الأحزاب حتى لا نقع من جديد في فراغ سياسي بعد رحيل المسؤولين الأول بعد خمس سنوات أخرى. ونذكر أن تونس عاشت هذا الفراغ في مرتين: الأولى في آواخر عهد بورقيبة و هو ما التقطه عسكري سنة 1987 و الثانية، إبان الثورة حين سقط العسكري و في غفلة سياسية انتصب الإخوان في الحكم.

و كيف تقرؤون قرار تكليف الحبيب الصيد برئاسة الحكومة، وهل تعرفون الرجل و تعتبرونه الرجل المناسب في المكان المناسب في نظركم؟

لم تتوفر لي فرصة لقائه شخصيا. و لكن أعرف مسيرته، فهو تقلد عديد المناصب، حيث كان مديرا لديوان عبدالله القلال في النظام السابق، و كذلك عين بديوان وزير الداخلية في عهد العريض و مستشارا أمنيا لدى الجبالي و كذلك وزيرا للداخلية في حكومة السبسي، وهو ما يؤهله لتولي مناصب قيادية في الدولة. و لكن كنا جميعا نترقب تعيين كفاءة اقتصادية مرموقة و مهنية و ذات حس سياسي فائق نظرا للتحديات الاقتصادية التي تمر بها البلاد. إضافة إلى ذلك لوحظ أن تكليف الصيد بتشكيل الحكومة قد أثار غبطة النهضة مقابل احتراز كل الأحزاب الأخرى بما فيهم النداء و لو كان ذلك ضمنيا.

أيضا من الطبيعي جدا أن يختار رئيس الجمهورية وزيرا أولا على أساس الإخلاص له. و لكن هذا الإختيار لا يجب أن يكون على منوال " المخزن". في اعتقادي أن اختيار الحبيب الصيد قرار صائب على أساس أن في تغليب للجانب الأمني و استقرار البلاد و وضعهما على سلم الأولوية القصوى للعمل السياسي في المرحلة المقبلة. و لا أقول هذا الكلام نظرا لصفتي الأمنية كوزير داخلية أسبق ولكني أرى أن اختيار المسار الأمني كأولوية خطوة صائبة بما أن كل المسائل الأخرى سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالملف الأمني.

و إذا تعمقنا في هذه النقطة بالذات، فإن تبني مسؤولو الدولة الجدد لملف مكافحة الإرهاب يجب أن يكون على أساس أن تونس هي حلقة من حلقات الإرهاب في المنطقة ككل و أن مكافحة الإرهاب هي مكافحة إقليمية واحدة و ليست مجرد مكافحة محلية. ومن هنا يتجلى دور الجزائر بصرامتها و صلابتها المعهودتين و كذلك بنجاحها في التصدي لتوغل الظاهرة، ولهذا نحن لم نسمع إلى حد الآن عن حدوث اغتيالات جسيمة فيها لا قدر الله طبعا. ولذلك فإن المرحلة تستوجب تعزيز و تدعيم العلاقات التونسية الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب. وكذلك الشأن بالنسبة إلى مصر التي أخرجت الإخوان المسلمين من الحكم وقامت بصد توغل تنظيم داعش في المنطقة. و أيضا ليبيا التي تغلغل فيها الإرهاب و أصبحت الحلقة التوسعية للجماعات الإرهابية بالمنطقة.

هل تلمحون إلى أن قرار تونس بالبقاء على الحياد تجاه بعض القضايا الإقليمية قرار غير صائب؟

أعتقد أن إعلاننا عدم التدخل في شؤون الغير لا ينطبق على الوضع الإقليمي الذي يهيمن عليه انتشار الإرهاب. ولذلك، و في إطار النظرة الإستشرافية و حتى نقي أنفسنا مستقبلا، وكذلك إذا اعتبرنا أن الإرهاب ظاهرة واحدة وتهم كل دول المنطقة و خصوصا إذا علمنا أن داعش تخطط لتركيز إمارة إسلامية تمتد من درنة إلى جرجيس، فمن الواجب أن نعلن تأييدنا لكل الأطراف التي تكافح الإرهاب مثلنا و أولهم الجنرال خليفة حفتر و كل من يسانده في المنطقة و خارجها من الدول الكبرى لذات الغرض.

أيضا نحن نعرف أن الظاهرة الإرهابية مستفحلة في بلاد الشام وهناك تقع مواجهتها من الدول الكبرى و بعض دول الخليج لأنه تبين بالكاشف أن الخطر واحد و يهدد كل الدول العربية و الإسلامية. و لذلك، فعلى الجميع من مسؤولين و مواطنين الإقتناع بهذه التحديات و الدخول في مواجهة عارمة ضد الإرهاب للقضاء عليه. و لكن علينا أن نعي في المقابل، و لسوء الحظ، أن الخطر الإرهابي سيستمر لسنوات طوال وعلينا أن نكون حذرين و مستعدين لكل التحديات من أجل حماية الوطن عبر تفعيل اللحمة الوطنية و المساندة الإقليمية و التعاون مع الدول الكبرى للقضاء على هذه الآفة.

يرى متابعون أن حركة النهضة اتخذت مؤخرا موقفا حاسما تجاه الظاهرة بعد أن لاحقتها اتهامات عديدة بالتساهل إلى حد التواطؤ مع الإرهاب عندما كانت في السلطة حسب تعبيرهم، فإلى أي مدى يصح هذا القول؟

أعتقد أن الغموض الذي ساد خلال السنوات الأولى من "الثورة" المتعلق ببعض التواطؤ مع التوجهات الإرهابية توضح مؤخرا، حيث يمكن القول أن النهضة تخلصت من هذه الإرتباطات و كذلك أعلنت خروجها منها. و لكن يبقى المطلوب من النهضة هو القطع النهائي مع بعض الجماعات الإرهابية أي القطع علنا مع الإخوان المسلمين و من تبعهم من قريب أو من بعيد. و على النهضة أن تشق طريقها كحزب سياسي مدني تونسي. و شخصيا كنت قد أكدت ذلك في لقائي مع الغنوشي، بمعنى أن يكون لنا حزبا سياسيا مدنيا بمرجعية إسلامية تقوم على أساس الفصل بين الدين و الدولة، كما هو الشأن الآن في ألمانيا و إيطاليا و أمريكا و أن يكون من واجب هذا الحزب تأطير فئة من المواطنين التونسيين تفكر انطلاقا من مرجعية دينية إزاء عديد المسائل.

النهضة من أول الأحزاب التي أعلنت تأييدها لرئيس الحكومة الجديد، فهل يفتح هذا التأييد أبوابا واسعة من التأويل حول مدى استقلالية الرجل، مثلما ترى بعض الأطراف؟

هذه المسألة تنطبق على جميع المسؤولين الجدد، إذ لا يمكن أن تكون لهؤلاء أية تمثيلية حزبية وهم مطالبون بتجنب تفعيل حساسياتهم الحزبية و السياسية أثناء أداء مهامهم على رأس الدولة. و لهاته الأسباب فإن الصيد و من سيتبعه في الحكومة يجب أن يكون قد تم اختيارهم على أساس الكفاءة و الحس السياسي و القدرة على مواجهة الإشكاليات الأمنية و الإجتماعية و الإقتصادية. و للتذكير فقط، فقد ثبت أن تم التمحيص في توجهات المسؤولين خلال حكم الترويكا لما تم اختيار وزراء "محايدين" على رأس وزارات سيادية. ولكن في كل الحالات، علينا أن نحافظ على حسن الظن في الحكومة الجديدة ونحن سنعمل على دعمها. لكن من المفروض أن يقع محاسبة أداءها و مدى فاعليتها بعد 100 يوم من وجودها في الحكم.

ماهي أهم التحديات التي يمكن أن تواجهها حكومة الصيد في الخماسية القادمة؟

أهمها على الإطلاق التحدي الأمني و استقرار البلاد و المحافظة على كيان الدولة. و في هذا الإطار، كنا قد بينا أن الملف الأمني يحتل صدارة الاختيارات بالنسبة إلى رئاسة الجمهورية و كذلك بالنسبة إلى رئاسة الحكومة. و يمكن القول أن تونس نجحت نوعا ما في صد اندفاعات الإرهاب و لو أنني أعتقد أن هذه الجماعات لم تقرر بعد الدخول في معركة تونسية لأنهم منشغلون بالمعركة الليبية. أما بالنسبة إلى بلادنا فالإرهاب يقتصر حتى الآن على إثبات تواجده في كامل أنحاء البلاد بتوجيه ضربات متفرقة و بطريقة بربرية لبث الرعب في نفوس قوات الأمن و الجيش.

تقصدون أن وجود ما يسمى ب"داعش" و خلاياها النائمة في ديارنا أصبح واقعا ؟

بعد القاعدة و تنظيم أنصار الشريعة يمكن القول أن تنظيم داعش أصبح موجودا في شمال إفريقيا و في بلاد الشام ومالي و إفريقيا السوداء. ويمكن القول كذلك أن أمر هؤلاء قد افتضح الآن بعد أن تبين للمسؤولين محليا و إقليميا و دوليا بأن الخطر واحد. و لهذا فمن الواجب أن نقتسم الأدوار لمواجهة هذه الآفة. أما بخصوص تونس، فنحن نسجل ارتياحنا لما أعلنت عنه مؤخرا وزارة الدفاع الوطني حول تكوين هيكلة جديدة و عصرية مستمدة من الهياكل الموجودة في الدول العظمى و المتمثلة في إحداث القطب الأمني بالتعاون مع وزارة الداخلية و من مهامه جمع المعلومات و الإستخبارات من جميع الجهات و التنسيق بينها حتى تصبح الأداة الفعالة ضد الجماعات الإرهابية. و نحن نؤيد هذا الخيار لأنه يفعل خروج الإرهاب من وضع الهجوم إلى وضع الدفاع عن النفس عبر ضرب هذه الجماعات في عقر دارها.

هذا التمشي يجب أن يتنزل في إطار خطة أمنية شاملة كما هو موجود في الدول الكبرى حتى تندرج هذه الخطة في إرساء منظومة للإرشاد و التمحيص و التحليل الأمني و أيضا ضبط الإستراتيجيات الأمنية ضمن هيكلة مستقلة لتكون خطة ذات صبغة جمهورية محايدة تخدم الدولة لا الأحزاب و لا الحكومات.

وفي ذات الإطار نسجل ارتياحنا لإحداث القطب القضائي شرط أن لا يرتبط بدوائر العدلية الكلاسيكية و يكون مستقلا و تشرف عليه رجالات مستقلة تقوم بضبط قانون مكافحة الإرهاب. أما بالنسبة إلى وزارة الداخلية التي أبلت البلاء الحسن و لو نسبيا في مكافحة الإرهاب، فلا بد من التعمق في هيكلتها و في القضاء على الإختراقات الحزبية التي بداخلها بغاية إعداد العدة لضمان أمن جمهوري حيادي في وزارة خاصة بالأمن.

هناك أنباء عن إمكانية الإبقاء على الوزير المكلف بالأمن في منصبه، فهل ترون أن هذا الأمر مفيد في حلحلة الملف الأمني؟

صفر كما عرفته عند انتدابه و بعد هو رجل أمني و مهني فائق المستوى في مجال وضع الإستراتيجيات الأمنية كما أن له وزن لدى النقابات الأمنية في عديد البلدان. و لكن لا بد أن يلقى عمله معاضدة بتوفر إرادة سياسية توظف مؤهلاته الأمنية لما فيه خير للوطن.

وماذا عن التحديات الاقتصادية و الإجتماعية التي يبدو أنها ستكون حرجة بالنسبة إلى الحكومة الجديدة كما يؤكد خبراء الإقتصاد و الإجتماع الذين يرون أن هذه الأخيرة قد تجبر على اتخاذ قرارات لا شعبية؟

ربما يكمن الحل في ضرورة إرساء قطب إقتصادي يجمع بين قطاعات التجارة و التخطيط و المالية و التنمية الجهوية. و إرساء هذا القطب يتزامن مع ضرورة تواجد وزير واحد و عدد من كتاب الدولة المختصين على رأس هذا الهيكل بغاية وضع أسس استراتيجية اقتصادية على المدى الطويل أو بالأحرى على مدى خمس سنوات كاملة و أكثر. . وهنا بودي الإشارة إلى ضرورة اقتناع جميع الأطراف من مسؤولين و مواطنين بهذا التمشي و الإنخراط في دعمه و المثابرة عليه كما ثابرنا على الملف السياسي. كذلك على منظمتي الإتحاد العام التونسي و الأعراف التجند في الغرض.

أيضا، على الحكومة الجديدة أن تبدأ بإصلاح وضع الصناديق الإجتماعية التي أفلست في السنوات الماضية و هي صناديق الدعم و التقاعد و التغطية الإجتماعية مع ضرورة العدول عن سياسة المساواة و اعتماد مبدأ الإستحقاق حتى نضمن توفر العدالة الإجتماعية. و هذه المسألة تستلزم تفعيل ما كنا قد رفضناه خلال الثمانينات أي المقترح الذي قدمه وزير الاقتصاد آنذاك منصور معلى الذي اتفق وقتها مع الصندوق الدولي للوصول إلى تفعيل حقيقة الأسعار بعد 10 سنوات مع تعديله و ما يستجيب لمقتضيات المرحلة بالطبع.

أما بخصوص التحديات الإجتماعية، فعلى حكومة الصيد مكافحة الفقر. مع العلم أننا جميعا ندرك أن الفقر آفة اجتماعية طبيعية في كل المجتمعات و تواجدت منذ آلاف السنين و ستبقى موجودة. و لكن هذا لا يعني تجاهلها لأن هناك أوضاعا اجتماعية متردية لا يمكن القبول بها، حيث يوجد حوالي 28٪ من التونسيين تحت خط الفقر. هنا أوضح أن مساعدة الفقراء لا تعني توزيع الإعانات المالية عليهم بل لا بد من إيجاد الإمكانيات اللازمة لسد رمق هؤلاء و لو بصفة وقتية إلى أن يتم تركيز الورشات المهنية و تفعيل التشغيل حتى يصبح المواطن التونسي منتجا و حتى يجد موطن الشغل الذي يحفظ له كرامته. وفي ظرف سنوات قليلة نحن بإمكاننا خلق هذه المدارس المهنية للقضاء على ظاهرة البطالة.

يعتبر محللون أن ألغام كثيرة تم زرعها بمفاصل الدولة خلال فترة الترويكا على غرار التعيينات الحزبية مثلا، مما من شأنه عرقلة أداء أية حكومة جديدة، بماذا تردون؟

اللغم الأساسي الأول الذي قاسينا منه في الفترة الإنتقالية و ستقاسيه بصفة أكبر الحكومة الجديدة هو لغم التعيينات و الإختراقات الحزبية العديدة بمفاصل الدولة. و إن لم يكن بالإمكان مراجعة كل التعيينات، فإن الحكومة المقبلة مطالبة بضبط استراتيجية واضحة في الإنتدابات بعدم انتداب أي موظف عمومي خلال المرحلة القادمة و عبر إعداد خطة جديدة تقضي على جميع التعيينات الطفيلية في مفاصل الإدارة و الدولة حتى نضمن توفر انتاجية قصوى لجميع المؤسسات في كل الميادين.

حديث عن خلافات و تبيانات حادة في الرؤى بين قيادات الحزب الأغلبي مؤخرا حول جملة من المسائل، فهل يؤشر هذا على أن النداء قد يعرف إشكاليات هيكلية في المرحلة المقبلة بعد مغادرة رئيسه عل غرار المؤتمر؟

هي خلافات عادية تقع في كل الأحزاب. حزب نداء تونس هو حزب فسيفساء من التوجهات و الإيديولوجيات و هو لا يعتمد على شرعية ديمقراطية إلى حد الآن. و هذا يتوجب إصلاحه خلال المؤتمر القادم للحزب و عندها سيجد منخرطوه قاسما مشتركا بينهم يجمعهم في مسارهم السياسي و الإجتماعي خلال المرحلة المقبلة.

و أريد التعريج هنا على بعض الأحزاب الأخرى و من بينها حزب المسار، لأقول أنه حزب مواظب على اختياراته الديمقراطية عندما طالب بوحدة سياسية و انتخابية. و كذلك الشأن بالنسبة إلى الجبهة الشعبية التي لها مبادئها و تميزها عن بقية الأحزاب. أما آفاق تونس فهو حزب وسطي ليبرالي سيلعب دور الحكم في المرحلة المقبلة بالنسبة إلى الأغلبيات البرلمانية.

و پخصوص الاتحاد الوطني الحر، فأنا لا أعرف الكثير عنه. لكن أعتقد أن التزاماته ستتبلور مقاصده و كيانه في المستقبل.

على ذكر الجبهة الشعبية، هل ترون أن عدم تشريكها في المشاورات حول الحكومة خطوة أولى في طريق إقصائها حسب ما اعتبره البعض؟

أعتقد أنه كان من المفروض التشاور مع الجبهة الشعبية مهما كان موقفها و اختياراتها. اليسار له دوره داخل الحكومة و خارجها و في بلورة المشهد السياسي في البلاد. كما أن لديه أنصاره و فئاته الاجتماعية و السياسية التي يجب قراءة ألف حساب لها.

هل من الوارد مشاركة النهضة في الحكم؟

تركيبة الحكومة المقبلة يجب أن تضم جميع ممثلي الأحزاب السياسية سواء الفائزة أو غير الفائزة في الإنتخابات التشريعية. و تشريك هاته الأحزاب في الحكم لا يجب أن يتم على أساس اقتسام الحكم بين النداء و النهضة رغم ثقل وزنهما بل على أساس التعويل على كفاءات وطنية و مهنية مهما كان حسها السياسي وهذه الكفاءات مطالبة بالتزام الحياد الحقيقي من أجل المصلحة العليا للبلاد. و لعل هذا الأمر يعود بي إلى موقف الغنوشي الذي رفض تمرير قانون الإقصاء الذي كان سيتسبب في فتنة كبيرة رغم أن هذا الأخير مطالب بتطوير حزبه و عقليات أقرانه و التكيف مع الأحزاب المدنية.
و لذلك فتواجد النهضة في الحكم كأشخاص لا كحزب يبقى واردا.

و لكن أغلب منتخبي النداء كانت غايتهم قطع الطريق أمام إمكانية عودة النهضة و أحزاب الترويكا بصفة عامة إلى السلطة حسب تعبيرهم؟

لا يمكن إقصاء النهضة تماما لأنه أحببنا أو كرهنا تمثل حوالي 30 ٪ من الشعب التونسي. لكن تواجد النهضة يجب أن يكون على أساس أنه "لكم دينكم و لنا ديننا" و على أساس توفر الاحترام الكامل و عدم الخلط بين الأمور للوصول إلى تكريس حكم يرتضيه المواطنون الذين سيتحلون باليقظة الكاملة لمراقبة إنتاجية كل الأطراف، و لا ننسى أن الحكومة ستكون مسؤولة أمام البرلمان و ليس أمام رئيس الجمهورية الذي له الحق في التدخل من أجل إيقاظ الهمم.

هل من الوارد حدوث نوع من الصراع السياسي بين الكتل البرلمانية خلال الفترة القادمة على غرار ما حدث في التأسيسي؟

لا يجب أن يكون البرلمان القادم غرفة تسجيل لصالح الحكومة أو لصالح حزب ما. و لا يجب البتة أن يكون هناك أي موطن للصراع بين الأحزاب لنتجنب ما حصل في التأسيسي في الفترة الإنتقالية حيث فقد خلالها كل مصداقية لدى المواطنين. و لذلك لا بد من القضاء على انتهاج السياسات الفرجوية و الإستعراضية داخل البرلمان. كما أنه لا يجب القبول بنظام الكتل المتكون من 9 أعضاء كما اقترحته بعض الجهات لأن هذا الأمر سيتسبب في ظهور فسيفساء من الأحزاب. ولأجل هاته الأسباب يتوجب التخفيض من عدد الكتل و عدد أعضائها.

و ما حكمكم على أداء حكومة مهدي جمعة التي تستعد للمغادرة؟

هي أدت واجبها و لكنها لم تف بكل تعهداتها. كما أنها حكومة انتقالية وكفى بالبلاد من كل الإنتقاليات الآن وخاصة تلك المتعلقة بكارثة رئاسة الجمهورية السابقة.

و ما تقييمكم لما سمي ب" المغامرة غير محسوبة العواقب" التي قام بها المرزوقي على إثر الإعلان عن نتائج الدورة الثانية من الرئاسية و المتمثلة في ما اعتبر تحريضا على العنف في جهة الجنوب؟

خروج المرزوقي من الحكم كان بصفة حضارية. و لكن هذا لا يجعلنا ننسى مغامرته الأخيرة عندما استحسن احتجاج أهل الجنوب و كانت دعوته خفية إلى مظاهرات سلمية يدرك في قرارة نفسه أنها ستنقلب إلى تظاهرات عنيفة و حتى إلى حدوث حرب أهلية بالبلاد. وهنا و إحقاقا للحق أستحسن موقف رئيس حركة النهضة الذي وقف وقفة حاسمة ضد المرزوقي بتحذيره و بتوجيه نداء إلى المتظاهرين و خاصة بمسقط رأسه يتضمن دعوة إلى الكف عن الاحتجاج.