للحديث عن المشهد الاقتصادي التونسي وطرح رهاناته المستقبلية التي ستخوضها الحكومة المقبلة، وبسط بعض المقترحات لتجاوز الأزمة الاقتصادية، تحدث وزير المالية السابق بحكومة حمادي الجبالي، الخبير في الاقتصاد التونسي، حسين الدّيماسي.

وقال الديماسي إن مظاهر تأزم الاقتصاد التونسي وارتباكه كثيرة. يمكن اختزالها في ثلاثة مؤشرات كبرى ذات دلالات جليّة. أولها تراجع النمو، ففي السنوات العشر السابقة للثورة (ديسمبر/كانون الأول 2011)، كنّا نحقق تقريبا نسبة نمو تقارب 4.5% سنويا، واتخذ الاقتصاد منذ 2010 منحى بطيئا جدا، وصل بنا إلى تحقيق نمو سلبي بلغ في 2011 -1.8% في حين أن تونس لم تسجل مؤشرات سلبية منذ الاستقلال، سوى مرتين، الأولى سنة 1986 والثانية في سنة 2002.
المؤشر الثاني هو عجز الميزان التجاري الذي وصل؛ ولأول مرة في تاريخ تونس المستقلة إلى مستوى عجز لا يُطاق. ففي 2010 كان العجز يقدر بـ 3.2 مليار دينار (1.75 مليار دولار) بينما بلغ في 2014، 10.4 مليار دينار. أما المؤشر الثالث، فهو عجز ميزانية الدولة الذي ما زال مرتفعا للغاية والذي بلغ في 2013 نحو 7%.

وأرجع الوزير السابق أسباب الاختناق الاقتصادي في تونس إلى الارتباط بعديد المعطيات الطبيعية التي لا سلطة لنا عليها، وأقدم لك على سبيل المثال نضوب الطاقات الأحفورية وغياب الاستكشافات النفطية، ولكن أيضا هناك أسباب عالمية وأسباب سياسية واجتماعية داخلية على غرار ضعف السلطة، والخوف مثلا من الاتهامات النقابية والشعبية القائلة ببيع الدولة للمستثمرين الأجانب، خاصة في مجال المحروقات.

هذا بالإضافة إلى تردّي نمو الاتحاد الأوروبي، الحليف الصناعي والسياحي الأساسي لتونس الذي يؤثر تأثيرا سلبيا مباشرا على تونس. فصادراتنا الصناعية لأوروبا التي كانت تضم النسيج والأحذية وقطاع الميكانيك، أصبحت تقتصر تقريبا على تصدير مركبات السيارات، في حين تراجعت كل الصادرات الأخرى.
وأشار الديماسي إلى أن الوضع في ليبيا له انعكاساته ليست بفظاعة انعكاسات تردي الوضع الأوروبي. فخلافا لما يُروج له البعض، لم تتراجع الصادرات لليبيا بشكل كبير، وإن سجّلت بعض التراجع الحتمي نظرا للوضع الأمني والسياسي.

* حدثتنا عن أسباب تردّي الوضع الاقتصادي السياسية والخارجية، ولم تحدّثنا عن الأسباب الاجتماعية التي تبدو محدّدة أيضا للأزمة، أليس كذلك؟
رجع أسباب تردي الوضع الاقتصادي إلى المناخ الاجتماعي المتسم بالاضطراب، والذي طغت عليه الاعتصامات والإضرابات العشوائية، واتسم بالعنف طيلة أربع سنوات مسّ بشكل أو بآخر بالمؤسسات الصناعية. ولعل القطاع الأكثر تأثّرا من هذا المناخ، هو قطاع المناجم. فالحوض المنجمي (جنوب غرب تونس) طيلة السنوات الأربع المنقضية مشلول كليّا أو يكاد. والمصيبة هنا أن سعر الفوسفات بلغ معدلات ممتازة، ولكن الإنتاج منعدم ولن يتجاوز في نهاية هذه السنة خمسة ملايين طن.

ويرى الديماسي أن الوضع الاقتصادي في تونس شديد السواد مع الأسف. فعجز الميزان التجاري مرتبط مباشرة بنسق النمو. وتوقف المناجم وتراجع إنتاج المحروقات وكثرة الاعتصامات يؤثر وبشكل جليّ على التصدير. ويقابل تردي نسبة الصادرات وتراجع الإنتاج ارتفاع نسبة الاستهلاك والواردات. أما ميزانية الدولة فإن عجزها يعود بالأساس إلى ضخامة نفقات الدعم التي تصل إلى 4.5 مليار دينار، يُضاف إليها 1.5 مليار دينار مُسجلة كمنحة للشركة التونسية للكهرباء والغاز (حكومية) ولكنها في الحقيقة تعتبر ضمن نفقات الدعم الموجهة للشركة مباشرة من خزينة الدولة، في وقت لا تتجاوز فيه نفقات التنمية 4.5 مليار دينار، أي أن نفقات الدعم يبلغ حجمها مرة ونصف حجم النفقات الموظفة للتنمية.