اعترف " عبد المالك بوضياف" وزير الصحة الجزائري في الملتقى الدولي حول السياسات الصحية المنظم بالجزائر أن المعاينة التي أجريت في كافة ولايات الوطن خلال الثلاثي الأخير من سنة 2013 أظهرت اختلالات في التكفل بالمرضى وأيضا انعدام ميكانيزمات التحكم في النفقات وعدم مواكبة التغيّر الوبائي، وهو ما فرض بشدة وضع تصور جديد لبناء سياسة صحية تتماشى والتحديات المستقبلية. 

واعتبر وزير الصحة الجزائري أن القانون الحالي الذي يسيّر القطاع الصحي بالجزائر لا يتماشى والتطورات الحاصلة في مجال تكنولوجيات الصحة والمناهج العصرية، حيث يعرف -حسبه- ثغرات ونقائص في التنظيم والتسيير، مضيفا أن الوزارة تعمل على وضع قانون جديد يرمي إلى إعادة الاعتبار للخريطة الصحية بالجزائر، وذلك من أجل تقديم خدمات جيدة للمواطنين، والتي تتوافق ومتطلباتهم الصحية المختلفة.

كما وصف رئيس اللجنة الجزائرية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان الأستاذ "فاروق قسنطيني" سوء التسيير بالمنظومة الصحية ب"الحلقة الضعيفة" التي تعيق نوعية الخدمات المقدمة للمواطن. وقال على هامش الملتقى أن الجزائر بذلت مجهودات "جبارة" لتطوير القطاع إلا أن "سوء التسيير ظل الحلقة الضعيفة" تعيق تقديم خدمات نوعية للمواطن و ارجع ذلك إلى أن الجزائر "مستعمرة" من طرف البيروقراطية داعيا في نفس السياق إلى ضرورة "تحرير" المبادرات للقضاء على هذه "الآفة" وتحسين تسيير القطاع الصحي.

وكانت الجزائر قد بذلك مجهودات معتبر للنهوض بالقطاع الصحي من خلال صرف الملايير في حمالاتها لمجانية العلاج واستحداث الأجهزة الطبية الحديثة ومن خلال نظام التعويض للمستخدمين والمتقاعدين والمسنين وأصحاب الأمراض المزمنة إلا أن كل هذا لم يأتي أكله وظل القطاع يعاني من مشاكل لا تحصى ولا تعد أهما مركزية العلاج بالعاصمة والتي زادت من حالات اختناقها اقتصاديا وعمرانيا وخلقت فوضى يلاحظ ها المواطن من على أبواب المصحات الإستشفائية قبل دخوله اليها.

وألحّ المتدخلون الوطنيون والدوليون في الملتقى الدولي حول السياسات الصحية الذي جاء بالتعاون بين وزارة الصحة والمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية، على ضرورة تكثيف الاهتمام بالجوانب المتعلقة بالوقاية والصحة العمومية، ومكافحة داء السرطان بواسطة إقامة مخطط له وإنشاء معهد وطني ينسق كل النشاطات المنجزة في الشأن.

و شارك في فعاليات الملتقى 450 خبيرا وباحثا محليا ودوليا إلى جانب ممثلين للمؤسسات الصحية بالجزائر والعديد من الدول الأوروبية المشاركة في هذا اللقاء. وهذا لاستعراض الخبرات الصحية لدى الدول المتقدمة بهدف الاستفادة منها وتطبيقها. كما يبحث الملتقى إمكانات نقل التكنولوجيا وتوفير فرص تأهيل الكفاءات البشرية المنتسبة للقطاع الصحي بما يساعد على الاستخدام الجيد للتجهيزات المتطورة جدا التي يستعملها الأطباء في الفحوصات والكشوف والعمليات الجراحية .

العدالة والمساءلة عن الأموال التي تهدر.

تقدر النفقات الإجمالية التي جاء بها قانون المالية 2014 ب16ر7.656 مليار دينار جزائري (96.5 مليون دولار) بارتفاع قدره 28ر11 بالمائة مقارنة بنفقات قانون المالية لسنة 2013. يخصص نصفها للتسيير والذي ارتفعت نفقاته هو الأخر بنسبة 7ر8 بالمائة مقارنة بسنة 2013 و الباقي كنفقات تجهيز و الذي ارتفاع بمقدار 6ر15 بالمائة أيضاً  وتعد ميزانية الصحة من كل هذا بما مقدراه 8 بالمائة فقط. ويبلغ حجم إنفاق الجزائر على الرعاية الصحية ما نسبته 8 بالمائة من ميزانيتها، في مقابل 17 بالمائة بالنسبة للدول المتقدمة.

و خصصت السلطات الجزائرية ميزانيات معتبرة لقطاع الصحة، حيث تراوحت حسب التقديرات الإحصائية ما بين 270 وقرابة 307 مليار دينار جزائري ، أي في حدود 3.31 إلى 3.75 مليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية.

وكان حجم الإنفاق على الرعاية الصحية بالجزائر قد عرف منحى تصاعدي، حيث قفز من 79,5 بالمائة العام 2008 إلى 80,8 بالمائة العام 2011، لكنه يبقى مقارنة بالمؤشر المطلوب بعيدا، لأن الأموال والخدمة لا تصل إلى المواطن كما يجب، وتضيع بسبب سوء التسيير والفساد ومنه فما مقدراه 20 بالمائة يضيع بلا رقابة.

وفي سياق ذلك حذّر التقرير العالمي للصحة، الصادر مؤخرا عن البنك العالمي، من أن الجزائر تضيّع حوالي 20 بالمائة من النفقات على قطاع الصحة بسبب سوء التسيير والتكاليف المرتفعة لفاتورة الأدوية. و بلغة الأرقام فإن العائلة الجزائرية تغطي الفرق من دخلها الخاص بما يصل إلى 40 في المائة من إجمالي إنفاقها الصحي، و ينتهي الأمر بكثير من المواطنين إما بالتغاضي عن الرعاية الطبية المطلوبة أو تأجيلها بسبب عدم القدرة على تحمّل تكلفتها.