صرخة استغاثة يصدرها المنتحرون في تونس كرسالة مضمونة الوصول للنخبة السياسية الغافلة عن الانتباه لشريحة عريضة من المهمشين ممن تراكمت أوجاعهم و تتراوح أعمارهم بين 20 و50 سنة.ارتفاع عدد ضحايا الانتحار ما بعد الثورة و خاصة الانتحار حرقا الذي تضاعف أربع مرات بعد الثورة، دفع وزارة الصحة التونسية إلى تنظيم الملتقى الوطني حول تنامي ظاهرة الانتحار تحت شعار "أنا اخترت الحياة" يعتبر الأول من نوعه عربيا وإسلاميا. وكان المرصد الاجتماعي التونسي قد شرع منذ ماي/مايو 2014 في رصد حالات الانتحار التي بلغت ذروتها في شهر أوت /أغسطس الماضي، ثم تراجعت لترتفع من جديد في أكتوبر/أيلول من نفس السنة .دقت هذه النتائج المرصودة جرس الإنذار تجاه هذا "المرض الاجتماعي" الذي طال مختلف الفئات الاجتماعية والعمرية بالبلاد، وأكد المرصد أن الظروف الاجتماعية مثل الفقر والبطالة والمشاكل العائلية تعتبر من بين أهم أسباب اختيار الانتحار كحل للخلاص وإنهاء المعاناة.

إحصاء وطني
الملتقى الوطني مسح كامل الولايات في تونس ،إذ انطلق من ولايات الوسط والشمال وانتهى بولايات الجنوب ،وتوّجت أعماله بإقرار إعداد السجّل الوطني للانتحار قبل نهاية السنة الجارية أي خلال شهر ديسمبر الحالي /كانون الأول لإحصاء عدد المنتحرين في الجهات وطرق الانتحار والشرائح العمرية والوضعيات الاجتماعية والتعليمية.و قال رمضان بن عمر المكلف بالإعلام بالمرصد الاجتماعي التونسي أنّ هذا السجل سيمهّد الطريق لإطلاق المرصد الوطني للانتحار لدراسة الظاهرة والأسباب النفسية والاجتماعية للضحايا، وهو ما سيمكن وزارة الصحة العمومية من وضع آليات لتحليل الظاهرة والحد من انتشارها باتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة.

عبر الطب الشرعي
ومن المنتظر أن يحتوي السجّل الوطني حول الانتحار على إحصائيات دقيقة وتعداد صحيح حسب الجهات والفئات العمرية والاجتماعية ،مع توفير قاعدة بيانات تسهّل تشخيص الظاهرة ،وإيجاد الحلول للوقاية منها،ووضع برنامج عمل علمي يرفع التعتيم عن هذه الظاهرة خاصة وأن النظام السياسي السابق في تونس على امتداد 23 سنة من حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي كان يجمّل الواقع الاجتماعي المرّ ويردم حالات الانتحار المسجلة لتلميع نظامه،وهو ما حال دون توفير إحصائيات دقيقة حول عدد المنحرين.وأمام استحالة توفر الأرقام المتعلقة بالانتحار في تونس سيتم العمل على تجميعها عبر أقسام الطب الشرعي في إطار السجل الوطني المذكور،مع تشريك مختلف الأطراف والخبرات لتوفير آليات مساعدة لهذه الشرائح المتضررة.

إدمان وتهميش
تتراوح ذروة المنتحرين في تونس بين سن 20 و50 سنة، وتختلف الظاهرة عن الانتحار في أوروبا، إذ أن ذروته تسجّل في 30 سنة ثم ترتفع قليلا لدى المسنين. و حسب الخبراء الحاضرين في هذا الملتقى الوطني لا يمكن دراسة ظاهرة الانتحار دون الحديث عن الإدمان بمختلف أنواعه، وعن الأطفال المهملين والمهددين مثل "أطفال الشوارع". إذ يؤدي الإدمان على المخدرات أو الكحول أو المواد المسكّرة بصفة عامة بضحاياها إلى إنهاء حياتهم بطرق ووسائل متنوعة تختلف حسب نفسية الضحية ونوعية الصعوبات التي يعيشها.