"عاجل. ألقى جنود الدولة الإسلامية القبض على 21 مسيحي صليبي". تم التقاط هذا البيان على شبكات التواصل الاجتماعية أوائل الشهر الماضي، وقد أصدره تنظيم داعش، ليس من سوريا أو العراق، لكن من ليبيا، التي تدخل فيها ائتلاف للحلفاء الغربيين قبل أربع سنوات ونفذوا قصفا جويا للمساعدة على تحرير البلاد من قبضة معمر القذافي.
أما مصير الرهائن، الذين يُعتقد أنهم مصريون، فما يزال مجهولا، لكن ليس هذا ما يقلق المسؤولين في لندن وواشنطن ودول أخرى. إذ مع تزايد الاهتمام بتنظيم داعش في سوريا على صفحات الجرائد وإثارته غضب زعماء العالم حول العمليات البشعة التي ينفذها، فإن الفصائل الموالية له في ليبيا تنتشر في هدوء وتكسب مواقعها على الأرض تمهيدا للسيطرة على كيان دولة فاشلة أخرى.


في 27 يناير ، هاجم إسلاميون فندق كورنثيا المعروف في طرابلس بواسطة غارة قضى على إثرها تسعة أشخاص على الأقل، من ضمنهم مقاول أمريكي. ومرة أخرى كان تنظيم داعش أول من أعلن مسؤوليته عن العملية.
ونقلا عن مركز الأبحاث "كلام"، ومقره طرابلس، فإن الوضع في ليبيا غير مستقر، ومثل سوريا، فقد استغله داعش. "إذ وفرت الفوضى السياسية والعسكرية المستمرة عقب الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011 أرضية مثالية للتنظيمات المتطرفة للتوسع في أرجاء ليبيا.
"في الأشهر التي تلت إعلان [مجلس شورى شباب الإسلام، وهي جماعة إسلامية مقرها درنة] الولاء لداعش في أكتوبر، وقعت هجمات نُسبت لمجموعات أخرى ذات الصلة بداعش في مناطق مختلفة من ليبيا"، يقول المركز.
وقد قام مركز "كلام" بتوثيق كل الأنشطة المُستلهمة من داعش في ليبيا منذ يوليوز من العام الماضي. وهناك قائمة من 20 صفحة لهذه الأنشطة، تتضمن تفاصيل عن: فيديوهات الرهائن، عمليات الإعدام وقطع الرؤوس، ومواكب المقاتلين وهم يجوبون المدن رافعين العلم الأسود الذي يرمز للتنظيم.
ويقول المركز أن لداعش الآن موطئ قدم في العديد من المدن الرئيسية كطرابلس، بنغازي وسرت، وكذا درنة شرق البلاد، التي يحكم سيطرته عليها.
ليس من المستغرب أن يتمكن تنظيم داعش من السيطرة على الأرض. فمنذ إزاحة القذافي بتلك الطريقة الوحشية في2011، لم تعرف البلاد سلطة تحكمها. وحاولت جماعات إقليمية وفصائل متعددة الالتفاف حول السلطة، بل اضطرت الحكومة المعترف بها على النزوح من طرابلس واتخاذ طبرق شرق البلاد مقرا لها، وهي التي تبعد بأزيد من 600 كيلومتر عن العاصمة. وتُسير الحكومة، انطلاقا من طرابلس، من قبل ائتلاف فجر ليبيا، الذي يضم تحالفا من جماعات إخوانية ومسؤولين غرب البلاد.
أما البرلمان المنتخب فيُقيم في فندق ويصف منافسيه في طرابلس بحفنة من الإرهابيين. وفيما عقدت محادثات وبُرمجت أخرى بوساطة من الأمم المتحدة في جنيف، إلا أن مسلسل التفاوض بطيء. هذا علما بأن فجر ليبيا رفض المشاركة فيها، رغم أن الجماعات المسلحة التابعة له انضمت لاتفاق وقف إطلاق النار.
"لقد أدى فشل العملية السياسية إلى فراغ سياسي"، يقول جايسون باك، وهو باحث في التاريخ الليبي بجامعة كامبريدج، مضيفا: "لم يكن هناك وجود لداعش في ليبيا قبل أن تنهار العملية السياسية."
وكما هو الوضع في سوريا، حيث فقدت القوات الموالية لبشار الأسد السيطرة على مناطق واسعة من البلاد، فإن الحكومة المعترف بها في ليبيا لا تسيطر سوى على جزء صغير من البلاد.
ادعى تنظيم داعش مسؤولية الهجوم على فندق كورنثيا في طرابلس الذي أسفر عن مقتل تسعة أشخاص على الأقل.
يقدر مركز "كلام" أن هناك فعلا ما يناهز 3.000 مقاتلا موالين لداعش في ليبيا، ويُعتقد أن تكون ليبيا من أكبر المشاركين بمواطنيها المنخرطين في صفوف داعش في سوريا والعراق. أما عائدات احتياطيات النفط التي تشكل ثروة البلاد، والتي من المفارقة أن الغرب ساعد في تطويرها إثر التقارب مع القذافي في 2003، فإنها تقترب من إنعاش خزائن داعش.
وكما هو الحال في العراق قبل ثماني سنوات، تعيش ليبيا في فوضى يتحمل الغرب فيها جزءا من المسؤولية. قال فيليب هاموند، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع الجديد في اكتوبر بعد الإطاحة بالقذافي في 2011، إن على رجال الأعمال البريطانيين أن يحزموا حقائبهم ويمضوا لاستغلال الفرص المتاحة في ليبيا.
مضت ثلاث سنوات ونصف على ذلك، وحلت الإدارة الجديدة لوزارة الخارجية لتنصح البريطانيين، "بعدم السفر إلى ليبيا بسبب القتال الدائر والوضع الأمني غير المستقر في جميع أنحاء البلاد... فخطر الإرهاب كبير، من عمليات اختطاف وإطلاق النار العشوائي وهجمات بواسطة القنابل".
يبقى الأمر ملتبسا بشأن ما الذي كان سيحدث لو أن القصف الغربي لم يؤد إلى اقتلاع حكم القذافي. هل كان بمقدوره مقاومة التمرد كما فعل الأسد في سوريا، وفي هذه الحالة كيف كان سيكون وضع داعش؟ هل كان القذافي سيطرد من السلطة بواسطة انتفاضة شعبية كما حدث في تونس المجاورة؟ من المستحيل الجواب عن هذه الأسئلة.


يرى محلل ، وهو زميل مشارك في تشاتام هاوس، أن ليبيا تعتبر أرضا "خصبة للغاية" بالنسبة لداعش، لكنه يعتقد في نفس الآن أن التنظيم سيجد صعوبة أكبر في تثبيت جذوره بالقدر الذي تأتى له في سوريا.
"لا أعتقد أن الخطر مبالغ فيه"، يقول، "لكن ليس هناك نفس الدعم لداعش. حتى في درنة، لا أرى أي مؤشر على تقبل الناس وجود داعش".
"هناك أيضا عوامل أخرى ضد داعش: الآن، وبعد إزاحة القذافي، ليس هناك عدو مشترك، إنما هناك العديد من الجماعات تتصارع للدفاع عن مصالحها. فبالرغم من الوضع السياسي المتأزم في ليبيا، إلا أن الأمر لن يكون سهلا على داعش".