يتناول رافيل .ف.بيرل، متخصص فى سياسات مواجهة الإرهاب الدولي بمكتبة الكونجرس الأمريكي، في بحث له بعنوان "الإرهاب والميديا في القرن الحادي والعشرين" جدلية العلاقة والصراع بين السلطات الأمنية ووسائل الإعلام والتنظيمات المتطرفة، حيث تختلف رؤية كل طرف عن الآخر حول وظيفة وأدوار ومسؤوليات وسائل الإعلام عند تغطية أخبار التنظيمات المتطرفة وما ينتج عنها من تداعيات، وغالبا ما ينتهي التناقض بين الأطراف الثلاثة إلى تحقيق مكاسب هي لصالح الإرهاب.

 

التنظيمات المتطرفة تسعى إلى الترويج لإيديولوجيتها عبر الإعلان المجاني الذي توفره وسائل الإعلام وهو ما يمنحها الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من المجتمعات البشرية بسرعة قياسية ولغات متعددة وتكلفة مجانية مما يصعب تحقيقه بالاعتماد على وسائلها الذاتية.

 

وهي غالباً ما تدرس إمكانية بث رسائل مشفرة وغير ملحوظة للجمهور المستهدف عبر تغطية الوسائل الإعلامية لنشاطاتها وأعمالها، في حين تسعى الحكومات وأجهزة الأمن لإيجاد أرضية للتعاون وكسب ولاء وسائل الإعلام حول تحديد أضرار الإرهاب، والترويج لإجراءات السلطة في مواجهة الإرهاب وأحيانا تسعى الحكومات لتوجيه الإعلام بشكل غير مباشر للنيل من القوى المعارضة لها عبر وسمها بالإرهاب أو فرض مصطلحات صحفية على وسائل الإعلام العاملة على أراضيها.

 

أما وسائل الإعلام فهي عند تغطيتها الحدث الإرهابي تريد أن تكون أول من يعرف قصة الحدث الإرهابي وينشره فى وقته الحقيقي والفعلي تحت ضغط المنافسة الشديدة بين وسائل الإعلام بعيدا عن أي إملاءات غير مدرجة ضمن الخط التحريري التي تعتمده الوسيلة الإعلامية.

 

 

 

التباين والتضارب بين الأطراف الثلاثة يؤديان إلى تزايد الاتجاه نحو سرية الحركات الإرهابية، حيث يحدث العنف، ولا يدعى أحد مسئوليته عنه، وبذلك تعطي فرصة أكبر لوسائل الإعلام في التخمين، والتضخيم والمبالغة في طلبات وأهداف الإرهابيين، فيتزايد الخوف والرعب منهم، وتزداد الأضرار الاقتصادية وخاصة في قطاع السياحة، وبالتالي تثار ردود فعل قوية من الحكومات إلى درجة تقييد حريات الأفراد. وتضعف الثقة بوسائل الإعلام التي قد تكون لعبت دورا غير مقصود في زيادة الإرهاب الذي يشرع في استهداف الصحفيين والإعلاميين والمفكرين الذين يتناولون قضاياه وتحديد المسؤولين عنه.

 

لا شك أن إيلاء التنظيمات المتطرفة وفي مقدمها داعش للإعلام ووسائطه الجديدة الأهمية القصوى في الترويج لأطروحاته الإيديولوجية فكريا وعسكريا وسياسيا، دفعه بعض طول تجربة مع الإعلام وكيفية توظيفه لصالحك اعتماد على الآليات التي يعمل بها والميكانزمات التي تحكمه في تغطية الأحداث والتفاعل معها، وبعد دراسة متأنية نفسيا واجتماعيا وتاريخيا للمجتمعات العربية والغربية، يسعى تنظيم داعش عبر ما ينشره من إصدارات مكتوبة ومرئية ومسموعة لتمرير رسائل مشفرة وغير ملحوظة إلى الجمهور المستهدف. وبمقارنة هادئة لأغلب إصداراته على تنوعها وبعيدا عن مستوى الاحترافية الفنية للمادة نجد أن مضامين الرسائل غير المباشرة ترسم صورة كاملة للتنظيم ودولته وعمل أفراده والمناطق التي يحكمها. فالتنظيم يحرص على إبراز رجاله المحاربين دائما بلباس أسود (جلباب) ولحى طويلة وسلاح باليد ما يعزز الصورة النمطية الشبيهة بالصور العالقة في الأذهان عن أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما رسمها فيلم الرسالة وغيره من الأفلام التي تناولت تلك الحقبة من التاريخ.

 

فإذا ما أتينا إلى المناطق التي يحكمها، فأغلب ما يبثه عنها من أحوال يظهر أنها دولة آمنة مباركة يأتيها رزقها رغدا، ففيها تحقق وعد الله فأقيمت خلافته، حيث يحكم شرع الله لا يزاحمه قانون أو وثن، وعدالة السماء تشق طريقها إلى عدالة الأرض فالناس سواسية لا وجود لطبقة اجتماعية تتمايز عن أخرى.

 

فلا فرق بين أعجمي وعربي إلا بالتقوى ولا فضل لرجل على امرأة إلا بما فضل الله بعضهم على بعض. والأمن والأمان صفتان ملازمتان لكل من يعيش تحت راية هذه الدولة، والعالم أجمع يحارب دولة الخلافة خوفاً من عودة سيادة الإسلام وخوفاً على مكتسباته التي كفلت له تفوقا على باقي الشعوب، النظام العالمي هو نظام مستبد وفاسد ومحتكر ومزور للتاريخ ومفقر لشعوب الأرض في سبيل حفنة من رجال الأعمال والمتنفذين والذي في غالبيتهم يهود وكفرة.

 

أما شعار الخلافة "بقية وتتمدد": فهي باقية لأنها الأصلح والأفضل والمؤتمنة على تطبيق حكم الله على الأرض، وهي طمأنة لكل داعم لها أو منتسب، وهي تتمدد فلن تبقى حبيسة حدود مصطنعة من إنتاج تآمر سايكس-بيكو على الأمة الإسلامية وتقسيمها فيما بينهم، ولن تبقى بقعة تحت الشمس لن تصل إليها دعوة الخلافة ورايتها تحقيقاً لوعد الله في كتابه "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا" الآية.

 

وقد تلقف متخصصون غربيون الرسالة المشفرة التي يبثها تنظيم داعش مع كل نشرة إخبارية تتناول أخباره ومعاركه.. ويجادلون أن داعش "نجح في خلق صورة نمطية سهلة وجاذبة، فهم عبر أفلامهم ومنتجاتهم الإعلامية الموجهة للغرب يقدمون جانبا من حياة محافظة بسيطة توحي بالألفة والروح المعنوية العالية، ومظاهر البطولة والتحدي والانتصار".

 

فهل خسرنا المعركة إعلاميا مع التنظيم ؟ أم أن السياسات التحريرية المعتمدة وعدم وجود متخصصين في قضايا الإرهاب حال دون الدراسة المعمقة للتنظيمات المتطرفة وأطروحاتها قبل معالجتها إعلاميا ؟