شهدت ليبيا في الساعات الأخيرة جهودا نشيطة للبعثة الأممية للدعم على مستويات مختلفة، وسط تطورات تشهدها العاصمة طرابلس في ظل اشتباكات متقطعة فجر اليوم الأربعاء، قطعت الهدنة الموقعة قبل أيام في مدينة الزاوية، حيث اتسم تعليق المبعوث غسان سلامة بالحدة ضد من اعتبرها أطراف ضالعة في تعقيد المشهد الليبي.

قضية الجضران

أعلن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة أسباب إدراجه قائد جهاز حرس المنشآت النفطية السابق إبراهيم الجضران على قائمته للعقوبات الدولية بشأن حظر السفر وتجميد الأصول التي أعلن عن صدورها بحق المعني في وقت سابق من اليوم. وكان مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات تجميد أصول وحظر سفر على إبراهيم الجضران قائد قوات حرس المنشآت النفطية الليبية، بعد ضمه إلى قائمة العقوبات الدولية الخاصة به بشأن ليبيا.

كما وافقت لجنة العقوبات في المجلس إضافة اسم الجضران يوم أمس الثلاثاء إلى قائمة الأفراد والكيانات الخاضعين للعقوبات، تحديدًا فيما يخص تجميد الأصول وحظر السفر المنصوص عليها في الفقرتين 15 و 17 من قرار مجلس الأمن 1970 (2011) ، والفقرة 19 القرار 1973 (2011) ، المعتمد بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وأرجع مجلس الأمن إدراجه لاسم الجضران بناءً على عدة عوامل أولها إصدار مكتب المدعي العام في ليبيا أمراً بالقبض عليه متهماً إياه بارتكاب عدد من الجرائم أما الثانية فهي قيام الشخص المعني بأعمال مسلّحة وشنّ هجمات مسلحة على المنشآت النفطية الموجودة في منطقة الهلال النفطي أدّت إلى تدميرها، وكان آخرها في 14 يونيو  2018.

وأوضح المجلس أن الهجمات التي قادها الجضران على منطقة الهلال النفطي أدت إلى سقوط العديد من الضحايا من سكان المنطقة وعرّضت حياة المدنيين للخطر فيما كان  السبب الرابع هو أن الهجمات عطّلت صادرات النفط الليبية في فترات متقطعة بين عامي 2013 و 2018، مما كبّد الاقتصاد الليبي خسائر فادحة. واتهم المجلس الجضران بتصدير النفط بشكل غير قانوني وقيامه بتجنيد مقاتلين أجانب لتنفيذ هجماته المتكررة على منطقة  الهلال النفطي كما عمَل من خلال أفعاله، ضد استقرار ليبيا كما إنه يشكِّل عقبة في طريق الأطراف الليبية لحل الأزمة السياسية وتنفيذ خطة عمل الأمم المتحدة.

كشف مصدر أممي في تصريحات صحفية، أن رئيس البعثة الأممية للدعم في ليبيا، غسان سلامة، قام بتقديم إحاطة عاجلة لمجلس الأمن في جلسة اليوم الأربعاء بعد اجتماعه مع بعض السفراء في طرابلس. وأوضح المصدر الأممي، أن الإحاطة تتضمن ضرورة التدخل العاجل لمواجهة الخروقات الأمنية المستمرة في طرابلس ومن المتوقع الموافقة بالإجماع من قبل مجلس الأمن شرط موافقة المجلس الرئاسي في ليبيا.

جدير بالذكر أن وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت كذلك فرض عقوبات على قائد حرس المنشآت النفطية السابق التابع لدفاع الوفاق إبراهيم سعيد الجضران عقب ساعات من  إدراجه على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي فى نيويورك.

ووفقاً لبيان صحفي صادر عن الوزارة فتقضى العقوبات بتجميد أي أصول لـإبراهيم الجضران داخل أراضي الولايات المتحدة وحظر التعامل معه من قبل الكيانات والمؤسسات والأفراد والجهات العامة والخاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية.

الترتيبات الأمنية

أكد المبعوث الخاص للامين العام للأمم المتحدة  غسان سلامة   إن المقررات التي صدرت في الاجتماع الثاني بمدينة الزاوية لوقف إطلاق النار الذي تم التوصل أليه في مدينة الزاوية بمشاركة كل الأطراف في حاجة إلى تحصين.

وأشار  سلامة  في المؤتمر الصحفي الذي عقده الأربعاء 12 سبتمبر بطرابلس إن البعثة بحثت مع المجلس الرئاسي والحكومة وعدد من القيادات العسكرية في هذه المقررات والاتفاق على البدء في تنفيذها.

وأبدى المبعوث الخاص للامين العام للأمم المتحدة ارتياحه لوقف إطلاق النار خلال الأيام التسعة الماضية وعبر عن شكره لكل من نفذ الالتزامات التي تم الاتفاق عليها في اجتماع الزاوية ، داعيا من لم يلتزم بعد بالاتفاق إلى تنفيذ بنوده.

وأعلن  سلامة  إن قد تم في الاجتماع المطول الذي عقد اليوم بطرابلس الاتفاق على وضع ترتيبات أمنية جديدة ولجنة جديدة يناط بها تنفيذها ، مؤكدا انه قد تم الاتفاق على هذه اللجنة وعلى مهامها المستعجلة مما يسمح بالتفكير بوضع آلية لفض النزاع بصورة متقدمة.

يرى مراقبون أن الإهتمام البالغ لغسان سلامة بالملف الأمني يعطي إنطباع ببوادر تغير تعاطي المجتمع الدولي للملف الليبي خاصة بعد فشل كل المسارات المنادية بالحل السياسي و نبذ التفرقة.

خطاب شديد اللهجة

قال المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة خلال مؤتمر صحفي أنهاه قبل قليل أنه يعلم بهوية من قصف مطار امعيتيقة مرتين. وأوضح :"نحن نعلم تماما من يقوم بقصف مطار امعيتيقة والمرة القادمة سأسميه بالإسم وهو يعلم بأننا نعلم".

وجاء خطاب سلامة بعد أن تعرض مطار امعيتيقة مساء أمس لعدة قذائف مجهولة المصدر ما حذا بإدارة المطار إلى ترحيل كل الطائرات من طرابلس إلى مطار مصراتة ، وحيّت في خبر نشرته على صفحتها الرسمية كل قادة الطائرات ومساعديهم وجميع الموظفين بكل تصنيفاتهم الذين تسارعوا لإنقاذ ما تبقى من طائرات ولم يغادروا المطار بالرغم من  التهديدات و الإشاعات. وتحدث سلامة خلال مؤتمره القصير إلى هدنة الزاوية بالقول :"نريد تثبيت وقف إطلاق النار ليرتاح أهالي طرابلس و ليبيا عامة". ونوه أنه "ثمة استعداد من كافة الأطراف لتقديم التضحيات لإنجاح الترتيبات الأمنية".

ولوح المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة بورقة المجتمع الدولي مهدداً أن الأخير سيتعامل بحزم مع كل من يتلاعب بقرار وقف إطلاق النار الذي تم التوقيع عليه في اجتماع الزاوية مؤخرا.

ويرى مراقبون أن سلامة الذي جمع فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي، وقادة عسكريين في المنطقة الغربية لوحظ أنه يميل بقوة نحو تثبيت  الاتفاق الأول بموازاة الذهاب إلى ترتيبات أمنية أعمق تخص العاصمة، تنهي  الفوضى الأمنية فيها، وتسمح بخلق أجسام أمنية وشُرَطية تتولى أمن العاصمة وتحقيق الأمان لنحو إثنين مليون مواطن يقطنونها، لكن كثيرين يعتقدون أن سلامة على يقين بأن  ترتيبات أمن العاصمة لا يمكن أن تتم بعيدا عن  عين حمراء دولية فيما  سلامة لا يزال رغم لف ودوران ومماطلة المجموعات المُسلحة بالعاصمة على الاحتفاظ بـهدوئه ورصانته في تصريحاته وإحاطاته.

ويتجه سلامة وفق متابعين للشأن الليبي إلى تصعيد خطابه ضد المجموعات المسلحة التي لا تريد أن تسير في  اتفاق طويل الأمد يُعيد تشكيل المشهد الأمني في العاصمة، وسط ترجيحات تقول العالم لا يُساعد سلامة على تطوير آليات لمعاقبة قادة في مجموعات مسلحة لا تحترم تعهداتها، وما إذا كانت تلك العقوبات سياسية أو عسكرية، علما أن كثيرين يريدون أن يسمعوا سلامة وهو يقول بـ نبرة مختلفة من طرابلس أو من خارجها: "إن العصى لمن عصا".