تتوالى الأحداث منذ أسابيع على تخوم العاصمة الليبية طرابلس، حيث يقوم الجيش الليبي بمجموعة من العمليات العسكرية لتحرير المدينة من المليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية المسيطرة عليها منذ سنوات مستغلة الفوضي العارمة والانفلات الامني. وتتجه الأمور في هذه الجبهة نحو الحسم في ظل تقدم القوات المسلحة الليبية على الأرض.

واندلع القتال يوم 5 أبريل/نيسان، بين الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، والقوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج في طرابلس.ومنذ شن الهجوم،نجح الجيش الوطني الليبي في السيطرة على منطقة غريان وقصر بني غشير وعدد من البلدات الأصغر. كما سيطر أيضا على مطار العاصمة المدمر القديم.

وتسارعت وتيرة القتال وسط حديث عن تقدم الجيش الليبي في عدة محاور حيث يجري القتال الآن للسيطرة على عين زارة والعزيزية، وهما بلدتان قرب العاصمة طرابلس، وعلى منطقة أبو سالم التي تبعد نحو 7 كيلومترات عن مركز طرابلس.

وأكد المتحدث باسم الجيش الليبي أحمد المسماري، أن قوات الجيش الليبي تحقق تقدما ميدانيا ممتازا في معركة طرابلس.وأضاف المسماري، أن القيادة العامة للجيش تحصلت على معلومات بنقل بعض مؤسسات الدولة من طرابلس إلى مصراته، مشيرا إلى أن قوات الاحتياط بدأت الاستعداد لفتح محاور جديدة، وسيتم استخدام قوات المشاة والمدرعات في المعارك القادمة.

وكان المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي،أكد الجمعة،خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، أن قواته تسعى إلى إنهاء العملية العسكرية لتحرير العاصمة الليبية طرابلس من قبضة ميليشيات مسلحة خارجة عن القانون وغير نظامية في أقرب وقت.

ويعزو مسؤولون ليبيون تأخر الحسم في معركة طرابلس الى حماية المدنيين،وفي هذا السياق، قال عبد الهادي الحويج، وزير خارجية الحكومة المؤقتة، لوكالة "أسوشيتد برس" من تونس الأحد إن تقدم الجيش الوطني الليبي تباطأ بسبب مخاوف على المدنيين في منطقة طرابلس الكبرى، والذي يقدر عددهم بنحو ثلاثة ملايين مدني

واعتبر الحويج أنه "إذا لم يوضع المدنيون في الحسبان، لكانت المعركة قد انتهت خلال أقل من أسبوع".وأضاف الحويج: "الجيش اليوم على بعد 20 كيلومتراً من طرابلس. وهو يسيطر على المطار القديم والجسر الذي يربط المطار بمركز المدينة.

من جهته،قال اللواء عبدالسلام الحاسي، آمر غرفة عمليات المنطقة الغربية في الجيش،الموجود على تخوم طرابلس، ويقود قوات الجيش ضمن عملية "الفتح المبين"، إن "قوات الجيش تتقدم بهدوء وفي الاتجاهات المحددة لها"، لافتاً إلى أن سبب احتدام القتال في المحور الجنوبي للعاصمة هو "وجود كل المتطرفين من الزاوية وجنزور هناك".

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن الحاسي،أن "كل المجموعات المتطرفة تركزت في المحور الجنوبي الغربي للعاصمة طرابلس"، موضحاً أن "الميليشيات الإرهابية ما زالت تستهدف المدنيين بالقصف العشوائي في محاولة لإلصاق التهمة بالجيش وتشويهه".

وأكد الحاسي أن الجيش لم يقصف أي مكان بالأسلحة الثقيلة. وتابع:"الأمور مطمئنة تماماً، ووضع قواتنا المسلحة مطمئن جداً"، لكنه رفض تأكيد احتمال انتهاء العمليات وتحرير العاصمة قبل حلول شهر رمضان المبارك، وأضاف:"نسير وفقاً للجدول الزمني، وهناك مستجدات على الأرض بشكل مستمر".وفق ما نقلت الصحيفة.

وتجددت لاتهامات لحكومة الوفاق بالتعويل على عناصر ارهابية في الحرب ضد الجيش الليبي،وجاء ذلك مع أعلان القيادي الإرهابي الفارّ عبدالسلام شغيب عن وجوده في العاصمة طرابلس، وأكدّ جاهزيته للقتال ضد قوات الجيش الليبي في معركة تحرير طرابلس من الإرهاب، في مؤشرّ على تزايد أعداد المقاتلين المتصلين بتنظيمات إرهابية، في صفوف القوات الموالية لحكومة الوفاق.

وظهر شغيب، الذي ينتمي إلى تنظيم داعش، في مقطع فيديو، تمّ تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، دعا فيه كل العناصر الإرهابية المتواجدة في ليبيا، إلى التوجه للعاصمة طرابلس ومشاركة المليشيات المسلحة المدعومة من حكومة الوفاق القتال ضد قوات الجيش الليبي، كما هدّد باقتحام "سجن معيتيقة" الذي يضم أخطر المعتقلين في قضايا الإرهاب والقتل والاتجار بالمخدرات، من أجل تسريحيهم لتعزيز صفوف المليشيات المناهضة لدخول الجيش الليبي للعاصمة طرابلس.

ومنذ أكثر من أسبوع انضمّ إلى معركة طرابلس، "أمير الحرب وذراع الإخوان" صلاح بادي، الخاضع لعقوبات أممية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وتقويض الاستقرار، وكذلك مهرب البشر سيّئ السمعة ميلاد عبر الرحمن المدرج على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي، ومعهما الإرهابي المطلوب للقضاء "زياد بلعم"، القيادي المؤسس في ما يسمى مجلس شورى ثوار بنغازي المرتبط بتنظيم القاعدة، إضافة إلى عناصر من سرايا الدفاع عن بنغازي.

ولم يقتصر الأمر على العناصر الارهابية والمطلوبين بل تحدثت تقارير اعلامية عن تجنيد المليشيات للمهاجرين غير الشرعيين.وكشف تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، أن الميليشيات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس، تجبر المهاجرين غير الشرعيين المحتجزين في المدينة، على المشاركة في معاركها مع الجيش الوطني الليبي.

ومنذ بدء معركة طرابلس في 4 أبريل الجاري، قال مهاجرون ولاجئون في 3 مراكز احتجاز في طرابلس ومحيطها، للصحيفة، إنهم أخرجوا من القاعات وأُمروا بحمل الأسلحة، مع نقل بعضهم إلى قواعد عسكرية حول المدينة.ويشعر عدد كبير من المهاجرين المحتجزين داخل مجمع عسكري في مدينة تاجوراء (11 كيلومترا شرق طرابلس)، بالقلق من أنهم سيصبحون ضحايا أو أهدافا بعد إجبارهم على دعم الميليشيات المسلحة في طرابلس.

وقال مهاجر محتجز داخل أحد معسكرات المهاجرين في محيط طرابلس:"لا ننام أبدا بسبب الخوف. يمكننا سماع صوت البنادق وانفجار القنابل بالقرب من مركز الاحتجاز".وتقول منظمات حقوق الإنسان، إن إجبار اللاجئين والمهاجرين المحتجزين، على دعم الجماعات المسلحة، يمكن أن يشكل جريمة حرب، وفق ما نقلت الصحيفة عن مسؤول في "هيومن رايتس ووتش".

وتزايدت القناعة لدى القوى الدولية حول جدية الخطر الذي تمثله العناصر الارهابية المتمركزة في العاصمة الليبية،وظهر ذلك جليا في الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمشي خليفة حفتر، الأسبوع الماضي،والذي عبر بحسب مراقبين عن دعم أمريكي واضح لمقاربة الجيش الليبي العسكرية في تخليص طرابلس من المليشيات المسلحة.واعتبر أحمد المسماري الناطق باسم الجيش الليبي الاتصال بين ترامب وحفتر بأنه انتصار في المعركة السياسية عبر إقناع العالم بأن القوات المسلحة تكافح الإرهاب.

وبدوره،قال وزير الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة، عبد الهادي الحويج،تعليقا على هذه المكالمة الهاتفية: إن"المعركة التي يقودها اليوم الجيش الليبي هي نيابة عن العالم، وإن الحرب على الإرهاب تعد معركة كونية، لأن الإرهاب لا وطن ولا دين ولا جنسية له وبالتالي مسؤولية مقاومته هي مسؤولية جماعية".

ونقل موقع "ارم نيوز"،عن الحويج قوله،إن "الميليشيات المسلحة والقوات الخارجة عن القانون وتهديداتها المباشرة تحول دون الجلوس على طاولة الحوار والخروج بحل سياسي في ليبيا".وشدد الحويج على أن حكومته "تعول على الليبيين وعلى دول الجوار"، مطالبًا السلطات التونسية بـ"التدخل لمساعدة الفرقاء الليبيين على التوصل إلى حل سياسي للأزمة".

وبالتزامن مع الدعم الدولي يتصاعد التأييد المحلي لعمليات الجيش الليبي في طرابلس،حيث انضمت الإثنين كتائب عسكرية من الزنتان والرجبان إلى المعركة التي يقودها الجيش الوطني الليبي على آخر معاقل الميليشيات في العاصمة طرابلس، وهو ما وسع نطاق الدعم المحلي لهذه المعركة الحاسمة

ونشرت صفحات مؤيدة للجيش بقيادة المشير خليفة حفتر مقاطع فيديو تبين وصول أرتال عسكرية إلى مدينة غريان لمساندة القوات المسلحة. وأكدت تلك الصفحات انضمام كل من اللواء 217 مجحفل والكتيبة 199 إلى معركة تحرير طرابلس من الميليشيات والجماعات الإرهابية.بحسب ما أكدت صحيفة "العرب" اللندنية.

وكانت كتائب عسكرية في مدينة بني وليد معقل قبائل ورفلة ذات الثقل الديمغرافي والاجتماعي، أعلنت السبت مساندتها للجيش في حربه على الميليشيات. وأعلنت كتيبة حماية مطار مدينة بني وليد وكتيبة 52 مشاة وقوة الردع بني وليد الانضمام إلى قوات الجيش الليبي. وقالت القوات في مقطع فيديو مصور، إن القوات العسكرية في بني وليد تؤكد "انصياعها لأوامر القيادة العامة وامتثالها لعملية تحرير العاصمة من الميليشيات والدواعش المرتهنين لقطر وتركيا.

من جهتهم،أعلن الإثنين منتسبو مديرية أمن بني وليد والبالغ عددهم 700 فرد تبعيتهم لوزارة الداخلية بالحكومة المؤقتة، مرجعين هذه الخطوة إلى "إيمانهم بواجبهم الوطني واقتناعهم بما تقوم به القوات المسلحة من تضحيات تجاه الوطن والمواطن ضد العصابات الإجرامية والإرهابية الممولة من قبل الدول الراعية للإرهاب.

وأكد منتسبو مديرية بني وليد على انصياعهم التام وجاهزيتهم لتنفيذ تعليمات وزير الداخلية بالحكومة المؤقتة المستشار إبراهيم بوشناف. وشدد رجال الأمن على أن  موقفهم هذا جاء من أجل بسط الأمن في كافة ربوع الوطن من العصابات الإرهابية المؤدلجة.

وخرج ليبيون الاثنين، في مظاهرات مؤيدة للعملية العسكرية التي أطلقها الجيش، لتخليص العاصمة طرابلس من سطوة الميليشيات المسلحة والمجموعات المتطرفة، وتحريرها من الإرهاب.ورفع المتظاهرون في مدينة بنغازي صور المشير خليفة حفتر، ولافتات داعمة لخطط الجيش الليبي في حربه ضد الإرهاب، ومساندة لمساعيه في تحرير كل البلاد من التنظيمات الإرهابية.

وفيما تتصاعد حدة المعارك على تخوم العاصمة الليبية،يتزايد الرهان على الجيش الوطني الليبي في النجاح في انهاء نفوذ المليشيات المسلحة التي ترسخ وجودها في المدينة منذ سنوات وشكلت عائقا أمام انهاء الفوضى وبناء الدولة.ويرى مراقبون أنه وبالرغم من التحالفات التي كونتها المليشيات ضد الجيش الليبي فإن الأخير يمتلك نقاط قوة أبرزها التنظيم العسكري في مقابل فوضوية المليشيات ناهيك عن الخبرة التي اكتسبها خلال المعارك الماضية في شرق وجنوب البلاد،وهو ما يجعله قادرا على حسم المعركة في المرحلة القادمة.