لطالما قال المسؤولون والسياسيون بأنهم "يخوضون حربا بلا رحمة ضد الارهاب"، الا أن هجوما في مكان حيوي وذو دلالة مثل متحف باردو المجاور للبرلمان يعد مؤشرا حول قدرات الدولة التونسية للتصدي لظاهرة الارهاب التي تتوسع في مختلف الاتجاهات.
منذ 2011 عرفت تونس الكثير من العمليات الارهابية، ولكنها لأول مرة تصل إلى قلب العاصمة التونسية، ولأول مرة تضرب الأجانب وبيد قوية، فقد أسفر هجوم الأمس لمقتل 22 شخصا منهم 20 سائحا.
يعتبر المختصون أن الدولة التونسية مترددة في اتخاذ استراتيجية ناجعة لضرب الارهاب، غير أن هذا البلد يعاني من ظروف موضوعية تجعل الارهاب قابلا للتمدد. لعل أحدها هو أن تونس هي من ابرز الدول الممثلة تركيبة الجماعات الإرهابية مثل داعش وأنصرا الشريعة وجبهة النصرة التابعة للقاعدة. وتقول معطيات استخباراتية دولية ان ما يقدر بما بين 2000 و3000 تونسي يتحركون ضمن هذه التنظيمات وهؤلاء مرتبطون عضويا بالمجتمع التونسي، وبعضهم قياديون قادرون على تمرير خبراتهم لشبان تونسيين فيا لداخل باستعمال التكنولوجيا، كما يستفيدون من الظروف الاجتماعية في استقطاب المتطرفين الجدد.
العامل القوي المؤثر هو أن تونس محاصر بأحزمة ارهابية دولية، فالجزائر لم تكن يوما خالية من المتطرفين منذ أن ظهروا فيها في الثمانينات وخاصة في موجة عودتهم من افغانستان. وينضاف إلى ذلك أن ليبيا الجارة الثانية قد تحولت الى مستقر للإرهاب خاصة في جنوبها، ومؤخرا بظهور داعش وعملياته الكبرى فيها.
كما أن تونس أصبحت بعد الثورة، أحد البلدان "المستقلة" ارهابيا أي ان بعض التنظيمات تتحرك فيها داخليا دون ارتباط باستراتيجية عابرة للبلدان وهذا هو شأن تنظيم عقبة بن نافع او تنظيم أنصار الشريعة التونسية بقيادة أبو عياض.
تظل تونس مثالا لبلد نجح فيه الاسلام السياسي لدخول سلس للحياة السياسية، وذلك بنجاحات حزب النهضة في رهانات انتخابية بعد الثورة، وقد شكلت حكومتين، أسقطت كلاهما على خلفية عمليات اغتيال سياسي تبين فيما بعد بأنها كانت عن طريق عناصر ارهابية، وهنا توجد لخبطة كبرى في تبني هذه العمليات؛ من أنصار الشريعة كما تقول الرواية الرسمية الى داعش كما يدعي أحد الفيديوهات، وقد تكرر الأمر خلال عملية باردو حيث قيل بأن تنظيم عقبة ابن نافع هو المسؤول قبل أن يظهر اليوم على شبكات التواصل الاجتماعي فيديو لداعش يتبنى العملية.
الحكومة الحالية التي تسلمت مهامها منذ أشهر قليلة، كانت مهمة الإرهاب أهم ما ينتظرها، ولكنها بما حدث في باردو اصبحت تحت الضغط. حتى أن رئيس الحكومة الحبيب الصيد اعترف بأن المنظومة الأمنية تخترقها العديد من الثغرات وخاصة على مستوى التنسيق بين الجيش والشرطة.
وهنا يقول أحمد ادريس، رئيس مركز الدراسات المتوسطية والدولية أن "المؤسسات الأمنية في تونس لم تتأقلم مع تحركات الارهاب الحالية. لا بد من سلسلة من تعليمات صحيحة لكي نصل إلى نجاعة" ويدعو بالمناسبة إلى مراجعة يعتبر بأنها كان من المفترض ان تحصل منذ سنوات.
ويضيف أن "هجوم يوم الاربعاء يحمل بعدا جديدا هو أن الجماعات الارهابية تتجرأ مباشرة على رموز السيادة الوطنية التونسية بعد ان كانت مكتفية بالتحرك في الجبال". وهو ما يجعل وضع استراتيجية هو الحل الوحيد لرؤية وتوقع ما يريد الإرهابيون القيام به.