ان المتجول في الشوارع التونسية، يلاحظ جليا مدى تدهور الأوضاع  بتذمر المارة والباعة وكثرة الأوساخ المتناثرة في كل مكان. فترى التونسي البسيط في الأحياء الشعبية للعاصمة يجر أذيال خيبته من حكومات متعاقبة "فاشلة فشلا ذريعا". حيث لم تشهد تونس منذ عقد من الزمن سوى تفش للفساد والفاسدين وغلاء للأسعار وتزايد مستمر للساسة والأحزاب بـ"خطابتهم المزيفة."

هكذا هي الانطباعات التي تردّد في الشارع التونسي البسيط الذي يأوي الكثير من الجوعى والعاطلين عن العمل و فاقدي المأوى والسند في غياب تام للدولة. يقول أحد الباعة بسوق يومية بالعاصمة وهو يتأمل "نصبته" الخاوية إلا من بعض "قتات" البقدونس والسلق الذابلة عند سؤاله عن رأيه من الوضع العام"يحبونا نسرقوا، يحبونا نحرقوا، يحبونا نموتوا، مفم شي لا سلعة لا خدمة، المرا في دار بوها خلاتني(هجرتني) مطيش في الشارع نهار ناكل ونهار ما ناكلش"، يواصل بحرقة أخفت دموع يأس كثيرة" بربي قلي كم سأجني من هذه"النصبة"، مليمات كان حن ربي لا تسمن ولا تغني من جوع."

في الجانب الآخر من الشارع المتراص بالمارة الحائرين في "دبارة يومهم" وتأخر الأجور لبعضهم وغيابها تماما عند آخرين، تجلس امرأة في العقد الرابع من عمرها أمام "نصبة" ثياب مستعملة "رثة" بمجرد سؤالها انفجرت الكلمات من بين شفتيها"بنيّتي هانا نستناو في رحمة ربي كان رحمنا تاو يقتلنا المرض ونرتاحوا"، مضيفة" بلادنا لم تعد تصلح للعيش ولا حتى للموت" وعند سؤالها عن الوضع السياسي أجابت" وما دخلنا في معركتهم السياسية، هم يتمتعون بالمنازل الدافئة والسيارات الفخمة والأجور الخيالية والشعب يموت جوعا وفقرا وكورونا".

يتدخل بائع آخر بجانبها" عشرة سنين يسرقوا في البلاد، بركوها، بين ليلة وضحاها صاروا جميعا من الأعيان وأصحاب الشهائد والمناصب والأملاك والعقارات، "جابوها معاهم من بريطانيا ولا منين جاو"، أنا مع قيس سعيد خليه ينظف لبلاد نلقاوش حتى ما ناكلو".يضيف"يا حسرة على عهد الزين، على الأقل "الزوالي "كان يجد فتات يقتات منه، الآن حتى الفتات "قطعوه علينا".

هي انطباعات بلهجتهم المحلية العفوية في ظل وضع اقتصادي واجتماعي ينذر فعلا بكارثة وانفجار شعبي وفق ما يؤكده الخبراء. فحتى موظفو الدولة يعانون منذ شهور من تأخر مجحف لرواتبهم وتتساءل أستاذة تعليم ثانوي في دردشة على إحدى المجموعات بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك" إلى متى يستمر الوضع على هذا النحو، المرتبات تأتي متأخرة وترحل على عجل ولا تكفي حتى حاجياتنا البسيطة بل يجد الموظف التونسي نفسه، مدينا براتبين إضافيين أو أكثر؟ إلى متى سيستمر هذا الوضع؟". كما يتساءل المراقبون والمحللون الدوليون "هل ستستمر تونس في خلاص ديونها ومعاركها السياسية في ظل تدهور كل مؤشرات حقوق الإنسان حتى الحق في العيش الكريم".

 يعتبر العام 2021 من أسوأ السنوات التي مرت بها تونس بعد انفجار غير مسبوق للأوضاع وانهيار حاد للوضع الاقتصادي والإجتماعي عدا عن الوضع السياسي المتدهور أساسا، وتزلزل الطبقات الاجتماعية مع ارتفاع حاد في نسبة البطالة، حيث بلغت في الربع الثالث من العام 2021، 18.4 بالمائة أي  762 ألف عاطل عن العمل  مقابل 17.4 بالمائة سنة 2020.وارتفاع نسبة التضخم بـ6.3 ،وتضاعف إجمالي الدين العام  الذي بلغ 102 مليار دينار تونسي، أي ما يعادل 35.6 مليار دولار مع نهاية العام ويمكن اعتبار أن باقي المؤشرات على اختلافها تعاني من نفس النسب السلبية المتدنية.

وفي أحدث تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي حول مختلف المخاطر العالمية طويلة المدى الذي أجري على  124 دولة بينهما دولتين عربيتين فقط هما تونس والمغرب، وحسب منهجية التقرير يتعيّن اختيار المخاطر الخمسة الكبرى من بين 35 مخاطر محتملة تهدد هذه البلدان خلال العامين المقبلين .واعتبر التقرير أنّ انهيار الدولة يمثل الخطر الأوّل الذي ستواجهه تونس، إضافة إلى التداين والبطالة وتواصل الركود الاقتصادي وانتشار النشاط الاقتصادي غير القانوني.

وأكّد المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، الشريك الرسمي للمنتدى الاقتصادي العالمي، والذي أجرى هذا الاستطلاع بالنسبة لتونس،من جانبه أنّ المخاطر المذكورة والتي تهدد تونس كانت بالفعل موضوع نقاش خلال أيام المؤسسة، الملتئمة خلال شهر ديسمبر /كانون الأول الماضي، وتمّ خلالها تقديم مقترحات لتجنب المخاطر الاقتصادية والاجتماعية.وأوصى المعهد، في هذا السياق، بوضع دستور اقتصادي يرتكز على ميثاق التضامن الاقتصادي والاجتماعي بين عالم الأعمال والمجال السياسي بما يسمح بتجنب المخاطر الاقتصادية والاجتماعية.

فبعد "ثورة الياسمين" حلم الشباب والشعب التونسي عامة بغد أفضل وأكثر نماء، وتوازن اقتصادي واجتماعي وحقوقي في ظل مشهد سياسي تشاركي لكن يبدو أن بتلات الياسمين "ذبلت" قبل أن يتحقق الحلم التونسي في تغيير الأوضاع المعقدة التي تضع أصحاب القرار مباشرة أمام التنازلات أو التراجع.