تستعد إيطاليا لتنظيم مؤتمر دولي هذا الشهر يجمع الأطراف الليبية الفاعلة في المشهد السياسي من أجل الوصول إلى تسوية سياسية تنهي الأزمة التي حلت بالبلاد منذ سنوات. وتسعى من خلاله روما إلى حضور دولي واسع أملا في خروجه بنتائج إيجابية.

ويأتي مؤتمر باليرمو بعد أشهر من اجتماع باريس في مايو الماضي، الذي يرى مراقبون أنه "تعثر بعد تنصل الأطراف الليبية من مخرجاته وعدم تنفيذ بنوده واعتماده على تواريخ محددة".

أجندات المؤتمر

تحرص روما على حضور ممثلي الأطراف الليبية الأربعة الذين سبق وأن شاركوا في لقاء باريس نهاية مايو/أيار الماضي، الذي شهد التوصل إلى اتفاقات مهمة لم يتم التوقيع عليها ولم يتحقق أي شيء منها، وأبرزها إنجاز الإطار الانتخابي في سبتمبر/أيلول الماضي كأساس لإجراء انتخابات عامة في البلاد خلال ديسمبر/كانون الأول القادم.

وبسبب ما أثاره الاتفاق الفرنسي من تساؤلات، اتخذت فيما يبدو شخصيات ليبية موقفاً متحفظاً من مؤتمر باليرمو، من بينها حفتر، الذي تحرص إيطاليا على مشاركته كونه طرفاً أساسياً في المشهد، فيما ستستضيف روما أيضاً، قبل وبعد زيارة اللواء المتقاعد، رئيس مجلسي النواب والدولة، عقيلة صالح وخالد المشري، في زيارات منفصلة.

وقال مصدر دبلوماسي رفيع من السفارة الليبية في روما إن "الحكومة الإيطالية تعمدت استضافة القادة الأربعة لإطلاعهم على تفاصيل الخطة الإيطالية الجديدة، لتفادي صدور أي تحفظ قد يبديه أي طرف خلال المؤتمر، ومن ثم التمهيد للتوصل إلى اتفاق نهائي يتم التوقيع عليه وسط حضور دولي".

وبحسب المصدر الدبلوماسي، فإن الجانب الإيطالي أوضح للسراج أن المؤتمر المرتقب ستقسم أعماله على يومين، إذ سيخصص يوم 12 نوفمبر لمحادثات بين للقادة الأربعة (فايز السراج وعقيلة صالح وخالد المشري، وخليفة حفتر) حول بندين رئيسيين، يتعلق الأول بالوضع الأمني والاقتصادي، سيما من خلال خطة الترتيبات الأمنية وبرنامج الإصلاح الاقتصادي، والثاني حول تأجيل موعد إجراء الانتخابات إلى العام المقبل، والاتفاق على موعد محدد لها، بالإضافة للاتفاق على الإطار القانوني لإجراء الانتخابات.

ذكرت مصادر مطلعة أن الجانب الإيطالي أطلع البعثة الأممية لدى ليبيا، أثناء زيارة رئيسها غسان سلامة، الجمعة الماضية، على تفاصيل الخطة الإيطالية الجديدة التي من شأنها "المساعدة في بسط الأمن والاستقرار في البلاد".

وأكدت مشاركة البعثة خلال المؤتمر، لافتا إلى أن "روما حريصة على توقيع ممثلي الأطراف الليبية الأربعة على الخطة التي ستعرضها البعثة الأممية أمام أعضاء مجلس الأمن في الأسبوع الذي سيلي أيام انعقاد المؤتمر، والتي تختلف عن الاتفاق الفرنسي بأنها نهائية وموقعة من القادة الأربعة".

حضور مكثف 

قال بيان للحكومة الإيطالية الإثنين الماضي، إن قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر سيشارك في مؤتمر باليرمو حول ليبيا، الذي سينعقد يومي 12-13 تشرين الثاني /نوفمبر المقبل. وأجرى المشير حفتر محادثات في العاصمة الإيطالية روما مع رئيس الوزراء جوزيبي كونتي ومسؤولين إيطاليين آخرين.

ونقل البيان الذي صدر عقب الاجتماع أن حفتر أكد استعداده لحضور "مؤتمر بنَّاء ويعكس مراهنة على عملية جامعة متمشية ضمن ما يطمح له الشعب الليبي". وتبادل حفتر وكونتي بحسب البيان وجهات النظر حول المؤتمر، وكرر رئيس الحكومة الإيطالية الإشارة إلى الدور   الميسر الذي تعتزم إيطاليا القيام به. وأشار أن المؤتمر سيكون  مؤتمر ليبيا وليس حول ليبيا مستوحى من مبدأين أساسيين، هما الاحترام الكامل لتولي الليبيين المسؤولية في المؤتمر وضمان شمولية العملية.

في سياق متصل، تشهد منطقتا شمال أفريقيا وأوروبا حراكا متسارعا، ولعل من أبرز الاجتماعات واللقاءات هو ما تم بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على هامش قمة العشرين وإفريقيا في برلين، حيث تم الحديث عن الملف الليبي وكيفية إيجاد آلية له في مؤتمر باليرمو المقبل.

وبحسب وسائل إعلام إيطالية، فإن رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، الموجود في الهند حاليا، يتجهز لزيارة تونس والجزائر للحديث حول الترتيبات التي سيتم اتخاذها في مؤتمر باليرمو المزمع عقده منتصف شهر نوفمبر.

من جهة أخرى، هناك اجتماع آخر منتظر بين دول جوار ليبيا وهي تونس ومصر والجزائر نهاية هذا الشهر، بحسب ما تم 1الإعلان عنه منذ مدة، غير أنه لم يعقد حتى الآن. وتبقى نظرة المجتمع الدولي لأزمة ليبيا كفيلة في أن يتم الضغط على جميع الأطراف المحلية لوضع جدول زمني وآلية يتم من خلالها ترتيب البيت الداخلي ولملمة شتاته.

أصداء المؤتمر

التحركات الكبيرة التي تقوم بها إيطاليا لعقد مؤتمر باليرمو يومي 12 و13 نوفمبر المقبل، تؤكد أنها تريد نجاحا لافتا، يتجاوز الإخفاق الذي لقيه مؤتمر باريس في 29 مايو الماضي، فلم يتمكن من تنفيذ جميع مخرجاته السياسية لأنه وضع العربة أمام الحصان.

يشير الصحفي محمد أبو الفضل لصحيفة العرب أن المنافسة المحتدمة بين روما وباريس ظهرت تجلياتها على الساحة الليبية، وبدت واضحة في مواقف مختلفة كادت تفضي إلى صدام سياسي بين الجانبين، ربما تكون هدأت ملامحه، لكن معالمه الرئيسية لا تزال كامنة، ويمكن أن تنفجر في أي لحظة حاسمة.

إيطاليا تدخل مؤتمر باليرمو وتدرك أنها إما أن تربح المعركة في ليبيا بالضربة القاضية، أو تخسرها تدريجيا وتفقد معها الكثير من النقاط والمكاسب السياسية والاقتصادية والأمنية التي ترنو لها وراهنت عليها منذ اندلاع الأزمة، وجعلتها لم تتوقف عن الانخراط في معظم تفاصيلها، وفتح قنوات مع جهات عدة، وعقد تحالفات مع دوائر لا تحظى بشرعية قانونية، كما تفعل مع الميليشيات المسلحة التي أضفت عليها غطاء منحها تواجدا سياسيا مثيرا للانتباه.

الترتيبات التي تقوم بها روما حاليا تتسع وتتشعب في الكثير من المفاصل الليبية، فهي تتحاور مع حليفها السراج، وتفتح قنوات مع عدوه اللدود حفتر، ولديها اتصالات جيدة مع كل من عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي في طبرق، وخالد المشري رئيس مجلس الدولة في طرابلس، ولا تزال منفتحة على الكتائب المسلحة، وغسان سلامة المبعوث الأممي في ليبيا. ناهيك عن الحوارات المكثفة من قبل مراكز ومؤسسات تابعة للمجتمع المدني الإيطالي يجوب أفرادها ليبيا شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، بذريعة تقديم مساعدات إنسانية بينما هي تعمل وفقا لأجندة سياسية.