شهدت عدة مدن ليبية على مدار الأشهر الماضية توترا أمنيا كبيرا، ففي العاصمة الليبية تكررت الإشتباكات المسلحة بين الميليشيات مخلفة خسائر بشرية ومادية كبيرة،وفي مدن الجنوب تأزمت الأوضاع في ظل إنتشار العصابات الأجنبية التي تمارس القتل والنهب والخطف، ودخل الإرهاب على الخط بعملية إرهابية خلفت عددا من الضحايا وعمقت جراح المنطقة المنهكة من الصراعات والتهميش.

وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة، تتجه الأنظار نحو التحركات الدبلوماسية الأخيرة المتمثلة في مؤتمر إيطاليا،والذي يسعى لجمع أطراف النزاع الليبي في محاولة للخروج من الأزمة الخانقة.


** دعم دولي

وتستعد إيطاليا لعقد مؤتمر في 12 و13 نوفمبر المقبل حول الأزمة الليبية، وهو المؤتمر الذي ينظر إليه كرد على مؤتمر باريس الذي جرى تنظيمه في مايو الماضي. وأجرت روما سلسلة لقاءات واتصالات استباقا للمؤتمر في مسعى لإنجاحه، حيث استقبلت نهاية الأسبوع الماضي المبعوث الأممي غسان سلامة ورئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، كما نجحت في انتزاع دعم أميركي.

وأجرت إيطاليا مشاورات مع ألمانيا بشأن التحضير لمؤتمر باليرمو حول ليبيا. وقال السفير لألماني لدى ليبيا اوليفر اوفكزا في تغريده له بموقع "تويتر"، "مشاورات مع الشركاء الإيطاليين في روما، حيث التحضيرات على قدم وساق لمؤتمر باليرمو".وتابع "أعجبت بالتركيز على الشمولية والمضمون كما إن ألمانيا ستدعم وبشكل خاص الوحدة الأوروبية في عملية الشراكة مع ليبيا".

وأعلن وزير الخارجية الإيطالي إنزو موافيرو، السبت، على هامش مؤتمر في مدينة فلورنسا الإيطالية، أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ستكون من بين الزعماء الأجانب الذين سيحضرون الاجتماع، بينما تعهدت الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا بإرسال ممثلين رفيعي المستوى للمشاركة.

وحرصت إيطاليا على ضمان الدعم الروسي،حيث استبق رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي المؤتمر بزيارة إلى موسكو،الأسبوع الماضي، التقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.وأكد كونتي أن "روسیا عامل أساسي في عملیة تثبیت الاستقرار في لیبیا"، مشددا على أنه تلقى "دعما كاملا من الرئیس بوتین".

وتعد روسيا لاعبا مهمّا في ليبيا، حيث تحظى بعلاقات قوية مع السلطات شرق البلاد بما في ذلك الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، كما نجحت في السنوات الأخيرة في ربط علاقات مع حكومة الوفاق في طرابلس.قال الرئيس الروسي، ردا على سؤال الصحفيين بشأن ما إذا كان سيحضر المؤتمر شخصيا: "لا أعرف بعد ما إذا كنت سأستطيع المشاركة شخصيا، لكن التمثيل الروسي سيكون عاليا".


** دعم إقليمي

على صعيد آخر،تسعى إيطاليا إلى كسب دعم دول الجوار الليبي،وأفادت مصادر إعلامية إيطالية بأنه من المتوقع أن يؤدي رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي زيارة رسمية إلى الجزائر وتونس في الأيام المقبلة. وحسب صحيفة "إلـ ميساجّيرو"، فإن زيارة كونتي، تأتي في إطار التحضيرات لمؤتمر باليرمو حول الأزمة الليبية.

ونوهت الصحيفة بأن الموقف الجزائري، على وجه الخصوص، أصبح أكثر قربا إلى ذلك الايطالي منه إلى الفرنسي، بشأن استحالة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ليبيا في موعد العاشر من ديسمبر المقبل حسبما أوصى مؤتمر باريس، الذي انعقد في شهر ماي المنصرم.

وكان رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي،بحث مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الجمعة، تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط ومستجدات الأزمة الليبية. جاء ذلك وفق بيان للرئاسة المصرية، خلال اتصال هاتفي تلقاه السيسي من كونتي.وتناول الاتصال، حسب البيان،"التباحث حول الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وآخر المستجدات الخاصة بعدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المتبادل، من ضمنها الملف الليبي".وجدد الجانبان، التأكيد على "دعم جهود التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة الليبية على نحو يلبّي طموحات الشعب الليبي في استعادة الاستقرار والأمن".


** الأطرف الليبية

من جهةأخرى، كثَّفت الحكومة الإيطالية تحركاتها لإقناع الأطرف الليبية بحضور المؤتمر القادم، وخاصة القائد العام للقوات المسلحة الليبية، المشير خليفة حفتر، الذي تعتبر روما عدم حضوره سببا قد   يقضي على أي آمال للتوصل إلى تسوية سياسية في هذا البلد الممزق بالصراعات. 

والأحد وصل القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر إلى إطاليا،حيث أجرى محادثات في العاصمة روما مع رئيس الوزراء جوزيبي كونتي ومسؤولين إيطاليين آخرين.وقال بيان للحكومة الإيطالية الإثنين، إن قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر سيشارك في مؤتمر باليرمو حول ليبيا، الذي سينعقد يومي 12-13 تشرين الثاني /نوفمبر المقبل.

ونقل البيان الذي صدر عقب الاجتماع أن المشير حفتر أكد استعداده لحضور "مؤتمر بنَّاء ويعكس مراهنة على عملية جامعة متمشية ضمن ما يطمح له الشعب الليبي".وتبادل حفتر وكنتي بحسب البيان وجهات النظر حول المؤتمر، وكرر رئيس الحكومة الإيطالية الإشارة إلى الدور "الميسر" الذي تعتزم إيطاليا القيام به.

وكان رئيس الوزراء الإيطالي، جوسيبي كونتي،التقى،الجمعة، رئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، وقال بيان لإدارة التواصل والإعلام برئاسة مجلس الوزراء الليبي، إن "الاجتماع حضره عدد من المسؤولين الإيطاليين والوفد المرافق للرئيس".وأشار البيان إلى أن "رئيس المجلس الرئاسي، عبّر من جانبه عن سعادته بلقاء كونتي، في إطار عملية التشاور بين البلدين الصديقين، معرباً عن تقديره لمواقف إيطاليا الداعمة لحكومة الوفاق الوطني وللمسار الديمقراطي في ليبيا".

من جهة أخرى،تحدثت تقارير إعلامية عن زيارة مرتقبة لرئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح. وقالت صحيفة "الشرق الأوسط"، أن رئيس مجلس النواب الليبي، سيحل ضيفاً على العاصمة الإيطالية غداً الأربعاء، تلبيةً لدعوةٍ من رئيس الحكومة الإيطالية. وقال متحدث باسم البرلمان الموجود في طبرق إن صالح سيجري مشاورات مع مسؤولين في الحكومة الإيطالية تمهيداً للاجتماع الدولي في مدينة باليرمو، في محاولة لإيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية.

ويرى مراقبون أن مؤتمر باليرمو هو رد على مؤتمر باريس الذي عقد تحت رعاية الرئيس إيمانويل ماكرون في  نهاية أيار/مايو الماضي،وجمع الأطراف الأساسيين الأربعة في النزاع الليبي الذين تعهدوا بتنظيم انتخابات عامة في 10 كانون الأول/ديسمبر 2018.ويتوقع أن يتم خلال المؤتمر إعلان تأجيل الانتخابات الليبية، وهو ما ألمحت له روما في أكثر من مناسبة.