يزداد المشهد الليبي تعقيدًا من يوم إلى آخر في ظل تواصل حالة الفوضي والصراعات التي كرستها الإنقسامات ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية في أغلب المناطق والتي تؤثر بشكل كبير على المواطن،وتدفع هذه الأوضاع نحو تسارع التحركات على أكثر من صعيد في محاولة لإنهاء الأزمة في البلاد.

إلى ذلك،التقى القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر وزير الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، الإثنين، بمقر القيادة العامة بالرجمة قرب بنغازي.وتعتبر هذه الزيارة التي أداها وزير التونسي إلى ليبيا الثالثة، بعد الزيارة الأولى التي كان أداها في 11 جوان إلى العاصمة الليبية طرابلس، والثانية التي أداها إلى مدينة طبرق في 26 من نفس الشهر.

المبادرة التونسية

وأفادت الخارجية التونسية، بأن "زيارة الجهيناوي تهدف إلى تفعيل مبادرة الرئيس الباجي قايد السبسي من أجل ايجاد مخرج للازمة السياسية في ليبيا".وقال الجهيناوي إن "تونس تتطلع إلى عودة الاستقرار والأمن إلى ليبيا في أقرب الأوقات بجانب استعدادها لوضع كل خبراتها على ذمة الليبيين لتسريع نسق الإعداد للانتخابات المقبلة، والمقررة نهاية العام الجاري".

وتدعم تونس إلى جانب الجزائر ومصر ايجاد تسوية سياسية شاملة في ليبيا تشمل جميع الفرقاء تحت مظلة الأمم المتحدة.وكان الرئيس التونسي أطلق خلال شهر فبراير 2017، مبادرة لإيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية، وحظيت تلك المبادرة بدعم مصر والجزائر، لتتحول بذلك إلى مبادرة ثلاثية، دعمتها الجامعة العربية خلال القمة التي عقدت في منطقة البحر الميت بالأردن شهر مارس من العام 2017.

وكان الجهيناوي التقى أيضا في العاصمة الليبية طرابلس، وزير الخارجية الليبي محمد الطاهر سيالة،حيث ناقش الوزيران آخر مستجدّات المسار السياسي في ليبيا.كما بحث الطرفان سبل تنشيط التبادل التجاري واستئناف العمل بالاتفاقات المبرمة بين البلدين قبل سنة 2011 والنظر في سبل تجاوز الاشكاليات التي تطرأ على مستوى المعابر الحدودية بين البلدين.

وبدوره،عبر قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر،عن التزامه بمخرجات باريس وبالحل السياسي للأزمة الليبية.وأشار بيان نشرته وزارة الخارجية التونسية، إلى أن حفتر "نوه إلى وقوف تونس إلى جانب الشعب الليبي وبالجهود التي يبذلها رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي للدفع باتجاه إيجاد تسوية للأزمة في ليبيا تحظى بإجماع مختلف الأطراف الليبية بعيدا عن التدخلات الخارجية.

يأتي ذلك بالتزامن مع دعوة المجلس الرئاسي الليبي، مجددا، كل الأطراف في ليبيا لتجاوز الخلافات السياسية والتسامي عن الخصومات والعمل على إنهاء الانقسام السياسي إلى جانب توحيد المؤسسات السيادية والإيفاء بالاستحقاقات والالتزامات وتهيئة الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية على قاعدة دستورية في موعدها المحدد وفقاً لمخرجات إعلان باريس.بحسب ما أكده الناطق الرسمي باسم رئيس المجلس الرئاسي محمد السلاك،الاثنين،خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي.

الانتخابات..تحركات وتشكيك 

ومع تصاعد الحديث حول الانتخابات،شكك المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة،خلال جلسة إحاطة قدمها إلى مجلس الأمن الدولي عبر دائرة تلفزيونية مغلقة،الاثنين 16 يوليو 2018، في إمكانية إجراء انتخابات بليبيا قبل نهاية العام الحالي، وقال إنه "ليس من الحكمة إجراء انتخابات في ليبيا في ظل الظروف الراهنة".مشيرا إلي أن "البلد يغرق أمامنا والوضع الراهن لا يمكن أن يستمر". لكنه رأى في المقابل، أن "البعثة الأممية هيأت منبرا للحوار في الداخل الليبي".

ويأتي هذا في أعقاب إعلان حكومة الوفاق الوطني في العاصمة طرابلس،تخصيصها أكثر من 66 مليون دينار ليبي، لصالح المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.وأشار المجلس في قراره الصادر،الأحد، أن هذا المبلغ خصص للتجهيز لتنفيذ الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي ستجرى في ليبيا، وذلك خصما من بند المتفرقات وفقا للتشريعات النافذة.

وقال المتحدث باسم رئيس المجلس الرئاسي، محمد السلاك، في تصريح لوكالة "سبوتنيك"، إن "ما قاله المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة،عن صعوبة إجراء الانتخابات يأتي في سياق طبيعي نظرا للظروف التي تشهدها البلاد من انقسام سياسي ومؤسساتي، ولذلك جددنا الدعوة لكل الأطراف لتجاوز الخلافات السياسية والتسامي عن الخصومات وتوحيد المؤسسات لتهيئة الظروف لإجراء الانتخابات في موعدها، وفقا لمخرجات اتفاق باريس في مايو/أيار الماضي".

وبدوره استكمل مجلس النواب الليبي، مناقشة مشروع قانون الاستفتاء على دستور دائم للبلاد وتم تحديد تاريخ 30 يوليو الجاري للتصويت عليه في جلسة برلمانية عامة.وبحسب بيان مصور لإدارة الإعلام بالبرلمان نشرته عبر موقعها الرسمي على الانترنت، فقد أكد عبد الله بليحق، المتحدث باسم البرلمان الليبي، أن "مجلس النواب قام باستئناف جلسته، برئاسة المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان وحضور أكثر من 70 نائبا، وتم استكمال النقاش حول قانون الاستفتاء على الدستور من جميع جوانبه".وأضاف بليحق أن "النواب اتفقوا على تحديد موعد 30 يوليو الجاري، موعدا للتصويت على قانون الاستفتاء".

وأبطلت المحكمة العليا بليبيا في فبراير الماضي، قرارا أصدرته محكمة البيضاء في أغسطس من العام 2017، بإيقاف مشروع التصويت على الدستور بدعوى عقد الهيئة التأسيسية جلسة التصويت في يوم عطلة رسمية في البلاد.وفور صدور قرار المحكمة العليا، طالب رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في ليبيا نوح عبد الله، مجلس النواب (البرلمان) بإصدار قانون الاستفتاء.

وكانت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور قد قامت في نهاية يوليو من العام 2017 بالتصويت على إقرار مسودة الدستور وأحالته إلى البرلمان الليبي المنعقد في طبرق أقصى شرق البلاد.لكن البرلمان رفض إصدار قانون الاستفتاء حتى يفصل القضاء بشأن صحة إجراءات التصويت على مسودته من عدمها.

وكان الفرقاء الليبيون قد اتفقوا خلال اجتماع باريس حول ليبيا، على تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية بحلول الـ10 من ديسمبر المقبل، على أساس دستوري للجدول الزمني الذي حدده الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وبالتشاور مع حكومة الوفاق الوطني ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمفوضية الوطنية العليا للانتخابات الوطنية.

وقد احتضنت باريس في 29 مايو الماضي، اجتماعا حول ليبيا بمشاركة رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، والقائد العام للقوات السلحة الليبية المشير خليفة حفتر، أصدروا خلاله الإعلان السياسي الليبي الذي يتضمن ثمانية مبادئ لتسوية الأزمة الليبية بحضور ممثلي 20 دولة، إلى جانب المبعوث الأممي غسان سلامة.

تمديد العقوبات

ومازالت الأوضاع الأمنية المتردية تلقى بظلالها علي ليبيا وسط مخاوف من تجدد القتال في ظل تواصل التوتر بين الأطراف المتصارعة وتحركات الجماعات المسلحة التي تنذر بمزيد من التصعيد.ودفعت هذه الأوضاع برئيس مجلس الأمن الدولي المندوب السويدي أولوف سكوغ،الإثنين،الى الدعوة إلى الإبقاء على العقوبات المفروضة على ليبيا والالتزام بكافة الإجراءات والتدابير الواردة بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.وجاء ذلك في تصريحات له بمقر الأمم المتحدة بنيويورك قبيل بدء جلسة مشاورات متعلقة بالوضع في ليبيا.

وقال المندوب السويدي، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الشهر الجاري إضافة إلى رئاسة لجنة العقوبات الدولية على ليبيا، "نحن ندعو كافة الدول الأعضاء (بالأمم المتحدة) إلى الالتزام بجميع الإجراءات والتدابير الواردة في قرارات لجنة العقوبات التابعة للمجلس، ونؤكد ضرورة تنفيذ خطة الأمم المتحدة المتعلقة بالانتخابات في ليبيا".وحذر سكوغ من خطورة الأوضاع الإنسانية السائدة في كافة مناطق ليبيا في الوقت الحالي ولاسيما في مخيمات اللاجئين والمهاجرين الأفارقة.

وتخضع ليبيا لعقوبات دولية منذ آذار/ مارس 2011 تشمل حظر تصدير السلاح إليها وتفتيش السفن في عرض البحر قبالة سواحلها بالقوة فضلًا عن تجميد الأصول المالية في الخارج.وفي يونيو 2017،أصدر مجلس الأمن،قرارا بمواصلة حظر التسليح على ليبيا لافتا إلى أن"الحالة في ليبيا لا تزال تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين".وشكل القرار خيبة أمل لكلّ الأطراف المتصارعة في ليبيا التي تطالب الأمم المتحدة برفع حظر التسليح المفروض على البلاد حتى يتسنى لها محاربة الإرهاب.