مركز الحوار الإنساني أو ما يعرف بمركز جان هنري دونانت للحوار الإنساني، هو منظمة غير حكومية مستقلة، تساعد في الوساطة بين الأطراف المتنازعة لمنع أو إنهاء الصراعات المسلحة، تأسست في 1999، بهدف تشجيع وتيسير الحوار بين قيادة الأطراف المتحاربة الرئيسية.

يتمثل أحد أهدافه الأساسية، في الحد من آلام السكان المدنيين الذين عادةً ما يجِدون أنفسهم رهائن عند اندِلاع صراعات، سواء أكانت تلك الصراعات في قلب اهتمام وسائل الإعلام أم كانت مَنسِية. وفي مثل هذه الحالات، يتدخل المركز بوصفه وسيطا أو يُقدّم الدعم والمشورة لوسطاء آخرين، من أجل ضمان الفعالية لوساطاتهم.

كان لهذه المؤسسة دور في عملية التحضير للمؤتمر الوطني المزمع عقده في الشهر المقبل بمدينة غدامس الليبية. وفي هذا السياق، يقوم المركز بنشاطات عديدة لإدارة الأزمات والوساطات في العالم، إذ ساعد الإتحاد الإفريقي في كينيا وكذلك في السودان، لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين. كما حاول المركز منذ أكثر من عشر سنوات، إقناع الحكومة الإندونيسية بالتحاوُر مع المتمرِّدين الذين كانت تصِفهم بالإرهابيين، وأفضى الحوار إلى تسوية سِلمية، جعلت قائد الثوار السابقين يصبح اليوم محافظ الإقليم المتمرّد.

 كما عرفت أنشطة مركز الحوار الإنساني تصاعدا لافتا في ليبيا وتونس، وشمال مالي وشمال نيجيريا، ولا سيما في مراحل ما بعد الثورات العربية. لكن لم تحظ هذه الأنشطة بضجيج إعلامي، مقارنة بأنشطة منظمات أو جهات فاعلة أخرى. مردّ ذلك أن المركز يعمل بالأساس وسيط ظل، أو فاعلا خلفيا غير رسمي يقدم المشورة الفنية لأطراف التفاوض، ويمهد للاتفاقات الرسمية المحلية، والوطنية بين المتنازعين

حيث كلفت الأمم المتحدة المركز بعقد 77 اجتماعا في 43 مكانا عبر ليبيا للمشاركة مع جميع عناصر المجتمع، وهي تجربة نادرة على المستوى الجذري في بلد لا يجرؤ فيه سوى قلة على التعبير عن أنفسهم بحرية خوفا من الجماعات المسلحة.

 وقال تقرير المركز المؤلف من 77 صفحة إن أكثر من 7000 ليبي شاركوا في الاجتماعات وإن 30 في المئة منهم شاركوا عبر الإنترنت لأن عدم الاستقرار جعل من المتعذر الحضور. وعبّر المركز عن أن الهدف من هذه الملتقيات هو إفساح المجال أمام ممثلي المجتمع المدني والمسؤولين المحليين للتعبير عن رؤاهم لمستقبل بلدهم والحلول التي يقترحونها للتوصل إلى رؤية تقرّب الليبيين من حل دائم.

Rami2.jpg

واحتضن مركز الحوار الإنساني في جنيف اجتماعا لعمداء بلديات ليبية (بنغازي، أجدابيا، توكرة، المرج، شحات، طبرق، الكفرة) خلال الفترة من 5 إلى 7 يوليو 2017.  وأثارت هذه المبادرة عدة استفهامات حول أهداف هذه المنظمة الدولية غير الحكومية، ومواطن قوتها، خاصة وأنها تمارس أدوارا متعددة في مجال تسهيل الحوار والوساطة غير الرسمية ليس فقط على الساحة الليبية، وإنما في العديد من الأزمات ومناطق الصراع في القارة الأفريقية.

في ذات السياق،أفاد ممثّل مركز الحوار الإنساني أميّة الصديق بأن الملتقى الوطني الليبي عملية فريدة من نوعها لأن مخرجاته قريبة من إحتياجات الليبيين. وأوضح الصديق أنه تمت دعوة الأطراف الإجتماعية والسياسية الفاعلة في ليبيا للمشاركة في أشغال المؤتمر الوطني, وذلك تحت رقابة الرأي العام المحلي.

واصل أمية الصديق, حديثه لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" أن المبادرات المذكورة مهمّة لأنها مبادرات ليبية وطنية أصيلة، داعيا الأطراف المذكورة إلى الاندماج في الملتقى الوطني من أجل تفعيل المصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا، ملاحظا في الأثناء أن دور مركز الحوار الإنساني هو تقديم الدعم لتلك المبادرات.

وأبرزت النتائج التي توصل إليها مركز الحوار الإنساني بعد عقد لقاءات عديدة في جميع مناطق ليبيا، استياء واسع النطاق بين الليبيين من الصراع بين الحكومتين والجماعات المسلحة والقبائل والمناطق المتنافسة منذ الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011. وقال المركز إنه في اجتماع واحد في مدينة سبها بجنوب البلاد والتي شهدت اضطرابات لسنوات بسبب العنف القبلي، اتفقت الجماعات المتناحرة على وقف إطلاق النار للسماح للاجتماع العام النادر، بالمضي قدما.

وكان الهدف من الاجتماعات هو إعداد مؤتمر وطني تريد الأمم المتحدة تحضيره أوائل 2019 بعد أن تخلت عن خطة لإجراء انتخابات في 2018 بسبب العنف والانقسامات السياسية.

وقال التقرير:"كثيرا ما تتم الإشارة إلى المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي فضلا عن الأصول الليبية في الخارج والتي يقترن الحديث عن العبث بها بإحساس بالمرارة ذلك أن قسما واسعا من المشاركين في المسار التشاوري يعتبر أن هذه الأصول أمانة حملهم الله إياها للأجيال المستقبلية وأن لا مناص من محاسبة كل من يعبث بها لأنه تلاعب بمستقبل ليبيا وآمال شبابها".

يقابل هذا الإستعراض لمنجزات المركز في تسهيل عملية الإنتقال السياسي في ليبيا أصوات أخرى تتّهم هذا الجسم بكونه جزء من المشكل في المشهد الليبي.

أصابع الاتهام وجهت حصرا للمبعوث الأممي غسان سلامة الذي أوكل لمركز الحوار الإنساني مهمة الأعمال التحضيرية للملتقى الوطني. حيث أفاد تقرير نشرته صحيفة اليوم السابع المصرية أن غسان سلامة أسند إلى مركز الحوار الإنساني في جنيف مهمة تيسير الاجتماعات بين الأطراف الليبية للإعداد للمؤتمر الوطني الجامع، والغريب في الأمر أن سلامة اختار مركز الحوار الإنساني الذي يحظى بدعم وتمويل ضخم من قطر منذ تأسيسه عام 1999.

وأوضح التقرير أن المركز بدأ في تنظيم لقاءات واجتماعات سواء داخل ليبيا أو خارجها في الفترة من أبريل 2018 وحتى يوليو 2018، وذلك دون وجود عدالة توزيع بين المدن الليبية والتركيز على المدن التي يسيطر عليها تيار الإسلام السياسي وخاصة في غرب البلاد.

وأضاف التقرير أن المركز يحرص على لقاء المسؤولين القطريين لتوفير سبل الدعم المالي اللازم له، مما يفقد المركز جزءا من استقلاليته التي يروج لها عبر موقعه الإلكتروني، وقد شارك المركز في تحركات  قادتها قطر في السودان ولبنان والفلبين والصومال وميانمار.

Rami3.jpg

ودعا مركز الحوار الإنساني في تقريره النهائي لفكرة دمج مسلحي الميليشيات في المؤسسات الأمنية والعسكرية الليبية، دون الإشارة لأي خطط حول كيفية تأهيل تلك العناصر وضمان ولائها للوطن، والاكتفاء بالإشارة لضرورة وضع امتيازات مالية لتلك العناصر لدمجها في قوات الأمن و هي دعوة لا تخدم حتما فكرة سيادة مؤسسات الدولة خاصة في ظل وضع من الإنفلات العام.

عموما،فإن بروز هذه الأشكال من المبادرات جاء نتيجة لعجز الديبلوماسيات الرسمية في الوصول إلى تسويات مهمة حيث أمست تحتاج بجوارها إلى تدخلات غير رسمية تمهيدا للسلام في المجتمعات لأي اتفاق تسوية رسمي كي لا يظل هشا، كما حدث في الكونغو الديمقراطية وبوروندي والسودان وغيرها.

لذلك،تنامت الاتجاهات لدى الحكومات الغربية للدفع بمنظمات المجتمع المدني لممارسة الدبلوماسية الخاصة ذات الطابع غير الرسمي كما توفر تلك المنظمات  كلفة سياسية على القوى الكبرى، حيث تعفيها من الاتصال مع جماعات مسلحة في مناطق تتماس مع مصالحها.

لا يمكن لهذه المبادرات أن تخرج عن التوجه الغربي في المنطقة و ذلك لسبب بديهي متعلق بالتمويلات حيث تغدق الحكومات الغربية هذه التشكيلات بأموال طائلة حيث ارتفعت ميزانية مركز الحوار الإنساني من 16.2 إلى 30.1 مليون فرنك سويسري سنويا بين عامي 2011-2016.

تعزز ذلك التوجه الغربي تجارب المسؤولين السياسيين والدبلوماسيين السابقين في النزاعات، على غرار تجربة الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر عبر مركزه (مركز كارتر) الذي لعب دور الوساطة في نزاعات شرق أفريقيا، وخاصة السودان وأوغندا، فضلا عن البحيرات العظمى أو الرئيس الفنلندي السابق مارتي أهتيساري الذي أسس مبادرة إدارة الأزمات سنة 2000.

إذن فإذن فإن الدور الرئيسي المعلن لمركز الحوار الإنساني هو تيسير عملية التواصل بين مختلف الفرقاء في مناطق النزاع إلا أن هذا التوجه لم يفض إلى نتائج إيجابية تذكر لعدم وعي مثل هذه التشكيلات بخصوصيات المجتمعات المحلية حيث تمارس نشاطها وفق باراديغمات موحدة تسرى على جميع التجارب دون مراعاة الفروقات الانثروبولوجية وهناك سبب آخر هو حساسية بعض المجتمعات من فكرة التدخلات الغربية سواء أكانت رسمية أم غير رسمية.