تواصل تركيا سياستها التصعيدية في المنطقة الرامية الى مد نفوذها شرق البحر الأبيض المتوسط من بوابة حكومة الوفاق الليبية التي أبرمت معها مذكرتي التفاهمات الأمنية والبحرية منذ ايام.وتجد حكومة السراج نفسها في مرمى تداعيات هذا التصعيد التركي في ظل التحركات الاقليمية لصده ما يطرح تساؤلا:هل تدفع حكومة الوفاق ثمن الأطماع التركية؟
الى ذلك،صعدت تركيا من تحركاتها على وقع الاحتجاجات الدولية المتصاعدة،من خلال اعلانها بدء التنقيب عن الغاز شرقي البحر المتوسط،معتمدة على الاتفاق الذي وقعته مؤخرًا مع حكومة الوفاق الليبية.وأعلن وزير الطاقة التركي، فاتح دونماز، أن "بلاده ستبدأ عبر مؤسساتها "المرخص لها" في استكشاف وإنتاج النفط والغاز الطبيعي في مناطق النفوذ التي يشملها الاتفاق التركي- الليبي شرق المتوسط".
وقبل أيام وقعت حكومة الوفاق الوطني الليبية والحكومة التركية، في مدينة اسطنبول، بحضور الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي، فايز السراج، على  مذكرتي تفاهم ، الأولى بشأن التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، والثانية بشأن السيادة على المناطق البحرية التي تهدف لحماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي.وفق بيان صادر عن مكتب الاتصال في الرئاسة التركية.
وصادق البرلمان التركي،أمس الخميس، على مذكرة التفاهم حول ترسيم حدود مناطق النفوذ البحرية الموقعة مع ليبيا.ووفقا لوكالة "الأناضول" التركية، صوت 293 عضوا بالبرلمان من حزب العدالة والتنمية، وحزب الشعب الجمهوري، وحزب الجيد، وحزب الحركة القومية، لصالح الاتفاقية.ومن جانبها صادقت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، على مشروع قانون لمذكرة التفاهم.
وتثير التركية معارضة شرسة من دول متوسطية عدة، ترى في تصرفات أنقرة استفزازاً، كون التنقيب المزمع يمكن أن يمس بمياهها الإقليمية، وبالتالي بحقوقها في النفط والغاز.فهناك خلاف بين قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي وتركيا منذ سنوات بشأن ملكية وقود أحفوري في شرق البحر المتوسط، حيث تقول أنقرة إنه يحق للقبارصة الأتراك الحصول على حصة من الموارد. وأرسلت تركيا سفينتي حفر وسفينة تنقيب إلى المنطقة.
وتسببت اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط في السنوات العشر الفائتة في أن تصبح المنطقة بديلا عمليا لتوريد الطاقة لأوروبا، كما أنها كشفت عن نزاعات مستمرة منذ أمد طويل بين الدول المجاورة التي تتصارع على الحقوق بشأن الموارد.وترفض تركيا الاتفاقات التي توصلت إليها حكومة قبرص المعترف بها دوليا مع دول أخرى تطل على البحر المتوسط بشأن المناطق البحرية الاقتصادية. وانتقد حلفاء غربيون عمليات أنقرة في المنطقة.
وتحاول تركيا استغلال حكومة الوفاق الليبية التي يسيطر عليها تيار الاسلام السياسي الموالي لأنقرة لتمرير خططها في المنطقة وهو ما يضع حكومة السراج في مواجهة اقليمية يبدو أن بوادرها قد بدأت مع اعلان اليونان، الجمعة، أنها قررت طرد السفير الليبي، احتجاجا على اتفاق أبرمته حكومة فايز السراج في ليبيا مع تركيا، لترسيم الحدود البحرية بينهما قرب جزيرة كريت.
وقال وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس الجمعة أمام الصحافيين إنه تم إمهال السفير ثلاثة أيام لمغادرة البلاد، موضحا في المقابل أن هذا القرار لا يعني قطع اليونان لعلاقاتها الدبلوماسية مع ليبيا.وأشار الوزير إلى أن القرار يعكس استياء الحكومة اليونانية من حكومة طرابلس، موضحا أن القرار اتُخذ بعد "عدم استيفاء الجانب الليبي للشروط التي وضعناها".وأضاف دندياس أن نص الاتفاق بين تركيا وليبيا يحمل توقيع وزير الخارجية الليبي الذي قدم للجانب اليوناني تأكيدات عكس ذلك في سبتمبر الماضي.
وكان وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، قد أعلن، يوم الاثنين الماضي، أن أثينا سترحل سفير ليبيا، إذا لم يقدم نص المذكرة مع تركيا حيال المناطق البحرية بحلول، يوم الجمعة.وقال ديندياس، في مقابلة مع القناة التلفزيونية "سكاي": "إذا لم يعطنا [السفير الليبي في أثينا] نص الاتفاق حتى يوم الجمعة، فسيعلن أنه شخص غير مرغوب فيه وسيغادر".
وأعلن دبلوماسي أوروبي،الخميس، أن "وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يبحثون الوضع المتدهور في ليبيا وتداعيات مذكرة التفاهم بين تركيا وحكومة الوفاق في طرابلس".وأشار الدبلوماسي الأوروبي، في تصريحات صحفية، إلى أن "مذكرة التفاهم حول الحدود البحرية تؤثر على مصالح دول المنطقة كافة، وتثير أسئلة كثيرة"، مشددا على أن "حكومة الوفاق لا تسيطر على ليبيا".وقال: "أطلعنا على مذكرة التفاهم ولم نتسلمها رسميا من أي من الطرفين".
وكان الاتحاد الأوروبي قد أصدر بيانا،الأربعاء 04 ديسمبر 2019، طالب حكومة الوفاق وتركيا، بتسليم نسخة من مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين "دون أي تأخير.وأوضح البيان أن "الاتحاد الأوروبي يقف متضامنا بشكل كامل مع اليونان وقبرص بشأن التحركات الأخيرة من جانب تركيا في شرق البحر المتوسط، بما في ذلك بحر إيجه"، مضيفا أنه "على تركيا أن تحترم سيادة جميع الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي وحقوقها السيادية، كما شدد المجلس الأوروبي مرارا".
كما أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري ووزير الشؤون الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، على عدم مشروعية الاتفاقية الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق، مشددين على أن السراج، قد تجاوز بتوقيعه للاتفاقية، الصلاحيات الممنوحة له بموجب الاتفاق السياسي. واعتبر الوزيران أن مذكرتي التفاهم تنتهكان قواعد القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن بشأن حظر السلاح إلى ليبيا.
وبالتزامن مع ذلك تتصاعد المطالبات برفع التاييد الدولي عن حكومة الوفاق،حيث دعا رئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبد الله الثني كلا من مصر والإمارات والسعودية وروسيا إلى اتخاذ موقف صلب وموحد بشأن حكومة السراج والتي لم تنل ثقة البرلمان، حسب تعبيره.ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن الثني قوله "إن سيادة الدولة هي التي تتحكم في أن ترعى مصالحها بالاتجاه الذي تراه مناسبا، متسائلا ما هي مصالح مصر أوالإمارات أو السعودية أو روسيا حين تعترف بحكومة الوفاق؟، لذا يجب أن يتخذوا موقفا قويا بأنها غير شرعية، وبرلمانها لا يعترف بها، إذن لا تعترف هذه الدول بها".
وكان المستشار عقيلة صالح عيسى، رئيس البرلمان الليبي، قد طالب في وقت سابق الأمم المتحدة، والجامعة العربية،بسحب اعتماد حكومة الوفاق، ومقرها طرابلس، وذلك بعد توقيع رئيسها فايز السراج مذكرة تفاهم مع تركيا بشأن التعاون العسكري وترسيم الحدود البحرية.وطالب صالح الأمين العام للجامعة "بعرض الأمر على مجلس الجامعة لكى يصدر قرارا بسحب اعتماده لحكومة الوفاق واعتماد الجسم الشرعي الوحيد، وهو مجلس النواب وما ينبثق عنه، وعدم الاعتراف بمذكرة التفاهم المذكورة واعتبارها كأنها لم تكن".
وأثارت هذه المطالبات مخاوف حكومة الوفاق التي كثف محمد سيالة، وزير خارجيتها من جهوده الدبلوماسية في محاولة لإقناع الدول العربية بعدم الاستجابة لطلب مجلس النواب الليبي، بتعليق عضوية حكومة السراج في الجامعة العربية. كما أجرى سلسلة اتصالات هاتفية، شملت وزراء خارجية الأردن، وسلطنة عُمان، وموريتانيا، بالإضافة إلى نائب وزير خارجية الكويت، لتحذيرهم من محاولات بعض الدول المساس بشرعية حكومته، باعتبارها الحكومة الشرعية، وفق ما نص عليه الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية، الذي تم اعتماده في مجلس الأمن الدولي.بحسب صحيفة "الشرق الأوسط".
وتعول حكومة الوفاق على شرعية دولية في ظل فقدانها لشرعية محلية،لكن اتفاقها مع تركيا والذي جاء تجاوزا لصلاحيات السراج وضع الوفاق في مأزق فقدان شرعيتها الدولية.وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، إن الاتفاق الموقع بين رئيس حكومة الوفاق فائز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للتعاون الأمني والبحري، يعقد الوضع في ليبيا.وأضاف شكري في كلمته بمنتدى روما للحوار المتوسطي، بإيطاليا، اليوم الجمعة، أن على حكومة السراج الالتزام باتفاق الصخيرات، حتى لا تفقد شرعيتها، مشيرا إلى أن التهديد الإرهابي في ليبيا يتوسع ويهدد دول الساحل وليس ليبيا وحدها.
عزلة حكومة الوفاق أثارت ايضا قلق الرئيس التركي الذي قال على هامش قمة حلف الناتو التي احتضنتها العاصمة البريطانية لندن حول مذكرة التفاهم بين بلاده وطرابلس، إن "مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وليبيا حول تحديد الصلاحيات البحرية بين البلدين، ستحقق هدفها طالما تحلت الحكومة الشرعية في ليبيا بالصمود وبقيت متماسكة".
ويعبر ربط أردوغان لنجاح الاتفاقية المبرمة بين بلاده وحكومة الوفاق الليبية، بمدى صمود الحكومة التي يرأسها فايز السراج في وجه الانتقادات الدولية والعربية المتصاعدة،على قلق واضح من التداعيات القادمة التي تشير الى انتهاء حكومة السراج في ظل الضغوط المحلية والدولية وهو ما يعني فقدان أنقرة لنفوذها في ليبيا وسقوط بوابتها لنهب ثروات البلاد ومد ذرعها في المنطقة.
ويشير مراقبون الى أن أردوغان الذي يدعم حكومة الوفاق عسكريا ويرسل شحنات السلاح الى ليبيا تباعا في خرق للحظر الدولي،سيتخلى عن حكومة السراج ان عاجلا أو آجلا حيث يدرك أردوغان أن نظامه لن يتحمل المزيد من الضغوط لدعم حليف لم يعد محل تأييد محلي وعربي،خاصة وأن تركيا تعيش على وقع العقوبات الدولية المتواصلة والانتقادات المستمرة نتيجة سياساتها في المنطقة وخاصة في سوريا.
 وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع أخرى ميدانية يشهدها الصراع المحتدم منذ اشهر في العاصمة طرابلس،التي شهدت توتراً بين ميليشيات موالية لحكومة الوفاق فرضت ما يشبه الحصار على مقر رئاسة الوزراء في طريق السكة. وذكرت وكالة الأنباء الألمانية أن مسلحي الميليشيات أطلقوا النار في الهواء تعبيراً عن استيائهم "من سوء دعم الحكومة لهم في جبهات القتال.
وكشفت هذه الحادثة عن تصدع التحالفات التي أقامتها حكومة الوفاق مع المليشيات المسلحة خاصة تلك القادمة من مصراتة والتي تقوم حكومة السراج بتمويلها مقابل حمايتها وتأمين بقائها،بالاضافة الى قيادة العمليات العسكرية ضد الجيش الليبي الذي يهاجم طرابلس.وبحسب متابعين للشأن الليبي فان ولاء هذه المليشيات لمن يدفع وتؤكد هذه الحادثة سيطرة المليشيات على العاصمة حيث تمارس أنشطتها دون رادع.
وفي غضون ذلك،يواصل الجيش الليبي التقدم باتجاه تحرير العاصمة بشكل كامل،وأعلنت القيادة العامة، أنها عاقدة العزم على تنفيذ أوامر الشعب الليبى بتحرير كل شبر من تراب الوطن"، مؤكدة تقدم قوات الجيش الليبى نحو تحرير العاصمة طرابلس.ودعت القيادة العامة- فى بيان لها الخميس - جميع مقاتلى المليشيات المسلحة فى طرابلس من الذين لا يحملون فكرا متطرفا لترك سلاحهم ومغادرة طرابلس، والعودة إلى مدنهم آمنين، "لنحتكم وإياهم إلى القانون وكلمة الشعب الليبى فيهم، ولمشروع وطنى شامل فى إطار القانون والدستور.
كما دعت الميليشيات بألا يكونوا عونا للمجموعات الإرهابية فى مواجهة جيش بلادهم، حيث إن هذه المجموعات لا تعترف بالدولة ولا بالدستور، وألا يساندوا من باع الوطن للطامعين بأمجاد الدولة العثمانية، وأدخلوا البلاد فى صراعات إقليمية ودولية هى فى غنى عنها.في اشارة الى حكومة الوفاق التي يتهمها الجيش الليبي بالارتهان للأجندات التركية والقطرية.
وحذرت القيادة العامة للجيش الوطنى الليبى من حجم التهديدات والأطماع الخارجية بخيرات ليبيا،مطالبة  المجتمع الدولى - بكل محافله سواء مؤتمر برلين أو غيره من اللقاءات الدولية المعنية بليبيا وبعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا - بدعمها ومساعدتها فى القضاء على المجموعات الإرهابية بطرابلس، وتفكيك المليشيات ونزع سلاحها وصولا لعملية سياسية تنتج عنها سلطة شرعية ذات أرضية دستورية تحظى باحترام الشعب الليبى وتجعل ليبيا دولة فاعلة فى محيطها الإقليمى وفى المنظومة الدولية.
ويواصل الجيش الليبي تضييق الخناق على القوات الموالية لحكومة الوفاق،حيث بثّ في وقت سابق مشاهد مصورة لسيطرة قواته على قلعة السدادة بين مدينتي مصراتة وسرت شرق طرابلس،وأعلن بالتزامن مع ذلك بدء عملية عسكرية على مدينة سرت، الواقعة على بعد 450 كيلومترًا شرقي طرابلس،وقال المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الليبي إن القوات المسلحة بدأت التحرك نحو سرت للسيطرة عليها.
ويرى مراقبون، إن ارتهان حكومة الوفاق للميليشيات المسلحة التي عقدت معها تحالفات هشة وتبعيتها للأجندات التركية-القطرية التي يروج لها تيار الاسلام السياسي وضعت نفسها في مأزق صعب محليا ودوليا قد تدفع ثمنه خاصة بعد اتفاقها الأخير مع تركيا الذي فتح باب الغضب الدولي تجاهها فيما تعاني منذ البداية من غياب للشرعية المحلية.وتاتي هذه الازمات بالتزامن مع تراجع ميداني لقوات الوفاق وتضييق الجيش الليبي للخناق عليها وهو ما يشير الى أن الايام أو الأسابيع القليلة القادمة قد تحمل تطورات كبيرة في المشهد الليبي.