تتعقد الأوضاع في ليبيا يوما تلو الآخر،في ظل إستمرار المخاطر الإرهابية التي تؤكدها الهجمات المتواصلة،ناهيك عن تردي الأوضاع الإقتصادية وتدهور المعيشة ما يدفع نح إحتجاجات شعبية واسعة.ورغم أن الخطوات تسير نحو إنهاء الفوضى وتحقيق تسوية شاملة، فإن العراقيل مازالت قائمة أمام فك الأزمة الليبية. فوسط استمرار محاولات إقناع الفرقاء الليبيين بضرورة الالتزام بوساطة فرنسا ونتائج الاجتماع، الذي احتضنته باريس في شهر مايو (أيار) الماضي،تتحرك إيطاليا في المقابل في محاولة لعرقلة تنفيذ إتفاق باريس،في حلقة أخرى من حلقات التدخل الخارجي الذي يطيل أمد الأزمة في البلاد. 

شروط إيطالية

ففي الوقت الذي تتواصل فيه التحركات لإجراء الإنتخابات في ليبيا،تتحرك إيطاليا في الإتجاه المعاكس في محاولة لتعطيل الإستحقاق.ففي مشهد جديد لسلسة الصدام بين فرنسا وإيطاليا، اعتبرت وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا، التي وصلت رفقة رئيس أركان الدفاع الإيطالي الجنرال كلاوديو غراتسيانو، إلى العاصمة طرابلس، قادمة من تونس،"أنه من الخطأ في ليبيا إجراء انتخابات قبل إتمام المصالحة. وقالت خلال لقائها مع رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج،أن القفز نحو الانتخابات مُباشرة وتخطي هذه المرحلة يُعد خطئاً في التخطيط لانتخابات ناجحة.وأشارت ترينتا إلى أن التعجيل في إجراء الانتخابات قبل استكمال عملية المُصالحة الشاملة سيضر ليبيا وإيطاليا، وعلى الجميع تفهم ذلك، وفق ما نقلته وكالة "آكي" الإيطالية.

وتأتي زيارة وزيرة الدفاع الإيطالية إلى ليبيا بعد يوم من انتهاء زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان،التي هدف من خلالها لحث أطراف الأزمة الليبية إلى المُضي قدمًا باتجاه إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية قبل نهاية العام الجاري،وفق ما نص عليه إتفاق باريس. ويرى مراقبون أن إيطاليا تحاول اجهاض تنظيم الانتخابات الليبية هذا العام،عبر التحذيراتتارة والشروط تارة أخرى.وكان رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبه كونته،أعلن الخميس الماضي، عن موقف بلاده من إجراء الانتخابات في ليبيا خلال العام الجاري، معتبرا أن إجراءها في هذا الموعد سيزيد من الفوضى السياسية في البلاد.وقال كونته، في تصريح نقله التلفزيون الحكومي، "أخبرت الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، خلال قمة مجموعة السبع أن هدفنا ليس تنظيم انتخابات بليبيا في ديسمبر المقبل، كما يريد (ماكرون)، ولكن استقرار البلاد".

مساعدة إيطالية

من جهة أخرى،تحاول إيطاليا فرض نفسها في الساحة الليبية من خلال تقديمها للدعم والمساعدات لحكومة الوفاق.وفي هذا السياق،أكدت وزيرة الدفاع الإيطالية، خلال لقائها مع السراج، استعداد بلادها لبدء الأنشطة الهادفة "لتعزيز القدرات الداخلية لنظام الدفاع الليبي، التي ترمي إلى الحفاظ على الأمن الداخلي، وتعزيز السيادة الليبية، وفقاً لاحتياجاتكم ولاحتياجات الشعب الليبي". وفقا لما نقلته وكالة أنباء "أكي" الإيطالية. وأكدت إليزابيتا ترينتا،الدعم الكامل لعملية توحيد الجيش الليبي، التي قالت إنها "يجب أن تكون شاملة لجميع الجهات الأمنية، الراغبة بالمشاركة في الدفاع عن الدولة"، قبل أن تشدد على أن "احتكار القوة يجب أن يكون بيد الدولة".كما لفتت المسؤولة الإيطالية لدى اجتماعها مع أوحيدة نجم، وزير الدفاع الجديد بحكومة السراج، إلى ضرورة وقف الاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية، مشيرة إلى أن حكومتها ستبقى إلى جانب ليبيا وشعبها. وأضافت موضحة "لدينا منزل مشترك هو البحر المتوسط، وإيطاليا تريد فعل المزيد من أجل استقرار المنطقة والبلد، ونحن نتشاطر مشكلة تدفقات الهجرة التي تجلب عدم الاستقرار للبلدين".

وبحسب "إرم نيوز"،عن مصادر إعلامية، فإن الوزيرة الإيطالية ناقشت مع المسؤولين الليبيين الخطة التي وضعها وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو سالفيني؛ بهدف تقديم الدعم إلى خفر السواحل الليبي وقوات البحرية، لتعزيز دورها في مكافحة تدفقات الهجرة غير القانونية. وكان قائد حرس السواحل الإيطالي، الجنرال مونتي، قد تعهد بتقديم نحو 12 قاربًا مطاطيًا لحرس السواحل الليبي، وصيانة الزوارق التي سبق وأن قدمتها إيطاليا إلى ليبيا.وعرض مونتي أيضًا تقديم التدريبات اللازمة لفريق من حرس السواحل الليبي؛ استعدادًا لتسليمهم أول دفعة زوارق مُتمثلة في زورقين من ضمن إجمالي العدد الكامل.

وبدوره، طالب رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج،بدعم إيطاليا للطلب الليبي برفع جزئي عن حظر السلاح لتجهيز قوة محاربة الإرهاب، وحرس المنشآت النفطية والحرس الرئاسي، وهي كيانات أمنية تعمل على حفظ الاستقرار، مشيدا في بيان له بما تقدمه إيطاليا من مساعدات لخفر السواحل، وأعرب عن أمله في تطوير هذا الدعم ليتمكن هذا الجهاز من أداء مهامه في عمليات الإنقاذ وملاحقة المهربين والمتاجرين بالبشر. وفي مارس/آذار 2011، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1970، وطلب فيه من جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة "منع بيع أو توريد الأسلحة وما يتعلق بها إلى ليبيا، بما فيها الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية وشبه العسكرية وقطع الغيار".فيما تتلقى حكومة الوفاق الليبية،مساعدات من الاتحاد الأوروبي ودوله؛ لا سيما إيطاليا، ضمن جهود مكافحة الهجرة الشرعية. وقال السراج إن الاجتماع ناقش أيضا عودة الشركات الإيطالية لاستئناف عملها في ليبيا، وتشكيل لجنة مشتركة لمراجعة التعاقدات السابقة، وبرامج لدعم قطاع الصحة، وإمكانية إرسال فرق طبية إيطالية إلى ليبيا، وإرسال المرضى الليبيين، الذين يتعذر علاجهم إلى إيطاليا، إضافة للتعاون في مجالي الطاقة والكهرباء.

إتهامات

وتصاعدت التحركات الإيطالية في الساحة الليبية،في محاولة لقطع الطريق أمام التحركات الفرنسية التي توجت بإتفاق باريس في مايو الماضي والذي دعا لإجراء إنتخابات قبل نهاية العام 2018.وهو ما أثار بحسب المراقبين حفيظة إيطاليا التي ترى في ليبيا "المستعمرة" القديمة التي لا يجب مزاحمتها عليها. وانتقد عضو مجلس النواب الليبي، عبدالهادي الصغير دعوة وزيرة الدفاع الايطالية إليزابيتا ترينتا، الفرقاء الليبيين لإتمام المصالحة السياسية قبل الانتخابات العامة،وقال الصغير في تصريح لوكالة (آكي) الايطالية "ايطاليا تدعم طرف في ليبيا وتعمل ضد بيان باريس ولديها رؤية اخرى مخالفة لبيان باريس"،ورأى البرلماني الليبي أن "الانتخابات هي المخرج الوحيد في ظل الانسداد السياسي الحاصل في البلاد".

وبدوره،قال عضو مجلس النواب الليبي سعيد إمغيب أن "من مصلحة إيطاليا عدم إجراء الانتخابات، وعدم وجود حكومة واحدة، ومؤسسات موحدة، وهي تدفع لبقاء حكومة ضعيفة تستطيع التحكم بها وتسييرها كيفما تشاء".وأضاف في تصريح لـ"إرم نيوز":"هذا حلم إيطاليا الذي لم يتوقع الطليان أن يتحقق، أما وقد تحقق، فلن يتنازلوا عنه ولن يفرطوا به بسهولة". ولفت إمغيب إلى أنه "لا إيطاليا ولا تيار الإسلام السياسي سيسمحون بخروجهم من المشهد، ولا الدول المستفيدة من الوضع الحالي، ولذلك لا يريدون للانتخابات أن تجرى".وتابع البرلماني الليبي أن الحل "سيكون ليبيًا، إذا تعاضد الليبيون وهبوا لمساعدة الجيش في السيطرة على العاصمة".

وتعتبر روما، ليبيا منطقة نفوذ لها، فجغرافيًا لا تفصل ليبيا عن إيطاليا إلا أمواج المتوسط، وتاريخيًا كانت ليبيا أهم المستعمرات الإيطالية في إفريقيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.كما ترى إيطاليا في فرنسا المسؤولة الأولى عما وصلت له ليبيا عقب التدخل العسكري ضدها سنة 2011، ودعتها إلى عدم تكرار الأخطاء التي اُرتُكبت في ليبيا بالماضي. ويشير المراقبون إلى أن فرنسا مأخوذة في ليبيا بمطامع ومصالح،فيما تريد ايطاليا الحفاظ على دورها الرئيسي في ليبيا لضمان الحصول على النصيب الأكبر من السوق الليبية.ولكن هذا الصراع الفرنسي الإيطالي بخصوص الملف الليبي من شأنه أن يزيد تعقيد الأزمة هناك،ويعمق الإنقسامات بين الفرقاء الليبيين.