تعيش تونس منذ أشهر على وقع تطورات سياسية كبيرة مع تصاعد حدة الاحتقان بين الرئيس التونسي قيس سعيد ومعارضيه.ومؤخرا عادت مسألة الحوار الوطني في تونس والذي سبق أن تحدث عنه الرئيس التونسي، إلى واجهة الاهتمام من جديد، وسط سجال سياسي تباينت فيه المواقف، واختلفت حول شكله ومضامينه.
وفي هذا الصدد،قال رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، جمال مسلم، إن الرابطة لم تحسم بعد بخصوص مشاركتها في الحوار الوطني الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية، قيس سعيّد.وأضاف في تصريح لاذاعة "الجوهرة أف أم" المحلية، أن مشاركتهم مرتبطة بتموقعهم في هذا الحوار واستشارتهم في مختلف محاوره، رافضا أن يكون حضورهم صوريا".
وأوضح أنه "لم يتم إعلامهم بتفاصيل سير الحوار الوطني ومخرجاته وجانبه التقني أو بأي تفاصيل اخرى تخص هذا المسار".وأكد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن "الاتحاد العام التونسي للشغل لديه الموقف نفسه وأنه يرفض المشاركة الصورية في هذا الحوار".
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل أعلن في وقت سابق رفضه الحضور بشكل صوري في الحوار الذي تعتزم رئاسة الجمهورية رعايته. قال أمينه العام نور الدين الطبوبي، في تصريحات للصحفيين على هامش مشاركته في مؤتمر نقابي إفريقي بتونس، أن رفض اتحاد الشغل المشاركة الصورية في الحوار يأتي استنادا لموقفة الداعي إلى أن يكون "الحوار ناجزا ومخرجاته غير مسبقة".
وكشف أن للاتحاد العام التونسي للشغل "هواجس من أن يكون تعطيل الحوار أو عدم توفير الضمانات الكفيلة لإنجاحه سببا في خلق أزمة ثقة وتشكيك "، محذرا في المقابل، من تفاقم الأزمة السياسية التي ستكون لها انعكاسات خطيرة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
وأضاف الطبوبي في تصريحاته، إن "مشاركة اتحاد الشغل تبقى مشروطة بأن يكون الحوار الوطني سيد نفسه، ومخرجاته ليست مسبقة"، دون أن يتطرق إلى موعد انطلاقه، حيث اكتفى بالقول إن "رئيس الجمهورية قيس سعيد منتخب من الشعب وهو من يتحمل مسؤولية قراراته السياسية".
وكان الرئيس التونسي قد أعلن في الأول من الشهر الجاري، أن الحوار الوطني، "سيكون مفتوحا مع من انخرطوا في حركة التصحيح في 25 يوليو الماضي"، مؤكدا في هذا الصدد، أن المنظمات الوطنية الكبرى ستشارك فيه، وأن " من خربوا وجوعوا ونكلوا بالشعب سيستثنون منه".
 وقال رئيس الهيئة الوطنية للمحامين بتونس، إبراهيم بودربالة، في تصريح نقلته عنه اليوم وكالة الأنباء التونسية الرسمية، إن "ترتيبات تنظيم هذا الحوار بلغت أشواطا متقدمة".وأضاف أن هيئة المحامين "ستتعامل مع هذا الحوار بشكل إيجابي، وستقدم مضمونا جديا في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ولن يكون حضورها شكليا".
ويزداد الوضع تعقيدا في تونس في ظل استمرار الخلافات السياسية وتصاعد حدة الاحتقان التي وصلت الشارع التونسي.وتظاهر آلاف التونسيين،الأحد 8 مايو 2022، دعمًا لخطوة الرئيس قيس سعيد نحو إعادة صياغة الدستور.ودعا المتظاهرون لمحاسبة الأحزاب الرافضة لقرارات الإصلاح التي يتخذها الرئيس سعيد، ورفعوا أعلام تونس وشعارات "الشعب يريد محاسبة الفاسدين" و"لا للتدخل الأجنبي" و"الشعب يدعم الرئيس في تطهير البلاد".
وشهدت البلاد موجة حرائق في عدة مناطق في البلاد،وتمكنت عناصر الحماية المدنية من إطفاء بعضها، بالتوازي مع فتح النيابة العامة تحقيقا، للكشف عن أسباب اندلاع هذه الحرائق والمتورطين في إشعالها.وقالت السلطات التونسية، إن عشرات الحرائق اندلعت في عدد من المحافظات التونسية.وتسببت الحرائق في خسائر مادية كبيرة.
 وشدّد الرئيس التونسي، قيس سعيّد، أنّ ما يحدث محاولة يائسة لإحراق البلاد مصيرها الفشل. وأكّد سعيّد في زيارته مقر وزارة الداخلية، أن الحرائق ليست من قبيل المصادفة، مضيفاً: "إنّهم سيحرقون حتى البحر لو كانوا يستطيعون"، في إشارة لحريق مركب بميناء مدينة صفاقس.وأكد قيس سعيد أنه "ستتم ملاحقة من تسببوا في افتعال الحرائق، فلا تسامح مع من يحاولون تخريب البلاد وتجويع التونسيين"، مشددا على "ضرورة حراسة الحقول".
واتهمت فعاليات سياسية، أطرافاً من المعارضة بالوقوف وراء الحرائق، لمزيد تأزيم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد ولنشر الفوضى وبث الفتنة بين التونسيين. وأكدت حركة "تونس إلى الأمام"، أنّ الحرائق الأخيرة حتماً بفعل فاعل، ولا شك في أنّ حركة النهضة وحلفاءها ضالعون فيها، ولا سيّما بعد بيان الحركة الإخوانية الذي دانت فيه نفسها بتحميلها الدفاع المدني مسؤولية الحرائق..
وندّدت الأمانة العامة لقوات الأمن الداخلي، بما ورد في بيان لحركة النهضة من اتهام جهاز الدفاع المدني بتأخير التدخل لإطفاء الحرائق. وقالت النقابة الأمنية، إنّ ما تضمنه بيان النهضة يهدف لإشعال نار الفتنة والمس بهياكل الدولة وتأليب الرأي العام ووضع أعوان الحماية المدنية في مواجهة مع التونسيين. وقال معز الدبابي، الأمين العام المساعد للأمانة العامة لقوات الأمن الداخلي: العديد من الحرائق وراءها أيادٍ إجرامية لديها مخططات معينة.
وشهدت تونس في العام 2013، حوارًا وطنيًّا، على أثر أزمة اغتيال السياسيين اليساريين، شكري بلعيد، ومحمد الإبراهمي، التي أنهت حكم "الترويكا"، وهو ائتلاف حزبي بين حركة "النهضة" و"المؤتمر من أجل الجمهورية" و"التكتل من أجل العمل والحريات"، أسفر عن تركيز حكومة تكنوقراط برئاسة مهدي جمعة في 2014.
ويرى مراقبون،أن الحوار الوطني المنتظر بتونس،سيختلف عن سابقه في سياقه ومضامينه وأهدافه،  خصوصًا مع تشديد الرئيس التونسي قيس سعيد على أن هذا الحوار لن يكون كالحوارات السابقة، وسيكون مفتوحًا لمن انخرطوا صادقين في حركة التصحيح، فهل ينجح الحوار القادم في حل أزمات البلاد وانقاذها من وضعها الذي يزداد تعقيدا خاصة على الصعيد الاقتصادي؟