بعد فشل المبادرات الدولية التي عقدت في الصخيرات وباليرمو مرورا بباريس في صياغة حل للأزمة السياسية الليبية التي طال أمدها منذ سنة 2011 تاريخ إسقاط العقيد معمر القذافي، ضاقت رهانات البعثة الأممية متمثلة أساسا في مبعوثها اللبناني غسان سلامة خاصة بعد اندلاع عملية طوفان الكرامة التي أطلقها الجيش في طرابلس منذ أبريل الماضي.

وارتبط تدخل منظمة الأمم المتحدة في مناطق التوتر العالمية، والدول التي تتعرض لأحداث استثنائية، بدور مبعوثي الأمين العام للهيئة، والذي كفلت له الفقرة الأولي من المادة 101 الفصل الـ15 من ميثاق الأمم المتحدة، أن يعين الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة كمبعوث من بين كبار موظفي هيئة الأمم المتحدة أو المديرين بها، ويتحدد دوره ومهمته فقط في زيارة المناطق المسؤول عنها من وقت إلى آخر، باستثناء أولئك المُكلفين بقضايا تتطلب الإقامة في ميدان العمل.

في آخر إحاطة له أمام مجلس الأمن، حذّر الموفد الأممي إلى ليبيا غسان سلامة من توسع العنف في ليبيا إلى مناطق جديدة، خاصة بعد إحاطة مجلس الأمن الدولي حول التطورات في البلاد.

ولم يخف سلامة مخاوفه من اتساع رقعة العنف في ليبيا، خاصة بعد مقتل أكثر من 100 شخص في المعارك بمنطقة زوارة.

وأكد غسان سلامة أن إمدادات الأسلحة إلى ليبيا رفعت منسوب العنف والفوضى، مشدداً على أن حظر الأسلحة على ليبيا لم يكن فعالاً وقرار مجلس الأمن لم يحترم.

كما اعتبر سلامة أن قصف المطارات في ليبيا مسألة كارثية، مشدداً على ضرورة أن تدينها الأمم المتحدة.

كما دعا المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، يوم الأربعاء، مجلس الأمن الدولي إلى إقرار بنود إضافية لولاية بعثته، لدعم وقف إطلاق النار ومنع تدفق السلاح.

إذ قال: "أشجع هذا المجلس على النظر في وضع أحكام إضافية في ولاية البعثة، بما يعزز القدرة على وقف العنف الذي يتفاقم بسبب إمدادات الأسلحة والذخائر، وانتهاكات حظر تصدير السلاح، التي تتواصل من قبل جميع أطراف النزاع".

وشدد سلامة على أھمیة دعوته إلى الإغلاق التدریجي لجمیع مراكز المھاجرین واللاجئین، مشیرا إلى أن وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني الليبية، فتحي باشاغا، أصدر أوامر بإغلاق ثلاثة من ھذه المراكز.

وأضاف أن الأمم المتحدة قدمت إلى حكومة الوفاق الوطني خطة طوارئ بشأن الخیارات البدیلة لاحتجاز المھاجرین واللاجئین تشمل الإفراج عنھم في المدن مع تقدیم المساعدة وتوفیر الرعایة الصحیة اللازمة لھم والسماح لھم بالدخول إلى سوق العمل والنظر في سبل إیجاد حلول مستدامة لھم خارج لیبیا.

وأكد سلامة أھمیة توفیر التمویل العاجل لخطة الاستجابة الإنسانیة لعام 2019 حتى یتسنى للبعثة مواصلة الاستجابة لاحتیاجات الفئات الأكثر ضعفا في لیبیا بما في ذلك المھاجرون.

في المقابل، أكد رئيس مجلس الأمن الدولي فاسيلي نيبيزيا، أن أعضاء المجلس ينظرون بإيجابية في المطالب التي تقدم بها مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا غسان سلامة في إحاطته الأخيرة.

وصرح نيبيزيا في تصريحات صحافية بعد جلسة أمس بشأن ليبيا، بأن مجلس الأمن استمع إلى مطالب سلامة المتعلقة بإنهاء الأزمة، وأنه سيدرس كيفية تقديم الدعم اللازم له.

وشدد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة على أهمية التنسيق الإقليمي للتوصل إلى تسوية للمشكلة الليبية، قائلا: إن هناك حاجة إلى المحافظة على حظر توريد السلاح المفروض على ليبيا، وإنه لا حل عسكريا للأزمة.

في بداية الشهر الماضي، أعلن سلامة عن خطة ن الخطة تتمثل في وقف إطلاق نار يتم تطبيقه خلال عيد الأضحى كخطوة أولى يعقبها اجتماع دولي بمشاركة الدول ذات الصلة ثم اجتماع للأطراف الليبية، مضيفاً أن البعثة لم تتحقق بعد من القصف الجوي الذي استهدف مدينة مرزق.

وحول الفرق بين خطة الحل ثلاثية المراحل التي أعلنها في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وبين الخطط الأخرى المقترحة بشأن ليبيا أشار سلامة إلى أنه يعمل لصالح مؤسسة تسعى لتحقيق السلام وليس الحرب وأن الاجتماعات ضرورية عندما تكون هناك رغبة لإحلال السلام.

وبيّن المبعوث الأممي أنه في كل عملية سلام تُعقد اجتماعات على مستويات مختلفة وأن الفرق هنا يتمثل في الرسالة الصادرة عن الأطراف الليبية بشأن استعدادها لجولات جديدة من المباحثات علمًا أن هذه المباحثات تبدأ بما يحقق بناء الثقة المتبادلة، على حد تعبيره.

في نفس السياق، يتهم سلامة على نطاق واسع بأنه منحاز ضد الجيش الوطني الليبي وقائده المشير خليفة حفتر الذي يتقدم مع مرور الوقت ليصبح الرجل رقم واحد في ليبيا، وهو ما يرفضه سلامة الذي يأمل أن يستمر النزاع باستمرار تكافؤ القوى بين المتخاصمين، ما يسمح له بالاستمرار في مهمته والظهور بشكل دائم تحت الأضواء.

وسبق للمتحدث باسم الجيش الليبي أحمد المسماري أن قال إن الجيش يعتبر غسان سلامة خصما يساهم في الأزمة العنيفة التي تشهدها ليبيا.

إلا أن فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، أواخر شهر يوليو، أبدى احتجاجه على إحاطة المبعوث الدولي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة أمام مجلس الأمن.

بالتالي، فإن الرأي العام في ليبيا يرى أن مفاتيح المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة لم تنجح في فك العقدة الليبية، رغم المحاولات والمبادرات الدولية لحلّ الأزمة ورأب الصدع بين الفرقاء، ما حدا ببعض المراقبين إلى التكهّن بـاحتراق خطّة سلامة في ليبيا في ظلّ تصاعد صراع المصالح والنفوذ بهذا البلد.