عاشت ليبيا منذ العام 2011، وضعا صعبا على جميع الأصعدة سياسيا وعسكريا واقتصاديا، ورغم محاولات الوصول إلى إرساء الاستقرار في هذا البلد الممزق، فإن هذا الأمر يزداد صعوبة في ظل تواصل مسلسل الفوضى التي ألقت بالبلاد في أحضان الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية. 

وفي الوقت الذي تعيش فيه ليبيا في دوامة أزمتها المتجددة، يبدو أن الصراع في هذا البلد الممزق بات ينبسط على عتبات أوروبا المختلفة في رؤيتها للحل. حيث تتحضر إيطاليا لعقد اجتماع جديد يهدف لسحب البساط من فرنسا التي سبق أن استضافت اجتماعا في مايو /أيار الماضي، الذي ضم الأطراف الليبية الرئيسية، في إطار محاولة فرنسية لإرساء الاستقرار في البلاد.

الترويج لمؤتمر روما

وبدأت التحركات الإيطالية تتسارع مؤخرا، حيث أبلغ وزير الخارجية الإيطالي إنزو موافيرو ميلانيزي، الثلاثاء، مجلس الشيوخ الإيطالي أن المؤتمر سيعقد في باليرمو عاصمة الجزيرة في 12 و13 من نوفمبر /تشرين الثاني المقبل، حيث من المتوقع مشاركة أطراف رئيسية من داخل وخارج ليبيا.

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"، قولها إنه من المنتظر أن يشارك في هذا المؤتمر المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني، ورؤساء مجلسي النواب والدولة، بالإضافة إلى فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني في العاصمة طرابلس، وذلك في مسعى لجمع القوى المتناحرة معا، وإقامة حوار في البلاد.

ورغم أن الوزير الإيطالي قد أكد على اهتمام أبداه المشير حفتر بالمؤتمر، لكنه لم يجزم ما إذا كان الأخير سيحضر المؤتمر أم لا. وبدوره امتنع أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي، عن التعليق لـ"الشرق الأوسط" حول حضور حفتر من عدمه، ونقلت الصحيفة عن المسماري قوله:"للأسف لا توجد لدي أي معلومات بهذا الخصوص حتى الآن".

وقال موافيرو "نريد إيجاد حل مشترك، حتى برغم اختلاف الآراء حول الطاولة" مضيفا أن الهدف هو المساعدة في استعادة السلام في ليبيا وتسهيل عملية سياسية شاملة قبيل انتخابات محتملة.وأوضح موافيرو أنه لا يتوقع أن يركز اجتماع باليرمو على تواريخ محددة، وأنه "لن يتم فرض مواعيد نهائية أو تحديد مهام لليبيين". معتبرا أن الحكومة الإيطالية "لم تشكك أبدا في حتمية إجراء الانتخابات السياسية في ليبيا".

وتأتي تصريحات الدبلوماسي الإيطالي في إشارة إلى الصراع المحتدم مع فرنسا بشأن تحديد موعد لإجراء الإنتخابات.وكان الزعماء الليبيون قد أعلنوا في مؤتمر في باريس في مايو/ايار الماضي، أنهم سيجرون انتخابات في العاشر من ديسمبر في إطار محاولة فرنسية لإرساء الاستقرار في البلاد.

من جهة أخرى، وجه الرئيس الإيطالي "جوزيبي كونتي" دعوة للرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، للمشاركة في المؤتمر القادم، وأكد جوزيبي خلال حوار أجرته معه جريدة "لاستامبا" الإيطالية، توجيه دعوة رسمية لنظيره الفرنسي، مؤكداً أنّ العلاقة بينه وبين ماكرون جيدة على المستوى الشخصي، ولا تتأثر بالاختلاف في وجهات النظر.وأوضح جوزيبي أنَّ كّلاً منهما يسعى إلى القيام بأفضل ما يمكنه فعله لتحقيق مصالح بلاده".

ومن المتوقع أن تسيطر الأزمة الليبية أيضاً على أجندة زيارة لرئيس الوزراء الإيطالي إلى موسكو خلال الشهر الجاري للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.حيث أشار الرئيس الإيطالي، إلى أنّه سيلتقي بوتين أيضاً لدعوته للمشاركة في هذا المؤتمر قائلاً :"أنا أعتبره (بوتين) مُحاوِرا أساسيا".

صراع القيادة

وتتوقع روما مشاركة وفود رفيعة المستوى من جيران ليبيا ودول الخليج، وتركيا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الدعم الأمريكي الذي تعول عليه بصفة كبيرة خاصة مع إشتداد التنافس بين روما وباريس حول قيادة الملف الليبي.

وفي دعم أمريكي جديد لروما، قال السفير الأميركي لدى إيطاليا لويس أيزنبرغ، الأربعاء، إن لإيطاليا "دورًا إستراتيجيًّا" في العمل الدبلوماسي لإعادة الاستقرار في ليبيا.وأكد الدبلوماسي الأميركي، خلال منتدى نظمته وكالة الأنباء الايطالية "إنسا"، أنه لا يعرف ما إذا كان الرئيس دونالد ترامب سيحضر المؤتمر الذي تنظمه إيطاليا يومي 12 و 13 نوفمبر في باليرمو. وأضاف قائلاً:"آمل ذلك، ولكن ليس لدي أي فكرة عن خططه، وأين قد يكون".

وقال أيزنبرغ إن الدور القيادي لإيطاليا أكدته حقيقة أن المؤتمر الدولي الذي سيعقد في هذا البلد، و"إيطاليا تحاول جمع جميع الأطراف المعنية لإيجاد حل، ونقطة البداية هي تطبيق خطة الأمم المتحدة للسلام".وأكد الدبلوماسي الأمريكي ، إن دور إيطاليا الرائد في مجال الأمن "يتجاوز ليبيا بكثير" ويمتد إلى مسارح الأزمات المختلفة، مشيرًا إلى أن إيطاليا هي البلد الثاني بعد الولايات المتحدة كوجود عسكري في أفغانستان، وفي العراق، وتمتلك فرقة عسكرية كبيرة في لبنان وتقدم مساعدة مهمة في البلقان".

وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الماضي، اعتبر في أغسطس الماضي، الدور الإيطالي ريادياً في جهود إعادة الاستقرار إلى ليبيا، وقال إن جهودها كانت "رائعة" في تهدئة الأوضاع. ووصف إيطاليا بأنها "حملت عبئاً ثقيلاً عن أوروبا" وأضاف:"رئيس الوزراء وأنا لدينا قناعة واحدة أن الأمم القوية يجب أن يكون لها حدود قوية، لدينا التزام قوي بحماية مواطنينا وجودة حياتهم".

وتأمل ايطاليا حضور ترامب شخصياً لترجيح الكفة لصالحها في ليبيا في مواجهة فرنسا، حيث ترى روما أن الأوضاع في ليبيا غير مستقرة لتنظيم انتخابات في 2018، فيما تتمسك باريس بإجراء الانتخابات كما تم الإعلان عنه في باريس. 

وتصاعدت حدة الصراع بين الطرفين حول قيادة الملف الليبي، وهو ما ظهر جليا في التصريحات المتبادلة. ولعل أبرز تصريح إيطالي جاء على لسان وزيرة الدفاع، إليزابيتا ترينتا، مطلع يوليو/تموز الماضي، والذي وجّهت فيها تحذيرا لفرنسا، قائلة "القيادة في ليبيا لنا".وهو ما اعتبره مراقبون صراعا واضحا على القيادة في ليبيا من الدولتين.

وما بين المطالبة الفرنسية بعقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية 2018، والإصرار الإيطالي على تأجيل الاستحقاقات الانتخابية الليبية حتى منتصف 2019، يبدو أن مستقبل ليبيا بات مرهونا بالصراع بين الدولتين حول القيادة في هذا البلد الغني بمصادر النفط.ويرجح المراقبون كفة إيطاليا في ظل الدعم الأمريكي.

تشكيك 

وفي سبتمبر 2017، طرح المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، خارطة عمل أممية تتضمن عدة نقاط من بينها إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية العام الحالي. واستكمالا لهذا الطرح، استضافت باريس اجتماعا لأطراف الأزمة الليبية، في مايو/أيار الماضي، والذي خرج بخارطة طريق للانتخابات المقبلة؛ حيث حدد إجرائها في 10 ديسمبر 2018، على أن يسبق ذلك اعتماد القوانين الانتخابية قبل 16 سبتمبر الماضي.

لكن الأوضاع الأمنية المتردية في ليبيا، مازالت تراوح مكانها، وهو ما دفع أطرافا داخلية وخارجية للتشكيك في إمكانية الالتزام بخارطة الطريق التي خرج بها اجتماع باريس، خاصة مع تجاوز أحد أجالها جراء خلافات داخلية.

وإنضمت ألمانيا مؤخرا للمشككين في إمكانية إجراء إنتخابات في ليبيا، حيث أعلن نيلز آنين، وزير الدولة للشؤون الخارجية الألمانية، عن دعم بلاده جهود بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لإجراء الانتخابات، لكنه اشترط أن تتم في "الوقت المناسب"، حسب تعبيره.

وقال نيلز الذي لفت إلى إجراء محادثات مثمرة مع مصر حول الأزمة الليبية، في تصريحات لصحيفة "لاستامبا" الإيطالية، الأربعاء، إن المجتمع الدولي، وخصوصا الاتحاد الأوروبي:"تقع عليه مسؤولية ضمان اختيار الليبيين لشكل دستورهم ومن يحكمهم"، واستشهد بالاشتباكات العنيفة التي شهدتها العاصمة الليبية طرابلس مؤخرا بين الميليشيات المسلحة كدليل على أن الوقت غير مناسب لإجراء الانتخابات.وأضاف نيلز موضحا:"نحن نعتزم المساعدة في تحديد موقف موحد لتجاوز الأزمة الليبية"، معتبرا أن "المبادرات الفرنسية والإيطالية هي بالتأكيد مدعاة للترحيب والرضا".

وكشفت اشتباكات على مدى أسابيع بين فصائل متناحرة في طرابلس، بعضها مرتبط بالحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، عن صعوبة تنظيم انتخابات في خضم الفوضى السائدة.ودفعت مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة للتشكيك في إمكانية تنظيم انتخابات في هذا البلد في ديسمبر كما نص عليه جدول زمني اعتمد في باريس، وذلك بسبب أعمال العنف والتأخير في العملية التشريعية.

وقال سلامة في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية في مقره بطرابلس، إنه "لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به. قد لا نتمكن من احترام تاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول المقبل" المحدد للانتخابات، معتبراً أنه "من الصعب الالتزام بالموعد المحدد في الجدول الزمني للانتخابات في ليبيا بسبب أعمال العنف والتأخر في العملية الانتخابية".