نطلقت، يوم أمس، في ربوع القطر الوطني الاحتفالات الرسمية للسنة الأمازيغية في مختلف مناطق الجزائر، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، بمختلف عاداتها وتقاليدها.

ويأتي هذا الاحتفال الذي يرمز إلى مرور 2965 عام من انتصار الزعيم الأمازيغي شيشناق على رمسيس الثالث فرعون مصر. كما أن هذا الاحتفال تعبير عن تاريخ ورمزية ودلالات الجزائريين من جهة، ومن جهة أخرى يناير رمزية في الذاكرة الجماعية التي تعبر عن مجد صنعه عظماء الأمازيغ وتاريخ بناء الحضارة الأمازيغية.

شيشناق تاريخ حافل بالانتصارات ألهب مستقبله الأجيال

يشهد الشارع الجزائري هذه الأيام حركة غير عادية من خلال التحضيرات للاحتفال بيناير واهتمام البعض بإقامة ولائم الإفطار والعشاء وجلسات الأفراح والسمر، لكن الاحتفال لا يخلو والحديث لا ينقطع عن ذكر البطل الأمازيغي شيشناق الأول الذي خلد اسمه في هذا اليوم ورد عن قومه العاديات ففتح مصر وجلس على عرشها، مؤسسا الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين، وهي الأسرة الأمازيغية التي حكمت أرض النيل بداية من سنة 945 قبل الميلاد حتى سنة 712 قبل الميلاد.

استطاع شيشناق أن يتولى حكم مصر ويحمل لقب الفرعون وأسس بذلك لحكم أسرته، الأسرة الثانية والعشرين، في عام 950 ق.م التي حكمت قرابة قرنين من الزمان. وقد عرفه الإغريق فسموه سوساكوس.

حكم الأسرة الحادية والعشرين، الذي دام مائة وثلاثين عاما تقريبا، عصفت خلاله الأحداث بمصر من الداخل والخارج وعم الفساد بالدولة وأنهكت الضرائب كاهل الشعب مما أدى إلى تفكك البلاد ولم يجد الفرعون بدا من محاولة حل المشاكل سلميا واضطر من إلى مهادنة مع مملكة بني إسرائيل أيضا التي كانت قوتها تتعاظم في فلسطين تحت حكم النبي داود عليه السلام. في هذه الفترة، كان ظهور شيشناق واقترانه بابنة الفرعون بسوسنس الثاني آخر ملوك هذه الأسرة الواحدة والعشرين وأعلن قيام الأسرة الثانية والعشرين، وكان ذلك حوالي عام 940 قبل الميلاد.

ويرجح البعض أنه نجح في تولي الحكم في مصر وديا وسلميا، فيما تؤكد مصادر أخرى أنه قهر مصر حربا واستولى على عرشها. في عهده كتب في إحدى الصخور في وادي الملوك بمصر أقوى المعارك التي قادها منتصرا. وتم التعرف على الملك الأمازيغي بعد اكتشاف مقبرته من قبل الفرنسي البروفيسور مونيته في سنة 1940م والتي وجدت بكامل كنوزها ولم تتعرض للنهب.

ولحجم الفضة التي عثر عليها بمقبرته سمي بالفرعون الفضي، وكان هذا الاكتشاف سيشكل حدثا مهما مثل حدث اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون لولا أن توقيت هذا الاكتشاف كان على أعتاب الحرب العالمية الثانية فلم ينل التغطية والاهتمام كما حدث عند اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون.

التقويم الأمازيغي وذكرى الاحتفالات

يعتبر التقويم الأمازيغي من بين أقدم التقويمات التي استعملها البشر على مر العصور، إذ استعمله الأمازيغ منذ2965 سنة، وبخلاف التقويمين الميلادي والهجري، فإن التقويم الأمازيغي لم يكن مرتبطا بأي حدث ديني أو تعبدي بل كان مرتبطا في رأي البعض بحدث تاريخي، فبعد انتصار الأمازيغ على الفراعنة دأبوا على الاحتفال كل سنة بهذا الانتصار، فيما ربطه البعض بحدث اجتماعي له علاقة بالطبيعة والمناخ. وأبرزوا أن هذا اليوم يمثل فاصلا زمنيا ومناخيا بين فترتين، فترة البرد القارس وفترة الاعتدال، كما يعتبر البداية السنوية للإنجاز الحقيقي للأشغال الفلاحية، ومن هنا تسمية اليوم الأول من السنة الأمازيغية برأس السنة الفلاحية.

ويعتبرون أن احتفال الأمازيغ برأس كل سنة يؤكد ارتباطهم بالأرض التي عشقوها دوما ويكرس فهمهم الخاص للحياة، إذ الملاحظ أن القاسم المشترك بين مختلف العادات والطقوس التي تقام خلال رأس السنة الجديدة هو ارتباطها بالأنشطة الفلاحية من زراعة وغرس للأشجار وتربية للماشية، مما يعكس علاقة هذا اليوم بانطلاق الموسم الفلاحي، وحضور التبرك والاستبشار بموسم فلاحي جيد يجلب الخير والرخاء للجميع.

الجزائريون يحتفلون في يوم واحد بتقاليد شتى

الجزائريون، وعلى غرار مختلف مناطق المغرب العربي، يحتفلون برأس السنة الأماززيغة، كل منطقة حسب عاداتها وتقاليدها وطقوسها. فسكان منطقة القبائل يحرصون على ذبح ديك عن الرجال ودجاجة عن النساء ويعتبرونه فألا يقيهم من الحسد والعين، لتقوم النسوة بتحضير أكلات تقليدية ليلا، ليجتمع الجميع صباحا أمام ضريح ولي صالح في أعلى قمة جبلية ويقوموا بذبح الأضاحي وتوزيعها على الفقراء، كما أن النسوة يتزين باللباس التقليدي ويعتبرنها فرصة لزيارة الأقارب والجيران.

والاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة له طقوسه الخاصة بالغرب الجزائري، حيث يكمن الاحتفال في تحضير ربات المنازل للكسكسي بالدجاج والبيض، وتشتري العائلات الغربية مجموعة معتبرة من المكسرات والحلويات التي يتم رميها على أصغر فرد في العائلة، حيث يوضع الطفل في ڤصعة ويتم توزيع الفأل على الناس.

أما في الشرق الجزائري، فالاحتفال برأس السنة الأمازيغية يختلف عن باقي المناطق، خاصة وأن سكان الأوراس يقومون بتغيير الموقد التقليدي المتكون من الأحجار والرمال الذي يطهى عليها الأكل، وبعد العشاء تقوم العائلات الباتنية بتنظيم سهرة خاصة بحضور التراز والفول السوداني والشاي على الطاولة.. لكن للأسف جل العائلات لا تدرك سبب إقامة الحفل في هذا اليوم بالذات، إذ إن هذا الاحتفال أصبح عادات وتقاليد تنحصر في منطقة باتنة، وبالضبط الجهة الغربية كأريس، اينوغيسن والشرقية كمنعة ومروانة.

باتنة تحتضن احتفالات رأس السنة الأمازيغية تحت شعار "يناير عيد وطني لكل الجزائريين"

هذا، وقد افتتحت، مساء أمس، بدار الثقافة والمسرح الجهوي فعاليات الاحتفالات الرسمية برأس السنة الأمازيغية "يناير 2965" تحت شعار "يناير عيد وطني لكل الجزائريين"، تحت الرعاية السامية للأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية التي تداولت على تنظيمه منذ سنة 1997 بصفة متواصلة، وبالتنسيق مع جمعية ثامزا أوراس فورام. وتهدف التظاهرة إلى إبراز العادات والتقاليد المرتبطة باحتفالية "يناير" وتعريف الجيل الصاعد بهذه الثقافة الأصيلة وباللغة الأمازيغية، من أجل المحافظة عليها واستمرارها مع الأجيال القادمة.

*نقلا عن الشروق الجزائرية