في بلدة "تيمانغولو" شرقي الكاميرون، وعلى بُعد حوالي 30 كلم من الحدود مع جمهورية أفريقيا الوسطى، يحاول نحو 6 آلاف لاجئ فارين من الموت بالصراع الطائفي المشتعل منذ نحو سنة في بانغي، ترميم حياتهم وإعادة ترتيبها بطريقة تتلاءم مع ظروف المنفى، وتنسيهم أهوال الحرب.

هي رحلة الهروب من الموت طلبا لملجأ آمن في المنفى، مع نشاط يكسبون من ورائه دخلا يعينعهم على تأمين احتياجاتهم، كما يرويها لوكالة الأناضول عدد من أولئك اللاجئين.وبالنظر إلى ساكني المخيم، فإن آلافا من سكان أفريقيا الوسطى يجدون في تلك الخيام المصنوعة من القماش المشمّع مأوى يعوّضهم فقدان عائلاتهم وخسارتهم لممتلكاتهم ومراعيهم، وهي الهبة التي حصلوا عليها من المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كما يقتاتون على الغذاء الذي توفّره لهم المنظمة الأممية.

حياتهم أضحت فاقدة لكلّ معانيها، وهو ما جعل حصول أغلب هؤلاء اللاجئين على عمل يدرّ عليهم دخلا أمنية لم يتردّدوا في الإفصاح عنها حالما علموا بقدوم مراسل الأناضول إلى مخيّمهم.زينب جبريل، سيدة في الخامسة والثلاثين من عمرها، ممّن يقيمون في مخيم ببلدة تيمانغولو الكاميرونية، وممن كان عليهم السير على أقدامهم لكيلومترات، ليصلوا، بعد أسابيع، إلى البلدة الواقعة شرقي الكاميرون، وقد أخذ منهم العطش وسوء التغذية كلّ مأخذ.

وبحديثها عن ظروف إقامتها في المخيم، عرجت زينب على تفاصيل رحلة هروبها من بلدة "بوار" شمالي أفريقيا الوسطى، قائلة: "في أحد الأيام قدمت إلينا عناصر أنتي بالاكا (ميليشيات مسيحية مسلحة)، وقتلت معظم أفراد عائلتي، فيما لاذ من تبقى على قيد الحياة بالفرار، ثم كان علينا السير على أقدامنا أياما وليالي بأكملها، لنصل إلى هنا".

وقال رئيس مكتب المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمنطقة الشرق الكاميروني، بيغي بينتشي مانينغ، لوكالة الأناضول، إن "معظم اللاجئين الذين نستقبلهم في مواقعنا أمّيون، حيث إنّ العديد منهم كانوا رعاة للماشية، أو يعملون في أنشطة زراعية، ما يعني  أنّ فرصهم في الحصول على وظيفة ضمن السياق الكاميروني ضئيلة للغاية".

تابع: "عموما، نحن بصدد العمل على إيجاد الوسائل لمساعدتهم على تحقيق استقلاليتهم، ومعرفة قدراتهم لتوفير الإجابة المناسبة لطلباتهم"وفي انتظار ذلك، يقبع لاجئو أفريقيا الوسطى تحت خيامهم متسلّحين بالصبر في مواجهة قساوة أوضاعهم.ومتحدثا عن لاجئي أفريقيا الوسطى، قال هاموا هامجودا، رئيس بلدية كيتي، وهي الدائرة الإدارية التي تنتمي إليها بلدة تيمانغولو، في تصريح لوكالة الأناضول: "على الرحب والسعة، ولقد وفّرنا لهم، عن طيب خاطر، قطعة من الأرض قدّمناها للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين لإقامة المخيم عليها، ونشجّع أولئك اللاجئين على الانضمام إلينا في ممارسة أنشطتنا اليومية".

تفاصيل مختلفة تميّز رحلة كلّ من أولئك اللاجئين عن الآخر، لكنّ جميع الحكايات تلتقي في نهاية واحدة، وهي المحطة الأخيرة أو المنفى، كما يسميها الكثيرون منهم.البعض منهم أعرب للأناضول عن رغبته في اتخاذ تلك البلدة الكاميرونية موطنا للاستقرار والاندماج في المجتمع الكاميروني، بعيدا عن العنف ورائحة الموت في بلده أفريقيا الوسطى.لكن آخرين يتمنون عودة السلام إلى أفريقيا الوسطى، لتيسير عودتهم إليها، وملاقاة ذويهم من جديد.

وما بين الأمنيتين، تنساب أيامهم متشابهة في ذلك المخيم، بانتظار ما ستسفر عنه الأوضاع في وطنهم.واندلع صراع على السلطة العام الماضي في أفريقيا الوسطى، الغنية بالثروات المعدنية، وتطور إلى اقتتال طائفي بين عناصر "سيليكا" (مليشيات مسلمة) و"أنتي بالاكا" (مليشيات مسيحية)، أسفر عن مقتل وجرح وتشريد الآلاف، بحسب الأمم المتحدة.