في تحقيق لموقع صدى التابع لمركز كارنيغي للسلام حول مسالك التهريب في الصحراء الليبيّة، تم الكشف عن أكثر المناطق تحركا من خلال شهادات ومعلومات متفرّقة من ليبيين وغيرهم، وكانت مدينة مرزق إحدى نقاط العبور لممتهني التهريب الليبيين والأجانب باعتبار المنطقة تفتح نحو الحدود التشاديّة والنيجريّة.

 مرزق التي لم تكن بعيدة عن التوترات منذ تحولات العام 2011، تعيش اليوم على وقع حرب متداخلة الأطراف لا رابح فيها بالتأكيد، ولكن الخاسر هم سكانها الذين أصبحت حياتهم اليومية تحت أصوات السلاح.

الحديث عن عصابات تشادية في مرزق لم يكن جديدا.  دخولها إلى ليبيا بدأ بسبب الغياب الكلي للدولة منذ 2011. كانت خلال سنوات ترتكب الجرائم بكل أنواعها بحق السكان المحليين وتهددهم في أرزاقهم وحياتهم. وتواصلت تلك الانتهاكات إلى الأشهر الأخيرة من بينها هجوم شنته تلك العصابات يوم عيد الفطر حيث اقتحمت عددا من المنازل وقامت بحرقها، وآخر الهجمات كان في بداية يونيو الماضي، حيث قالت مصادر إعلامية إن 5 أشخاص قتلوا خلال اشتباكات عنيفة بين أهالي المدينة ومجموعات تشاديّة.

العصابات التشاديّة دخلت على خط الأزمة في جنوب ليبيا منذ الإطاحة بالعقيد معمر القذافي العام 2011. الزعيم الليبي الراحل نجح خلال سنوات حكمه في التعامل مع المنطقة بشكل حازم حيث منع أي اقتراب لتلك العصابات من الحدود الليبية، لكن من سقوط نظامه تغيّرت الصورة كشكل من ردود الفعل العنيفة. انعدام الأمن وغياب الدولة التام عن تلك المناطق خلق حياة أخرى في مرزق حتى في مستوى تركيبتها السكانيّة.

ليس خاف على أحد الارتباط الاجتماعي بين عدد من قبائل الجنوب في ليبيا وبقية المكونات في تشاد والنيجر، ومرزق ليست استثناء في هذه الحالة، حيث تقول بعض المصادر أن الألاف من قبائل التبو الذين كانوا في التشاد والنيجر دخلوا ليبيا وغيروا من التركيبة الديمغرافية لمرزق ومارسوا بحق أهلها نوعا من الإرهاب الذي لم تسلم منه حتى منازلهم.

بالعودة إلى يوليو 2017، قالت مصادر مختلفة إن قوات الجيش الليبي اعتقلت، رمز التهريب بين تشاد وليبيا "مريم سرور". المرأة التي توصف بسيّدة التهريب، والمرأة المتنفذة من خلال شبكة علاقات ربطتها مع عدة أطراف أيام كان زوجها قائدا لإحدى العصابات التشاديّة قبل أن يقتله الجيش تلحقها عدة قضايا في القرصنة والتهريب والتمرّد لكنها تتمتع بحصانة قويّة من القوة التي تسندها.

مريم سرور ليست وحدها من وجدت في الجنوب الليبي مكانا للابتعاد عن أعين السلطات التشاديّة ومجالا لتهريب البشر والمخدرات، فوجود المعارضة التشادية تاريخيا على الحدود الليبية، سهل لها في أول فرصة لانعدام الأمن دخول التراب الليبي والاستقرار فيه وارتكاب الجرائم بحق أهله، الذين لم يألفوا بمثل تلك الظروف التي جعلتهم بين ليلة وضحاها أمام شبح الترهيب والإرهاب والتهريب ومن أطراف لم تكن تربطها بليبيا أي صلة.

ومع بداية المعركة في طرابلس في أبريل الماضي وفي الوقت الذي بسط الجيش الليبي سيطرته على عدد من المناطق، تحركّت الأوضاع في الجنوب من نفس المجموعات المتمرّدة. تلك الخطوة فسرها البعض بالارتباط بين قوات الوفاق وتلك المجموعات الأجنبية الخارجة عن القانون. ففي تصريحات إعلامية مختلفة قال النائب في البرلمان الليبي علي السعيدي، قال إن حكومة الوفاق تدعم تلك المجموعات ضمن خطة لتشتيت جهود الجيش وتخفيف الضغط على طرابلس. وعلّق السعيدي أن من يقوم بعمليات الترهيب في مرزق هم أشخاص على علاقة بحكومة الوفاق أعلنوا مساندتهم لها في طرابلس، من بينهم "حسن موسى" وهو متمرّد مرتبط بالعصابات التشادية ظهر في مقطع مساندا حكومة الوفاق.

وعلى الرغم من أن الجيش أعلن في أكثر من مناسبة سيطرته على مدينة مرزق، لكن التعامل الصعب مع تلك المنطقة وبمناطق الجنوب عموما يجعل السيطرة عليها صعبة في ظل الصراع الدائر على أكثر من منطقة في البلاد، وفي ظل انشغال الجيش بمعركة طرابلس التي طال أمدها وإصرار طرفي النزاع على مواصلتها رغم ما في ذلك من استنزاف للدولة على مختلف الصعد، الأمر الذي ولّد نوعا من الغضب لدى سكان تلك المناطق، وجعلهم يحملون المسؤولية لكل المسؤولين متهمين إياهم بالتقصير وتركهم لمصير محتوم قد ينتهي بقتلهم جماعيا أو تهجيرهم.

الرهان الأكبر على كل الأطراف الليبية اليوم في الجنوب هو فرض الأمن وتحقيق الاستقرار المفقود منذ سنوات. خلال ثمان سنوات شهد الجنوب حروبا أهلية وجرائم مليشياوية، وإرهابا بعناوين مختلفة، وتهريبا لكل الممنوعات. 

كل ذلك وقع في ظل اختراق المجموعات المسلحة الأجنبية التي ربطت علاقات لها مع أطراف في الداخل وجدت في انعدام الأمن فرصة للاستثراء عبر الاتجار بالبشر والمخدّرات والنفط، مستغلة غياب قوة قادرة على فرض سلطة الدولة. وعلى الرغم من أن الجيش يعلن في أكثر من مرة سيطرته على الجنوب لكنه بقي دائما مجالا للاختراقات الخارجيّة والخروج عن القانون.