في أعقاب اغتيال المعارض التونسي، محمد البراهمي صيف العام 2013، واعلان السلطات التونسية تصنيف جماعة أنصار الشريعة كتنظيم إرهابي. اختفى من الساحة التونسية أي تنظيم علني وتحولت كل صيغ التنًظم الجهادي في البلاد الى السرية تماشيا مع الظروف الأمنية الجديدة. لاحقا حصلت تطورات جذرية على المشهد الدولي وخاصة في سورية وقاد الاقتتال الداخلي بين داعش والقاعدة الى بروز معسكرين داخل التيار الجهادي، لتنسحب هذه الحالة على بقية الأقاليم والدول وخاصة في شمال أفريقيا، تونس وليبيا والجزائر.

تغير الظروف الذاتية والموضوعية دفع الجماعات الجهادية في تونس الى أن تتخذا نمطا جديدا في المواجهة مع الدولة بعد انهيار التنظيم، لتمر الى ترك حرية المبادرة لعناصرها الناشطة والنائمة في المدن والجبال والاكتفاء بنشر توجيهات عامة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي أقصى حالات التحكم يتم اعتماد حالة تنظيمية أقرب الى "الخلية العنقودية" بدلا من التنظيم "الهرمي" الذي أثبت عدم جدواه في مواجهة الاختراق الأمني. فالحالة الجهادية التونسية تعيش منذ مدة حالة هجرة من العمل ضمن جماعة كبرى تتكون من خلايا الى خلايا مستقلة تتكون من بضعة أفراد يحملون الأفكار الجهادية دون أن تكون لهم صلات تنظيمية مع الجماعات الجهادية ولكن لهم صلات فكرية وتعبويه عامة. وذلك ما يشكل تحدي أمني كبير لصعوبة التكهن أو التتبع الاستخباري لمثل هذا النوع من العمل الحركي المسلح.

تعتمد الجماعات الجهادية في حالات الشتات التنظيمي – كالحالة التي تعيشها في تونس – بشكل كبير على كتابات القيادي في تنظيم القاعدة أبو مصعب السوري (مصفى ست مريم نصار) الذي يدعو في كتابه "دعوة المقاومة الإسلامية" الى التخلي عن البناء المركزي و العمل في شكل خلايا مستقلة أو بالاعتماد على أفراد لا يتلقون تعليمات مباشرة بل مجرد توجيهات عامة و يوجه السوري في كتابه الى  ''إنشاء خلايا متنوعة لا ترتبط تنظيمياً وتجمع ما بين المركزية على صعيد الانتماء والشعارات والرموز والأفكار، وبين عدم الارتباط المركزي بحيث لا يمكن إجهاضها أمنياً. ويتم ربط كل أطياف الخلايا والسرايا والجماعات بـ 3 روابط، هي الاسم المشترك والبيعة، والعقيدة المشتركة، والهدف المشترك، عن طريق نشر فكر الجهاد المسلح، وتعبئة الشباب، وتوجيههم إلى ضرب الأهداف المعادية، وذلك لتحقيق المردود السياسي والهدف".

ويضيف السوري في السياق نفسه:" ثم إرشاد الشباب إلى أن تعد كل مجموعة نفسها بنفسها، على ما يلزم من العمل العسكري، بدءاً من أساليب المقاومة الشعبية (استغلال بعض المظاهرات والاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي) وانتهاءً بالعمليات الإستراتيجية المعقدة، ومروراً بكل أشكال ومستويات عمليات العصابات سواء كانت في المدن أو الأرياف. على هذا تتكون كل سرية من فرد أو أكثر، وتكون وحدة مستقلة يرأسها أميرها ويدبر شئونها، وتتجه للعمل العسكري مباشرة ولا تتجه لأي شكل من أشكال التنظيم والدعوة والتحريض وسوى ذلك من أعمال الجماعات السرية، بل تختار هدفها وتهاجمه".

في كل الساحات التي لا تجد فيها الجماعات الجهادية مجالا مريحا للعمل، كالذي وجدته اليوم في سورية والعراق، تتجه أكثر فأكثر الى هذا النوع من الاستنزاف ضد مؤسسات الدولة. وهو الامر الذي اهتم به زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وفقا للوثائق التي عثر عليها في البيت الذي قتل فيه في "أبوت أباد" الباكستانية. وتشير الوثائق الى أن " إن بعض المقربين من بن لادن حاولوا إقناعه بشن هجمات أكثر تواضعاً وأكثر سهولة بسبب تهديد الطائرات بدون طيار بينما التنصت جار في كل مكان.وأوضحت أن أبو مصعب السوري الذي كان قريباً من بن لادن كان يدعو إلى هذا النوع من الهجمات.وكشفت أن مسؤولي القاعدة "يعتقدون أن عمليات صغيرة مثل الهجمات التي يشنها أفراد معزولون يمكن أن تضعف العدو اقتصادياً".

أبو مصعب السوري وفي نفس الكتاب يوجه المتأثرين بدعايته ونموذجه الجهادي الى ضرب المصالح الأجنبية الموجودة في الدول العربية والإسلامية وتدمير المصالح الاقتصادية الأجنبية والمحلية لمزيدا من الاستنزاف ورفع منسوب الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي في هذه البلاد لزرع كل نزعات الحقد الجهوي والطبقي وكره مؤسسات الدولة لتعميق الهوة بين المواطن والدولة وكسر كل روابط الانتماء عنده. ويحدد السوري في السياق ذاته تسعة أهداف لبنادق الجهاديين على الساحة العربية والإسلامية منها:" كافة أشكال التواجد السياحي من شركات السياحة ووفود السياح الأجانب ومكاتبهم وشركات طيرانهم وغير ذلك. فهؤلاء هم سفراء الرذيلة والفساد والدعارة والانحلال. فضلاً عن أنهم الصورة المهينة للاحتلال الذي استولي على بلادنا وحولها إلى حديقة خلفية للاستراحة والاستجمام لفجاره والمترفين من شعوبه و الأهداف الاقتصادية الإستراتيجية الكبرى مثل: مقرات البورصة –مجمعات الطاقة والنفط – المطارات – الموانئ – شبكات السلك الحديدة والجسور وعقد الطرق السريعة – الأنفاق على الطرق – شبكات مترو الأنفاق – الأهداف السياحية....إلخ من مصادر الاقتصاد والموارد." (دعوة المقاومة – ج2-775).

وعلى خلاف ذلك تعمد العديد من الجماعات الى تبني بعض العمليات الإرهابية التي ينفذها أفراد أو خلايا صغيرة لمزيد حشد الأنصار من حولها وابراز شوكتها في الساحة. فمجرد التبني من خلال بيانات منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي لا يثبت أبدا حقيقة الجهة التي تقف وراء العملية، ففي سورية و ليبيا اليوم يحدث أن تتبنى أكثر من جماعة جهادية عملية واحدة و حدث الامر نفسه في تونس عندما تنازعت القاعدة و داعش حول مسؤولية كل منهما عن عملية باردو.