يتجه المرشح نوري أبوسهمين الى خوض غمار السباق الرئاسي في ليبيا ، مدعوما من قبل تيار الإسلام السياسي والجماعات المسلحة ، ومستندا الى رجل الدين المثير للجدل الصادق الغرياني المعزول من قبل مجلس النواب منذ نوفمبر 2014 دون أن يؤثر ذلك على موقعه لدى سلطات طرابلس ، ورغم المنافسة التي ينتظر أن تكون حادة على أصوات الناخبين ، يعوّل أبو سهمين وحلفاؤه على الكتلة الصلبة لجماعة الإخوان والدائرين في فلكها ولمكون الأمازيغ الذي ينتمي إليه.

وفي 21 نوفمبر الماضي ، اتجه بوسهمين الى مقر المفوضية الوطنية العليا المستقلة للانتخابات ليتقدم بملف ترشحه في أجواء استعراضية فيما كانت منصات الإعلام الإخواني تسلط عليها الأضواء كجواد يراهن عليه إسلاميو الداخل والخارج ، وبعد ثلاثة أيام تم الإعلان عن قرار المفوضية بإقصائه من القائمة الأولية الى جانب مترشحين آخرين ، لكنه قال في تصريحات تليفزيونية إنه لا يرجح وجود بـعد سياسي في قرار استبعاده من سباق انتخابات الرئاسة ، وأضاف أنه “يحسن الظن بالغير ويحترم مؤسسات الدولة”، لافتا إلى أن رفض قبول ترشحه يأتي بسبب “عدم تطابق المادة 10 البند السابع، ومضمونه أنه لديه حكم سابق يمنع ترشحه”.

وقال أبو سهمين إنه “سيتقدم بطعن ضد استبعاده من الترشح وواثق من قبول الطعن”، مؤكدا في الوقت ذاته أنه “سيمتثل لحكم القضاء أي كان”، وفي الأثناء ، تصاعدت أصوات مناصرين من الإخوان والجماعة المقاتلة لتزعم بأن الحكم النهائي الصادر في حقه خلال فترة حكم النظام السابق ، كان بسبب تبرعه لفائدة بناء مسجد ، وهو ما يشير الى رغبة واضحة في تلميع صورته وتقديمه لعامة الليبيين على أنه رجل تعرض للظلم بسبب نصرته للدين زمن القذافي ،ومحكوم عليه بالاستمرار في تقديم التضحيات ويبدو أن ضغوط الإسلاميين قد أعطت أكلها ، ليتم في الأول من ديسمبر الإعلان عن عودة أبو سهمين الى السباق الرئاسي بحسب ما ورد في قرار دائرة الطعون بمحكمة استئناف طرابلس .


**من هو بوسهمين؟


نوري أبو سهمين سياسي ليبي أمازيغي من مواليد 25 أكتوبر 1956 بمدينة زوارة، الواقعة في أقصى الشمال الغربي للبلاد ، درس العلاقات الدولية في المملكة المتحدة، وحصل على إجازة في الحقوق عام 1978 من جامعة بنغازي ، ومنذ ذلك التاريخ عمل في مجمع « أبوكماش » للبتروكيمياويات حتى العام 2000، ولم يعرف عنه أنه كان من معارضي النظام ،وهو ما جعله يحقق ؟مكاسب مهمة في مجال التجارة الموازية والتهريب ولاسيما على الحدود الغربية مع تونس ، ليتحول الى أحد أبرز أثرياء ليبيا.

ترشح بوسهمين لانتخابات المؤتمر الوطني العام ( الجمعية التأسيسية ) التي انتظمت في 7 يوليو 2012 وفاز بمقعد نائب عن مدينة زوارة ، وانتخب لاحقا مقررا للمجلس نتيجة التوافق بين حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا وكتلة "الوفاء للشهداء" المرتبطة بالجماعة المقاتلة ثم تولى مهمة رئيس للمؤتمر الوطني العام خلفا لمحمد المقريف بعد إقرار قانون العزل السياسي، وذلك خلال الفترة ما بين 24 يونيو 2013 و7 فبراير 2014،حيث  بعد حصل على 96 صوتا مقابل 80 صوتا لمنافسه الشريف الوافي ، ليعتبر أول شخصية أمازيغية تصل الى هذا المنصب الرفيع في تاريخ البلاد.

وفي مارس 2014 وأثناء فترة وجود أبو سهمين في منصبه كرئيس للمؤتمر الوطني العام تم تداول فيديو يظهر فيه وهو قيد التحقيق معه من بضعة أشخاص يعتقد أن أحدهم هو هيثم التاجوري المعروف آنذاك كآمر لميلشيا ثوار طرابلس، قاموا باقتحام مسكنه واستجوابه بشأن امرأتين قامتا بزيارته احداهما مديرة مكتبه، في مسكنه في وقت متأخر من الليل. وفي رد فعل مباشر ، أعلن مكتب النائب العام أنه يحقق في الاحتجاز غير القانوني لأبو سهمين من جهة، وفي "جرائم أخلاقية" محتملة من جهة أخرى، وما أثير حوله من وقائع قد تشكل جرائم أخلاقية أو جرائم حجز للحرية وابتزاز". 

وقال الصديق الصور رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام "سيكون هناك تحقيق في القضية برمتها وسيطال التحقيق كل الأشخاص المعنيين"لم يتم الكشف عن أية نتائج للتحقيق الأمني والقضائي في ملف اختطاف أبوسهمين ، ولاسيما أن جهودا بذلت على أكثر من صعيد للململة الموضوع ، ومن ذلك خروج المتحدث باسم المؤتمر الوطني العام آنذاك عمر حميدان أمام وسائل الإعلام لينفي بشكل قاطع أن يكون رئيس المؤتمر قد تعرض لمحاولة اختطاف من قبل مسلحين، وليدعو الليبيين إلى عدم الانجرار وراء ما نعتها بالإشاعات المغرضة التي ينشرها أشخاص وصفهم بأنهم لا يتحلون بروح الوطنية والمسؤولية والتي تستهدف إرباك المشهد وزعزعة الاستقرار في البلاد ، وفق تعبيره لكن القضية اتخذت أبعادا سياسية واجتماعية واسعة ولا سيما أنه كان أبرز شخصية على سدة الحكم ، والقائد الأعلى للقوات المسلحة ، والقائم على إدارة السلطتين التشريعية والتنفيذية معا ، وأحدث شرعا في الشرعية الأخلاقية التي يحاول أن يتدثر بها تيار الإسلام السياسي في صراعه من أجل احتكار السلطة والثروة والسلاح.


**تسليط الميليشيات


عرف عن بوسهمين  خلال توليه رئاسة المؤتمر الوطني العام أنه كان من أبرز المساندين لتسلط الميلشيات ، وقد أذن بتخصيص تمويلات لما سمي بمجلس ثوار ليبيا بقيادة أبو عبيدة الزاوي بمبلغ 900 مليون دينار ، كما كان داعما أساسيا للميلشيات الإرهابية التي كانت تسيطر على المنطقة الشرقية وخاصة بنغازي ودرنة ، وقد اعترف بذلك في مناسبات عدة ، وقال إن الجرافات التي نقلت السلاح إلى بنغازي كانت بعلمه وعلى مسؤوليته ، و لم يخفِ اعتزازه برفض اتفاق الصخيرات المبرم في ديسمبر 2015،  واصفا إياه بالفاشل، وبأنه بمثابة التعدي على السيادة الوطنية. وبسبب اعترافاته بدعم الجماعات الإرهابية في المنطقة الشرقية ، تقدمت منظمة الشرق الاوسط الدولية للعدالة وحقوق الانسان بشكوى الى مكتب النائب العام ضد كل من  أبو سهمين والمفتي المعزول من قبل مجلس النواب الصادق الغرياني بتهم ارتكابه جرائم تمس كيان الدولة الليبية ووحدتها ونسيجها الاجتماعي .

واستند مقدمو الشكوى على خروج أبوسهمين فى مقابلة خاصة بقناة النبأ الفضائية يوم 18 فبراير 2018 أقر خلالها صراحة بدعم الجماعات الارهابية خلال قتالها في بنغازي ما بين 2014-2017 ما يعد اعترافا منه على نفسه وعلى آخرين بأنهم قدموا دعم مادي ومعنوي ولوجستي لتلك المجموعات وبأنهم حرضوها على قتل المدنيين الداعمين للجيش في حربه على الارهاب .


**اقصاء من المشهد


برز أبوسهمين ، كأحد أبرز صقور تيار 17 فبراير ، وكحاضن للميلشيات ومدافع عن أمراء الحرب ، ولكنه تعرض للإقصاء من المشهد السياسي مع تشكيل حكومة الوفاق للمجلس الرئاسي برئاسة فائز السراج ، وقد اعتبر ذلك أمرا عاديا وفق مجريات الأحداق خلال تلك الفترة ،وفي السادس من يوليو 2020 أعلن أبو سهمين عن تأسيس تيار سياسي جديد يحمل إسم «يا بلادي » في إشارة الى النشيد الرسمي للمملكة الليبية الذي تم اعتماده من جديده بعد الإطاحة بنظام القذافي ،وفي محاولة للإيحاء بروح المصالحة الوطنية ،وجمع شمل الليبيين ،ويقدم التيار نفسه على أنه « نشأ من أجل توحيد الجهود الوطنية في سبيل الوقوف ضد ما يحاك لبلادنا ليبيا » وأنه « تيار الرافضين لانتهاك سيادة ليبيا، تيار للرافضين للفساد والاستبداد والانقلاب على أرادة الشعب» وأنه «تيار يجمع ولا يفرق ، يوحد ولا يشتت، تيار ينصر المظلوم على الظالم ويقف مع صاحب الحق دون النظر إلى توجهه السياسي أو انتمائه القبلي او الجهوي او العرقي » وأنه « الجسم السياسي الذي يعبر عن إرادة الليبيين الحقيقية في العيش بكرامة واستقرار وأمان ورفاهية» و« الذي سيخرج بليبيا من المرحلة الراهنة التي أضرت بها وبشعبها وجعلته رهينة لقرارات خارجية أو أممية لا تعبر عن إرادته ».

ويرى المراقبون المحليون أن تيار « يا بلادي » يمثّل الحاضنة السياسية لأنصار مفتي الإرهاب الصادق الغرياني بعد خلافاته المعلنة مع حزب العدالة والبناء ، وهو ممثل القوى الداعمة للتدخل العسكري التركي المباشر ، وللحضور القطري في غرب ليبيا ، كما أنه يمثل المواقف المتشددة في مواجهة الحل السياسي وتحقيق المصالحة ،وذلك بزعم الدفاع عن مقومات ثورة فبراير 2011 وأهدافها ويقول التيار أنه نجح الى حد الآن في تأسيس 73 مكتبا له داخل ليبيا، إضافة إلى مكاتب خارجية، وقد انخرط فيه أكثر من 30 ألف منتسب ، لكن أوساطا ليبية تعتبر التيار حركة انعزالية تعبر عن النزعة الإقصائية التكفيرية التي يمثلها الصادق الغرياني والمقربون منه ، وخاصة في مناطق غرب البلاد ،  والتي لا يمكن المراهنة عليها لكسب انتخابات رئاسية إلا ضمن تحالفات واسعة.