انفجرت سيارة مفخخة، صباح اليوم الأحد، في مدينة مصراتة مستهدفة إحدى بوابات مقار ميليشيات فجر ليبيا. وتعد هذه العملية الثانية من نوعها التي استهدفت مواقع عسكرية بمصراته، حيث ان سيارة مفخخة كانت قد انفجرت امام كتيبة "ام المعارك" التابعة لـ"الكتيبة 166" بمصراتة الاثنين الماضي اسفرت عن سقوط قتيلا وجريحا. هذا وقد اعلنت ميليشيات فجر ليبيا السبت، عبر صفحتها على "فيس بوك"، مقتل القائد الميداني صلاح البركي، وذلك بعد قصف القوات الموالية للحكومة الليبية المؤقتة بقيادة الفريق خليفة حفتر، لمواقع تابعة لها في مناطق متفرقة بمدينة طرابلس، أبرزها تجمعات الميليشيات جنوب مدينة العجيلات.

و الاسبوع الماضي،انفجرت سيارة مفخخة ،أمام مقر الكتيبة أم المعارك التابعة لقوات فجر ليبيا ،في منطقة أبوروية غربي مدينة مصراته ،نحو 200 شرق العاصمة الليبية طرابلس ،فيما أكد مصدر طبي لمراسل بوابة إفريقيا الإخبارية ،مقتل أحد عناصر الكتيبة فيما أصيب آخرون.و يرجح أن تقف عناصر تنظيم الدولة الاسلامية - داعش وراء الحادثة.و ذلك في أعقاب المعارك التي تخوضها ميليشيات قوة درع الوسطى التابع لمدينة مصراته ضد التنظيم في النوفلية و سرت.و كانت قوات مصراته قد أعلنت أمس الجمعة انسحابها من مدينة سرت بعد معارك عنيفة مع تنظيم الدولة.

بعد سيطرته على مدينة النوفلية شرقي سرت وعلى مدينة سرت نفسها الإستراتيجية الواقعة على السّاحل وسط البلاد ،والتي تعتبر مسقط رأس الزّعيم الليبي الرّاحل معمّر القذّافي ،وبعد عمليات عسكريّة خاطفة في الجنوب ضد مواقع عسكريّة ونفطيّة ،بدأ تنظيم داعش يتّجه نحو المواجهة مع قوات “فجر ليبيا” الفصيل العسكري الأقوى على السّاحل الغربي للبلاد .“فجر ليبيا” التنظيم العسكري المنحدر أساسا من مدينة مصراته و المطعّم بعناصر أخرى من مدن بالغرب الليبي ،والذي يعتبر الذراع العسكري لجسم سياسي متكوّن من المؤتمر الوطني الليبي العام (المنتهية ولايته و الذي عاود الإنعقاد في العاصمة طرابلس) وحكومة عمر الحاسي التي تطلق على نفسها إسم حكومة “الإنقاذ الوطني” ،يسيطر على العاصمة منذ شهر أوت (أغسطس/آب) من العام الماضي ،بعد طرده لكتائب مسلّحة تابعة لمدينة الزنتان الجبلية غرب البلاد من مناطق كانت تسيطر عليها وأهمها المطار.
تمدّد داعش على الأرض ،ودخوله للمواجهة مع “فجر ليبيا” يؤكّد نزعة التنظيم “التوسّعيّة” على الأرض ومشروعه الطامح لمزيد السيطرة ،ومزيد فرض النّفوذ .فمع مدينة درنة شرقي البلاد ،وبعض المناطق في الجنوب يمثل تواجد داعش غرب البلاد في ما يسميّه “ولاية الطرابلس” التي تمتد من الحدود التونسية حتى شرقي مدينة سرت ،عاملا مهما لتقوية النفوذ وبعث رسائل محملة بدلالات القوة و القدرة على الانتشار و التمدّد .

تعيش ليبيا على وقع إنقسام سياسي حاد ،ضرب كل المؤسسات في البلاد ،ففي شرق البلاد هناك قريبا من الحدود المصرية وتحديدا في مدينة طبرق ،ينتصب مجلس النوّاب المنتخب و المعترف به دوليًا ،رغم صدور قرار من المحكمة الدّستورية في طرابلس يقضي بعدم دستورية إنعقاده .عن هذا البرلمان تنبثق جكومة عبد الله الثني (ومقرها البيضاء) التي تحظى بدورها باعتراف دولي وتمثيل ديبلوماسي ،كما ينبق عنه أيضًا جيش يقوده الفريق خليفة حفتر بعد تعيينه مؤخرا قائدا عاما للجيش الليبي .غربا ،ينتصب في العاصمة طرابلس المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته و الذي عاود الانعقاد بعد سيطرة “فجر ليبيا” على العاصمة ،ولا يحظى هذا البرلمان بأي إعتراف دولي رسمي ،وتنبق عنه حكومة عمر الحاسي التي تسمّت بـ”حكومة الإنقاذ الوطني” و التي لا تحظى بدورها بأي إعتراف رسمي يذكر.

تتصارع الحكومتان والبرلمانان سياسيا ،بيتمما تتطاحن القوات العسكريّة على الأرض ،فالجيش الليبي يخوض معارك عنيفة على أطراف مدينة بنغازي ثاني كبرى المدن الليبية لـ”تحريرها” من بقايا التنظيمات الجهادية التي كانت تسيطر على المدينة ،ويخوض غربا بقوات مشكلة من عناصر قبلية معارك في عدة محاور ضد قوات “فجر ليبيا” .صراع يحاول المبعوث الدّولي برنادينو ليون ،التخفيف من حدّته وربّما انهائه من خلال الحوار الذي يرعاه على واجهتين : الأولى برلمانية بين نواب مجلس طبرق ونواب مؤتمر طرابلس ،وأخرى حزبية في الجزائر تضم أحزابا سياسيا و شخصيات مستقلة من أجل وضع تصوّر لانهاء حالة الحرب و الانقسام و الاحتقان في البلاد .وسط هذا الصّراع ،يظهر على جسم المشهد ،تنظيم “داعش” الذي بدأ يسيطر على مدن بكاملها و ينفّذ عمليات في محتلف مدن البلاد ،فبعد عملية نزل “كورنثيا” في طرابلس ،وتفجيرات مدينة القبة شرق البلاد ،نفّذ التنظيم أمس (كما فصّلنا) عمليّة إستهدفت نقطة أمنية تابعة لـ”فجر ليبيا” في العاصمة طرابلس ،بالتزامن مع مواجهات فتحها مع نفس القوات شرق مدينة سرت.

التظيم يفتح صراعا على واجهتين ،الأولى مع الجيش الليبي ببعض تشكيلاته في بنغازي وفي مدينة درنة وبعض العمليات الأخرى في شحات و طبرق وغيرها ،ومع “قوات فجر ليبيا” ،مع عمليات خاطفة تستهدف السيطرة على بعض الحقول النفطيّة التي لم ينجح بعد في السيطرة على الكثير منها على خلاف ذراعه في العراق و سوريا .يبدو “داعش” اليوم في ليبيا ،أهم مستفيد من “صراع الشّرعية” بين طبرق و طرابلس ،وسط تلكأ دولي وعربي عن دعم الجيش الليبي أو رفع حظر السلاح المفروض على البلاد منذ العام 2011 .